جددت تصريحات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الأخيرة بشأن قضية توثيق الطلاق، وعدم وقوع الطلاق الشفهي أو الاعتداد به، الخلافات مع شيخ الأزهر أحمد الطيب وهيئة كبار العلماء، التي كانت قد أعلنت موقفها الرافض منذ نحو ست سنوات تجاه هذه القضية، عندما كشف عنها السيسي لأول مرة في يناير/كانون الثاني 2017.
وقال السيسي، خلال احتفالية المرأة المصرية يوم الإثنين الماضي: "تحدثت في هذا الموضوع قبل ذلك، وقلت إننا نريد أن يكون هناك توثيق للطلاق، وحدث نقاش كبير فيه حينها، لكن من المهم أن نقوم بعمله الآن".
وأوضح أن "قانون توثيق الطلاق يحتوي على أكثر من 140 بنداً"، فيما قال وزير العدل عمر مروان إن "الأحكام الموضوعية في القانون الذي تتم صياغته حالياً تجاوزت حتى الآن الـ180، فضلاً عن الأحكام الإجرائية، لأننا نقوم بعمل مشروع متكامل حتى نلغي القوانين الستة السابقة التي كانت تنظم الأحوال الشخصية".
وتسبب رفض الإمام الأكبر وهيئة كبار العلماء لدعوة السيسي لعدم الاعتداد بالطلاق الشفهي، ووجوب توثيقه حتى يصبح نافذاً، في شقاق بين الرئيس وشيخ الأزهر، وصل إلى حد قول السيسي في إحدى المناسبات "تعبتني يا فضيلة الإمام"، وما تبعه من هجوم على الطيب في وسائل الإعلام التابعة للأجهزة الأمنية.
غضب داخل المشيخة
وسادت حالة من الغضب داخل المشيخة وهيئة كبار العلماء، لما اعتبروه تقليلاً من مقام شيخ الأزهر خلال احتفالية افتتاح المركز الإسلامي بالعاصمة الإدارية الجديدة، فجر أول أيام شهر رمضان الحالي، إذ بدا الأمر وكأنه كان هناك تعمد إساءة لشيخ الأزهر خلال جولة السيسي بالمركز، التي استمع خلالها لشرح من الدكتور أسامة الأزهري مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الدينية، بينما كان شيخ الأزهر في الصفوف الأخيرة.
وقال أحد العلماء، لـ"العربي الجديد"، طالباً عدم ذكر اسمه، إن الطيب "لا يلتفت لمثل تلك الإجراءات التي لا تليق بمقام راعي المناسبة"، مشدداً على أنه "زاهد بالأساس في الظهور الإعلامي".
جمال جبريل: مسألة الطلاق الشفهي فقهية لا دخل للقانون بها
ولفت، في الوقت ذاته، إلى أن "كل ما يهم شيخ الأزهر هو عدم المساس بالثوابت الدينية والأصول المتفق عليها بين جمهور العلماء". وكشف المصدر أن شيخ الأزهر "أكد لعدد من الشخصيات البارزة، التي حاولت التوسط لإنهاء الخلاف مع الرئيس، أنه لا توجد خصومة شخصية بينه وبين السيسي، ولكن الأمر مرتبط بصحيح الدين".
الطلاق الشفهي مسألة فقهية
ورأى أستاذ القانون الدستوري في جامعة حلوان جمال جبريل أن مسألة الطلاق الشفهي "مسألة فقهية لا دخل للقانون بها". ووصفها بأنها "معركة بلا ميدان، فيمكن لشخص أن يطلق زوجته ثم يعود ويحلف القسم أنه لم يحدث، كمن يفطر في السر في رمضان، لكنه صائم أمام الناس، كيف يمكن التحكم في هذه المسألة؟".
وأكد أستاذ القانون الدستوري، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "موافقة الأزهر غير واجبة من أجل الموافقة على القانون، وإلا تحولنا إلى دولة دينية، لكن النص الدستوري بمثابة نص توجيهي واستشاري وليس إلزامياً، ولو كان المشرّع الدستوري يرى وجوب عرض القانون وضرورة موافقته، لكان أوضح ذلك بنص صريح".
وينص الدستور المصري في مادته السابعة على أن "الأزهر الشريف هيئة إسلامية علمية مستقلة يختص من دون غيره بالقيام على كافة شؤونه، وهو المرجع الأساسي في العلوم الدينية والشؤون الإسلامية، ويتولى مسؤولية الدعوة ونشر علوم الدين واللغة العربية في مصر والعالم، وتلتزم الدولة بتوفير الاعتمادات المالية الكافية لتحقيق أغراضه. وشيخ الأزهر مستقل غير قابل للعزل".
ورأى الباحث الإسلامي عضو جبهة علماء الأزهر عصام تليمة، أنه "بعيداً عن هذا الصراع السلطوي فإنه لا طلاق بلا إشهاد"، مضيفاً لـ"العربي الجديد": "هذا رأيي الفقهي والعلمي (أن الطلاق لا بد من الإشهاد عليه). لكن هذا لا يمنع الآراء الأخرى، وهي عموم العلماء بوقوع الطلاق الشفهي".
ولفت إلى أن "الأزمة هنا أن نضع الإنسان صاحب المسألة الدينية، الذي يتزوج بالدين، ويطلق بالدين في صراع بين ضميره وبين القانون. وهذا خطأ وليس في صالح أي سلطة تريد أن تتصالح مع المجتمع والدين، لأنه يعطي مبرراً لأي إنسان يعادي هذه السلطة ليجعلها عدوة للدين".
عصام تليمة: بعيداً عن هذا الصراع السلطوي فإنه لا طلاق بلا إشهاد
وتابع الباحث الإسلامي: "هناك فرق بين التوثيق وبين الحكم، بين الأمر القضائي والأمر الديني. فإذا وقعت جريمة ما وليس عليها شهود، يكون المتهم بريئاً أمام القانون لعدم اكتمال الأوراق، لكن أمام الدين فهو مذنب. الأصل ألا نجعل الإنسان في صراع بين دينه وبين القانون، لا بد من وجود انسجام".
وكانت مصادر في مؤسسة الأزهر قالت إن المشيخة "انتظرت من الحكومة أن تُطلعها على مواد قانون الأحوال الشخصية الذي تقوم بإعداده ليكون بديلاً عن 6 تشريعات سارية، خصوصاً مادة توثيق الطلاق الشفهي، لكن ذلك لم يحدث رغم حديث وزير العدل عن "موافقة الأزهر على القانون" نهاية العام الماضي"، وبالتالي كان لزاماً على المشيخة أن تعيد تأكيد موقفها من القضية التي كانت مثار خلاف بين السيسي والطيب.