توتر أمني في طرابلس على خلفية تصاعد الصراع بين المجلس الرئاسي ومجلس النواب

23 اغسطس 2024
قوات الأمن الليبية في طرابلس 17 فبراير 2024 (Getty)
+ الخط -

لا تزال العاصمة طرابلس تعيش على وقع توتر أمني كبير، على الرغم من تمكن العديد من الوسطاء المحليين والدوليين من خفض تصعيد عسكري كبير عاشته العاصمة طيلة ساعات الصباح الأولى لليوم الجمعة، على خلفية الانقسام الحاد حول قرارات المجلس الرئاسي الخاصة بتغيير إدارة المصرف المركزي ومحافظه.

ومنذ ليل البارحة شهدت طرابلس تحركات سيارات مسلحة كثيف، خاصة في طريق الشط ووسط العاصمة بالقرب من مقر المصرف المركزي، فيما أصدرت البعثة الأممية بياناً أعربت فيها عن قلقها بشأن التقارير حول تحشيد القوات في العاصمة طرابلس، و"التهديد باستخدام القوة لحل الأزمة المحيطة بمصرف ليبيا المركزي"، مشيرةً إلى أنها تجري اتصالات كثيفة مع كل الأطراف للتهدئة والتوصل إلى اتفاق سلمي لحل الأزمة.

وفيما أكدت البعثة على أنه "لا مناص عن الحوار حلّاً وحيداً لجميع القضايا الخلافية"، أكدت أيضاً أن "هذه التحركات لا يمكن أن تُنتج حلاً مقبولاً أو عملياً للأزمة الحالية أو للجمود السياسي الذي طال أمده، بل ترى فيها سبباً إضافيّاً يفاقم الأزمة ويقلل من فرص التوصل إلى حل سياسي".

وشاركت السفارة الأميركية لدى ليبيا بيان البعثة الأممية، مؤكدة أنها تشاركها القلق من التحشيدات العسكرية في العاصمة، والتقارير التي تفيد بوقوع اشتباكات. وعبرت السفارة الأميركية عن رفضها حل أزمة البنك المركزي بالقول، إن الأمر "ستكون له عواقب وخيمة على سلامة المؤسسة الحيوية واستقرار البلاد، فضلاً عن التأثيرات الخطيرة المحتملة على موقف ليبيا في النظام المالي الدولي"، ودعت "جميع الجهات الفاعلة إلى الانخراط في حوار جاد بين جميع أصحاب المصلحة حول التوزيع العادل للثروة".

وجرى التحشيد العسكري بين مجموعات عسكرية موالية للمجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية تجمعت بغرض السيطرة على مقر المصرف وتمكين إدارة المصرف التي شكلها المجلس الرئاسي من عملها، وبين مجموعات مسلحة أخرى على صلة بمحافظ المصرف الحالي الصديق الكبير الموالي لمجلس النواب، وتقوم بعض فرقها المسلحة بتأمين المصرف، لغرض منع اقتحام مقر المصرف.

وفيما صرحت البعثة في بيانها بإجرائها اتصالات مع كل الأطراف للتهدئة، شاركت في الاتصالات للتهدئة أطراف محلية عديدة بحسب معلومات أدلت بها مصادر حكومية من طرابلس وأخرى على صلة بالمجلس البلدي لمدينة مصراته لـ"العربي الجديد". وأجمعت معلومات المصادر على تمكن قادة عسكريين من مصراته بالتنسيق مع قيادات اجتماعية في طرابلس من إقناع طرفي التحشيد العسكري على التهدئة، والاتفاق على انسحابهما إلى مقراتهم، وإحالة مسألة مجلس إدارة المصرف إلى القضاء للبت فيها، بالإضافة إلى تشكيل قوة مشتركة لتأمين مقر المصرف. ورغم الاتفاق، لا يزال الوضع هشاً وسط حالة من الترقب يعكسها استمرار نشر التشكيلات المسلحة، المختلفة في ولاءاتها، داخل العاصمة طرابلس، سيارات مسلحة وأفراد في مفاصل الطرقات القريبة من مقارها.

وألقت قرارات المجلس الرئاسي ومجلس النواب المتضاربة بظلالها على الوضع في العاصمة طرابلس، خاصة بعد إصدار المجلس الرئاسي قراراً بتغيير منصب محافظ المصرف وتشكيل مجلس إدارة جديدة، وهو القرار الذي عارضه مجلس النواب متهماً المجلس الرئاسي بالخروج عن صلاحياته التي لا تعطيه حق تغيير شاغلي المناصب السيادية.

واتجهت العلاقة بين السلطة في طرابلس، المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية، وبين محافظ المصرف المركزي الصديق الكبير، إلى التوتر، منذ حدوث تقارب بين الأخير ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح، في مارس/ آذار الماضي، انتهى إلى ارتباطهما بتحالف رفض بموجبه الكبير منح السلطة في طرابلس أموال الميزانية إلا بعد موافقة مجلس النواب، كونه السلطة التشريعية في البلاد. وازدادت العلاقة توتراً بعد توافق المصرف المركزي ومجلس النواب على منح الميزانية المالية للعام الحالي لحكومة مجلس النواب.

وفي مقابل إصرار المجلس الرئاسي على إنفاذ قراره بشأن تغيير محافظ المصرف التي استند فيها إلى صلاحياته الرئاسية، أعلن مجلس النواب انتهاء ولاية المجلس الرئاسي بانتهاء مدة اتفاق جنيف الذي تشكلت سلطة المجلس الرئاسي بموجبه، معلناً أيضاً استمرار المحافظ الحالي للمصرف الصديق الكبير في مهامه، وإلغاء قرار سابق بإقالته وتعيين المصرفي محمد الشكري بديلاً عنه، وهو القرار الذي استند إليه المجلس الرئاسي في تغيير إدارة المصرف وتمكين الشكري من منصبه.

وفي آخر التطورات، أعلن الشكري، عبر صفحته الرسمية اليوم الجمعة، تحفظه على قبول تكليفه بمنصب محافظ البنك إلا بتوافق مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، كونهما الجهتين التشريعيتين المختصتين بتسمية محافظ البنك المركزي، معلناً براءته من الصراع القائم حول المصرف. وعقب إعلان الشكري موقفه، أعلنت لجنة شكلها المجلس الرئاسي لتسلم المصرف مباشرة مجلس إدارة جديد للمصرف مهامه غداً السبت.

وفي حين يعكس إمكانية اتجاه الأوضاع نحو تصعيد أكبر، أوضحت اللجنة أنها انتهت من "التنسيق التام مع جميع الأجهزة الأمنية المعنية بإتمام عملية التسليم والتسلم بسلاسة كاملة بعد أن أبدت استجابتها لقرارات المجلس الرئاسي بالخصوص"، فيما أصدرت إدارة المصرف الحالية بياناً نفت فيه تسليمها مقر المصرف.

وفيما كررت إدارة المصرف الحالية، عبر الصفحة الرسمية للمصرف على "فيسبوك"، مواقفها السابقة من أن قرارات المجلس الرئاسي "صادرة عن غير ذي صفة وباطلة ومخالفة للقانون"، أكدت استمرار تعليق عمل موظفيه بالمصرف إلى حين إلغاء المجلس الرئاسي قراراته، مستثنياً من تعليق العمل المهام المصرفية المرتبطة بالمنظمات والخدمات الإلكترونية.

ومن جانبه، لوح رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، بإمكانية إغلاق الحقول النفطية لمنع تحويل إيراداته إلى المصرف المركزي في حال تنفيذ المجلس الرئاسي قرارته بتغيير محافظ المصرف. واتهم صالح، في حديث لفضائية محلية ليل البارحة، المجلس الرئاسي بالسعي لنهب المال العام من خلال تغيير إدارة المصرف ومحافظه، وقال: "لن نسمح باستمرار ضخ أموال الثروة الليبية ووصولها إلى يد أشخاص جاؤوا إلى السلطة بطريقة مشبوهة"، محذراً من أن المساس بالمصرف ومحافظه في الوقت الحالي قد يهدد استقرار المؤسسة النقدية في ليبيا وتعاملاته الدولية.