تزايدت ظاهرة الجثث المرمية على جانبي الطرقات بمدينة بنغازي، أكبر مدن شرق البلاد، في الآونة الأخيرة، بعد تصاعد حالات الاختطاف والاغتيالات من جهات مجهولة منذ منتصف ديسمبر/ كانون الأول الماضي، على الرغم من إعلان اللجنة الأمنية المشتركة التابعة لقيادة اللواء المتقاعد خليفة حفتر الانتهاء من المرحلة الأولى من عملية "فرض القانون".
وأطلق حفتر، منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، عملية "فرض القانون"، بهدف "فرض الأمن والقضاء على الجريمة، والقبض على كل الجناة والخارجين عن القانون داخل مدينة بنغازي"، قبل أن تعلن اللجنة الأمنية المشتركة، المكلفة بتنفيذها، عن نهاية المرحلة الأولى منتصف ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وبدء المرحلة الثانية مطلع الشهر الجاري، لكن وسائل إعلام ليبية غطت، طيلة أسابيع، تصاعد ظاهرة الاختطافات والاغتيالات.
ورغم حالة التكتم الكبير في أوساط أجهزة أمن حفتر حول حقيقة الأوضاع بالمدينة، إلا أن وسائل إعلام ليبية ونشطاء كشفوا، عبر منصات التواصل الاجتماعي"، عن العثور على عدد من جثث المختطفين، آخرها العثور على جثة ميلاد الورفلي في ثلاجة الموتى بمستشفى الجلاء بالمدينة، بعد أكثر من شهر من اختطافه على يد مجموعة مسلحة مجهولة.
وتوافقت معلومات أهالي حي السرتي، الذي يقطنه الورفلي البالغ من العمر 25 سنة، على أنه اختطف على يد مسلحين مجهولين وانقطع الاتصال به من حينها.
وأشارت المعلومات إلى أن الورفلي شارك في المظاهرات التي شهدتها المدينة، خلال سبتمبر/ أيلول الماضي، والتي رفعت شعار "محاربة الفساد والمفسدين".
ووصف الناشط السياسي الليبي من بنغازي عقيلة الأطرش أوضاع المدينة بـ"الكارثية"، في ظل غياب المتابعة الدولية والمحلية للممارسات التي تقترفها مليشيات حفتر، على حد تعبيره.
وذكر الأطرش، خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، أن الرأي العام بالمدينة أثناء متابعته لعملية حفتر رصد أن مرحلتها الأولى كانت تستهدف المليشيات التي خرجت عن سيطرة حفتر، سواء الرافضة لاستمرار سيطرته العسكرية والأمنية، أو التي تتكون من عناصر إجرامية منفلتة، والتي بدت تشكل هاجسا لحفتر مخافة اقتطاعها لأجزاء من المدينة واتساع دائرة معارضيه.
وفيما يؤكد الأطرش أن حفتر تمكن من تقويض سلطة المليشيات الخارجة عن سيطرته، لفت إلى أن المرحلة الثانية من العملية انتقلت لاستهداف الأشخاص داخل الأحياء السكنية.
ومنذ مطلع الشهر الجاري، توالت الإعلانات عن العثور على جثث مدنيين وعسكريين في عدد من أحياء المدينة، قتلوا في ظروف غامضة، منها ست جثث في يوم واحد، تناقلت وسائل إعلام ليبية يوم العشرين من الشهر الجاري، أنباء العثور على أربع منها في شارع الزيت، والخامسة في مصيف المعلمين بالمدينة.
وصف الناشط السياسي الليبي من بنغازي عقيلة الأطرش أوضاع المدينة بـ"الكارثية"، في ظل غياب المتابعة الدولية والمحلية للممارسات التي تقترفها مليشيات حفتر
وفي اليوم ذاته، أعلنت أسرة الشاب الشريف بالروين عن العثور على جثته بعد أيام من اختطافه.
ونقل الأطرش عن شهود عيان من المدينة أن منفذي الاختطافات عادة ما يستعملون سيارات معتمة ويغطون وجوههم، وينفذون عملياتهم في منتصف الليل عبر مداهمة البيوت.
وذكر الأطرش أن جثث المختطفين، التي عادة ما يكون عليها طلق ناري، يعثر عليها غالبا بعد أيام من اختطاف أصحابها، ما يعني خضوعهم للتحقيق وعمليات عنف وتعذيب.
وتحولت منصات التواصل الاجتماعي إلى وسيلة لإبلاغ أسر عن فقدان أبنائها، لكن رئيس مكتب الإعلام الأمني لوزارة داخلية الحكومة الموازية، طارق الخراز، ينفي أن تكون تلك الأنباء بشأن ظاهرة الجثث صحيحة، وأن وسائل الإعلام "تهول الأمر".
وبينما يؤكد الخراز، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الحملة التي تنفذها أجهزة أمن المدينة ضمن عملية "فرض القانون" ناجحة وتجري تحقيقات في "بعض الوقائع والجرائم"، اشتكت زعامات قبلية من المدينة من حالة الانفلات.
وانتقد الشيخ أسامة بوحلاق، أحد زعامات قبيلة العواقير، ظاهرة السيارات المعتمة، وطالب بضرورة وضع حد لها، متسائلا عن هوية الملثمين الذين يقودونها.
وخلال فيديو متداول، وصف بوحلاق المدينة بـ"المخنوقة"، وأمهل الأجهزة الأمنية "فترة"، لم يحددها، قبل أن "ينزل شباب المدينة للشوارع" لوقف ظاهرة الجثث الملقاة على الطرقات، وفق قوله.
وتضاف ظاهرة الانتهاكات في بنغازي لقائمة الانتهاكات التي تواجه حفتر أمام المحاكم الدولية، فخلال الأسبوع قبل الماضي أعلن فريق المحامين، الذي كلفه حفتر للدفاع عنه أمام المحاكم الأميركية في عدد من القضايا التي رفعتها أسر ليبية ضده، على خلفية تورطه في المقابر الجماعية في ترهونة، عن انسحابه بعد رفض المحكمة الأميركية طلبا منهم للتدخل، كون حفتر يتولى "مهام رئاسية"، وإمكانية أن تؤثر محاكمته على "مجريات الحوار السياسي"، بل أكد رئيس مؤسسة "الديمقراطية وحقوق الإنسان"، عماد الدين المنتصر، في تصريح سابق لـ"العربي الجديد"، بدء تقديم دعاوى قضائية جماعية جديدة ضد حفتر، "تشمل آلاف الضحايا من الليبيين وغير الليبيين لتوحيد الجهود ورفع سقف المطالب".
ويأتي ذلك مع توالي الإعلانات بشأن اكتشاف المزيد من المقابر الجماعية التي خلفتها مليشياته في مدينة ترهونة، جنوب شرق العاصمة طرابلس، قبل انسحابها منها في يونيو/ حزيران الماضي.
فحتى أمس السبت، أعلنت وزارة العدل بحكومة الوفاق عن تسليمها لـ17 جثة لذويها، عثر عليها مؤخرا في مقابر جماعية جديدة، في وقت تؤكد الهيئة العامة للتعرف والبحث عن المفقودين التابعة لـ"الوفاق" أن من عثر عليهم في مقابر ترهونة لا يتجاوز 120 جثة من أصل 330 مفقودا أبلغت عنهم أسرهم.