تناقضات موقف الإدارة الأميركية من مشاركة الأسد في القمة العربية

19 مايو 2023
قال الناطق باسم الخارجية الأميركية فيدانت باتيل إنّ الإدارة لن تقاطع القمة (الأناضول)
+ الخط -

تتعاطى إدارة جو بايدن مع الشرق الأوسط عموماً بمزيج من الغموض والازدواجية، لكنها مع مشاركة رئيس النظام السوري بشار الأسد في القمة العربية بجدة السعودية ضربت الرقم القياسي في مواقفها الملتوية والمتضاربة بصورة فاضحة، ما جعلها تستعصي على الفهم كما على التسويق.

وتشدد واشنطن فوق الطاولة على ضرورة عزل النظام السوري لكنها تحاوره تحت الطاولة، إلى أن اضطرت للاعتراف بذلك بعد انكشاف أمرها. تتمسك بقانون قيصر وعقوباته، لكنها لا تنذر المطبّعين بتطبيقه عليهم. تتعهد بأنها لن تُقدم على التطبيع مع النظام، لكنها لا تدين "الشركاء" الذين طبّعوا. تعترض على القمة التي أعادت الأسد إليها، لكنها لا تعلن مقاطعتها وعدم حضور جلساتها كمراقب، كما في مؤتمرات القمة السابقة.

وقال الناطق باسم الخارجية الأميركية، فيدانت باتيل، الخميس، إنّ الإدارة لن تقاطع القمة، مضيفاً أنّه لا يعرف حتى الآن مستوى الوفد المشارك، والمرجح أن يشارك السفير الأميركي في المملكة مايكل راتني مع بعض معاونيه.

واجتهد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن وفريقه، لشرح حيثيات الموقف، لكن المحاولة أظهرت تناقضاته. ويبدو أنّ انكشاف اللقاء الأميركي السوري في سلطنة عُمان تسبب بالقدر الأهم من التخبّط. وبررت الخارجية الأميركية اللقاء بأنه جاء للعمل على إطلاق سراح الصحافي الأميركي أوستن تايس؛ المفقود في سورية منذ عشر سنوات.

بيد أنّ التفسير بدا أقرب إلى الذريعة، إذ في مثل هذه الحالة كان من المفترض، في ضوء السوابق المماثلة، أن يتم الإفراج عن الموقوف في أعقاب اجتماع من هذا النوع، أو على الأقل صدور بيان واعد عن وضعه، لكن التكتم مع عدم الوضوح فتح الباب للتكهنات عما إذا كان لقاء عُمان بمثابة خطوة أولى لكسر جليد العلاقات أو "بروفة" لتطبيع لاحق، حتى لو كانت قضية تايس الدافع الرئيسي له.

وإذا كانت واشنطن ترى في عودة النظام السوري إلى الجامعة العربية وقمة جدة عملية مؤذية لمصالحها في المنطقة، فلماذا التهاون مع الشركاء الذين وضعوا ثقلهم لتأمين هذه العودة؟ إذ اكتفى بلينكن بالقول إنّ النظام السوري "لا يستحق العودة إلى الجامعة"، مبدياً تفهمه للدول العربية الشريكة "التي يعود لها اتخاذ قراراتها بنفسها".

وكررت الخارجية الأميركية هذا الموقف، في اليومين الأخيرين، وهو رد غير مألوف من جانب واشنطن على توجهات "لا تؤيدها ولا تؤيد أصحابها" في قضايا ونزاعات جيوسياسية بحجم النزاع في سورية وحولها.

ومن القراءات أنّ مثل هذا التعارض حالة "عضوية" في سياسة بايدن الخارجية إجمالاً وبالشرق الأوسط على وجه الخصوص، حيث انتقل خطاب الإدارة من الساخن إلى البارد أو الفاتر مع الصين، على سبيل المثال، في أقل من شهرين، وتحوّل من لغة التوتير إلى لغة التعايش ومن التهديد باستخدام القوة ضد الصين لو اجتاحت تايوان إلى الحديث عن علاقة "بناءة" بتعبير وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين.

وفي الشرق الأوسط تبدو مواقف الإدارة الأميركية محاطة غالباً بالغموض لحفظ خط الرجعة، كما "تتبدل نماذجها بتأثير التطورات" في المنطقة، وثمة من يربط بين هذا التقلب وبين المحاولات المطروحة منذ زمن باراك أوباما، للتحول نحو الشرق الأقصى بعد الانسحاب من الشرق الأوسط "المتعب"، والتي ما زالت متأرجحة لأنه ليس بوسع الولايات المتحدة ترجمة هذا الانتقال "إذ كلما تحاول الهروب من الشرق الأوسط فإنّ هذا الأخير يلحق بها لإرجاعها". والحديث الآن عن القمة العربية وعودة النظام السوري دليل آخر في هذا الخصوص، بقدر ما هو مؤشر على مدى الارتباك في مقاربة قضايا المنطقة.

المساهمون