تنافس انتخابي على نينوى: السكان لا يحصدون غير الوعود

06 اغسطس 2021
تضم محافظة نينوى 8 دوائر انتخابية و34 مقعداً نيابياً (Getty)
+ الخط -

تشهد مدينة الموصل ومدن أخرى في محافظة نينوى، شمالي العراق، تنافساً انتخابياً واسعاً يكاد يكون الأكثر وضوحاً في العراق بعد العاصمة بغداد، وذلك بسبب ثقل المحافظة السكاني البالغ أكثر من ثلاثة ملايين ونصف المليون نسمة. والمحافظة مقسّمة إلى ثماني دوائر انتخابية يمثلها 34 مقعداً برلمانياً. ويتنافس على هذه المقاعد في الانتخابات البرلمانية المقررة في 10 أكتوبر/تشرين الأول المقبل، أكثر من 400 مرشح من كتل وكيانات سياسية أغلبها عن العرب السنّة، وبدرجة أقل كتل وكيانات سياسية تتبع لـ"تحالف الفتح"، والذي ينخرط انتخابياً في مناطق تنتشر فيها فصائل تابعة لـ"الحشد الشعبي"، من بينها سهل نينوى.

ومنذ مطلع الشهر الماضي، تشهد المحافظة توافد زعامات سياسية مختلفة من بغداد والأنبار وصلاح الدين، وتحديداً مدينة الموصل، مطلقة العديد من الوعود والشعارات المتعلقة بإعادة إعمار الموصل وضواحيها وإعادة النازحين وتعويض الأهالي على الخسائر التي تعرضوا لها جراء الحرب والكشف عن مصير المغيبين من أبنائهم. وكان آخر هؤلاء رئيس البرلمان، زعيم تحالف "تقدم"، محمد الحلبوسي، الذي مكث في المدينة ستة أيام، وسبقته زعامات أخرى مثل زعيم تيار الحكمة "الحكمة"، عمار الحكيم، ومن قبله أحمد الجبوري.

أُهملت مدن لا ثقل انتخابياً لها لمصلحة مدن أكبر

ويقول سكان في مدينة الموصل، إن توافد القيادات السياسية على المدينة بات متكرراً قبل كل الانتخابات، متحدثين عن أن الوعود التي أطلقها المسؤولون في الأسابيع الماضية هي نفسها التي وعدوا بها الناس في انتخابات عام 2018. ويسأل آخرون عن ترك بلدات معينة في نينوى من دون الاهتمام بها والتركيز على المدن ذات الكثافة السكانية فقط، في إشارة الى أن الموضوع انتخابي وهو ما يعكس سبب عدم تفاعل السكان مع تلك الزيارات.

من جهتها، تصف النائبة السابقة عن مدينة الموصل جميلة العبيدي، الوعود التي تطلقها القوى السياسية والزعامات التي تزور المدينة بأنها "فارغة وكاذبة على المواطنين"، معتبرة أن "الصراع الانتخابي الحالي على الموصل في ذروته بغية السيطرة عليها وكسب أكبر عدد من أصواتها". وتضيف، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "نينوى ثاني أعلى محافظة عراقية بعد بغداد بعدد مقاعد البرلمان (34 مقعداً) وتنتشر فيها مشاريع اقتصادية كبيرة، جعلت بعض القوى تتنافس على السيطرة على الموصل انتخابياً".
ووفقاً للعبيدي فإن "زيارات المسؤولين والسياسيين إلى محافظة نينوى، التي تشهد تهميشاً على المستوى الخدمي وكذلك الإنساني، هدفها انتخابي"، واصفة الوعود التي يجري تقديمها بأنها "فارغة وكاذبة على المواطنين، من أجل استمالة الناخبين فقط، خصوصاً أن هذه الزيارات والوعود تطلق مع كل انتخابات برلمانية أو محلية تجري في البلاد خلال السنوات الماضية".

وتُشدّد على أن زيارة الحلبوسي الأخيرة إلى الموصل، هي "زيارة انتخابية أطلق خلالها الوعود، التي يطلقها أي مسؤول آخر يزور المحافظة. لكن على أرض الواقع لا تنفيذ لهذه الوعود، خصوصاً أن الحلبوسي منذ سنين بهذا المنصب، ولم يزر المحافظة إلا مع قرب الانتخابات المبكرة، وهذا يدل على أنها زيارة انتخابية ليس إلا".

وحول الزيارات أيضاً، يعتبر عضو التيار المدني العراقي، أحد سكان بلدة برطلة في سهل نينوى، صباح متي خوشابا، أن الزيارات "مفضوحة وبلا نتائج". ويضيف في حديثٍ لـ"العربي الجديد": "لم يزر أي منهم البلدات المدمرة الأخرى لأن عدد سكانها أقل من 100 ألف نسمة، لذلك لا يكترثون لها ويركّزون على مناطق معينة فقط، لأنهم يرونها مقاعد برلمانية لا أشخاص يعانون يومياً من أجل الحصول على الماء والكهرباء". ويشير إلى أن مناطق البعاج والحضر والجزيرة ربيعة ومدنا أخرى لم يصل إليها أحد، كونها غير مؤثرة في الانتخابات.

في السياق، يتحدث محافظ نينوى الأسبق، أثيل النجيفي، عن دخول أطراف سياسية جديدة ضمن التنافس للسيطرة على الموصل انتخابياً. ويكشف في حديثٍ لـ"العربي الجديد" أن "التنافس الانتخابي لم يعد مقتصراً على بعض القوى السياسية السنّية، مع دخول أطراف أخرى ومنها فصائل مسلحة وبقوة في هذا الصراع، خصوصاً أن الأطراف المسلحة التي تحاول السيطرة على نينوى ومقدراتها، تريد السيطرة على المشهد من خلال قوة سلاحها وسط فقدان السيطرة الحكومية عليه".

ويرى أن "بعض الجهات السياسية تريد السيطرة على نينوى، بسبب وجود مخصصات مالية كبيرة لها ومشاريع إعمار وتطوير، فهذه الجهات تريد الاستحواذ على تلك المشاريع من خلال شركات تابعة لها. وللصراع على نينوى أهمية كبيرة لوجود أكثر من طرف، وهو صراع سياسي انتخابي اقتصادي".

لا أحد يزور نينوى سوى في المواسم الانتخابية

ويشدّد على أن "المواطن لا يحصل من هذا الخلاف والصراع والتنافس سوى على الوعود التي يسمعها عند زيارة أي مسؤول أو سياسي للمحافظة. وهذا الأمر يدفع المواطنين إلى العزوف عن العملية الانتخابية، لأنها لا تقدم لهم أي شيء على أرض الواقع".

وحول التنافس الانتخابي، يرى الخبير مؤيد الجحيشي أنه "طبيعي"، لكن هناك أمراً خطيراً في هذا الصراع في نينوى يختلف عن باقي المدن العراقية، وهو دخول قوى سياسية ومسلحة لها دعم خارجي تسعى إلى السيطرة على الموصل لأهداف سياسية وطائفية"، في إشارة إلى "الحشد الشعبي"، ممثلا بـ"تحالف الفتح" بزعامة هادي العامري، وقوى سياسية أخرى تمتلك فصائل مسلحة لها في نينوى.

ويحذّر الجحيشي من أن تعمل الفصائل المسلحة التي تسيطر على المشهد الأمني في نينوى "على دعم جهات سياسية محددة، ثم قد يتحول الدعم إلى تهديد وترهيب للمواطنين من أجل غرض انتخاب هذه الجهات. وهذا ما يشكّل خطورة حقيقية في التنافس الانتخابي، وكذلك نزاهة وعدالة العملية الانتخابية في الموصل. وهذا الأمر ربما يتكرر في المدن المحررة الأخرى، التي تسيطر عليها بعض الفصائل". ويرى أن "توافد الشخصيات السياسية على محافظة نينوى، هدفه الحصول على صوت الناخب من خلال تقديم الوعود الكاذبة أو تقديم إغراءات لاستمالتهم، وفي النهاية لا يحصل هؤلاء المواطنين غير الكلام وعلى الأرض لا شيء ينفذ من كل الوعود التي أطلقت لهم".

المساهمون