دخلت الانتخابات الرئاسية الأميركية المقرّرة في 5 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، مرحلة الجدّ، مع بدء العد العكسي لدى الجمهوريين لانطلاق انتخابات الحزب التمهيدية لاختيار مرشحه، فيما يستعد الرئيس جو بايدن لجولات انتخابية في الولايات، أكثر زخماً، سيصوّب فيها، كما بدا ليل الجمعة السبت، في بنسلفانيا، على سلفه دونالد ترامب، الذي أدخل من جهته، حملة الجمهوريين في الفوضى.
إذ بينما لا يزال منافسو ترامب يترنحون خلفه في استطلاعات الرأي، يجد الرئيس السابق نفسه في خضّم كمّ من القضايا الشائكة التي باتت تنقل أعضاء فريقه القانوني من محكمة إلى أخرى، وسط جلبة تدور بين الاتهامات التي تطاوله، خصوصاً في ما يتعلق بأحداث اقتحام الكونغرس في 6 يناير/ كانون الثاني 2021، و"تمرد" ولايات عليه، تحاول إضعاف اندفاع حملته، عبر عرقلة ترشحه، وهو ما يستغله ترامب لاستدرار مزيد من تعاطف الناخبين.
ترامب يعود إلى أيوا
وعاد ترامب، أول من أمس، إلى ولاية أيوا التي تدشنّ في 15 يناير، الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري لاختيار مرشحه للرئاسة، حيث أقام أمس السبت في الولاية تجمعين انتخابيين، في مسعى لمنح حملته الرئاسية انطلاقة قوية مع بداية العام. ويعتقد ترامب أن الفوز في الولايات الأربع الأولى بالانتخابات التمهيدية، سيعطي حملته دفعاً قوياً، بما يجعله أكثر ارتياحاً للتفرّغ لمنافسة رئاسية محتملة مع بايدن.
وافقت المحكمة العليا على استئناف ترامب ضد قرار كولورادو
وركّز ترامب، في أيوا، على القضايا التي تلاحقه في المحاكم، متهجماً على بايدن والديمقراطيين، وواضعاً نفسه في خانة الضحية، خصوصاً مع افتتاحه أخيراً معارك عدة في ولايات تسعى لحرمانه من حقّ الترشح فيها، مثل كولورادو ومين، وهو ما يضع الحزب الجمهوري في حالة من التشتت والترقب لمصير أبرز مرشحيه.
وتجري أول انتخابات تمهيدية للحزب الجمهوري، في أيوا (40 مندوباً) في 15 يناير، تليها نيوهامشير (22 مندوباً) في 23 يناير، ثم نيفادا (26 مندوباً) التي ستُعقد فيها تمهيديات جمهورية في 6 فبراير/ شباط المقبل، يليها مباشرة مؤتمر للحزب، في 8 فبراير، هو الذي سيقرّر اسم المرشح الفائز بالولاية، وليست التمهيديات. وكان قانون قد صدر في الولاية في 2021، أجبر نيفادا على إجراء انتخابات تمهيدية للحزبين الديمقراطي والجمهوري، تشرف عليها سلطات الولاية، لكن الحزب الجمهوري رفض ذلك، ليُصار إلى حلّ وسط، بحيث تجري الولاية الانتخابات التمهيدية للحزب، تحت إشرافها، من دون أن يؤخذ بنتائجها، ثم يعقد الحزب مؤتمره، حيث يتمّ التصويت فيه على اسم المرشح الرئاسي.
وتلي نيفادا، في 24 فبراير، ولاية كارولينا الجنوبية (50 مندوباً)، التي تتحدر منها المرشحة الرئاسية الجمهورية، المبعوثة الأممية السابقة في الأمم المتحدة، نيكي هايلي، لكن ترامب يتقدم فيها باستطلاعات الرأي، ثم ميشيغين وميسوري وواشنطن وداكوتا الشمالية، وصولاً إلى "الثلاثاء الكبير" في 5 مارس/ آذار المقبل، حيث تصوّت حوالي 16 ولاية في يوم واحد، من بينها كاليفورنيا (169 مندوباً)، لتكر سبحة الولايات المصوّتة حتى آخر انتخابات تمهيدية في 4 يونيو/ حزيران المقبل.
وصوّب ترامب، أول من أمس، لدى وصوله إلى أيوا، على بايدن والديمقراطيين، حيث اتهم خلفه بـ"إثارة المخاوف"، وذلك رداً على مقارنة بايدن في اليوم ذاته، من بنسلفانيا، خطاب ترامب بخطاب "ألمانيا النازية".
وتتصادف جولة الرئيسين الحالي والسابق مع الذكرى الثالثة لاقتحام أنصار ترامب في 6 يناير 2021 مقر الكونغرس في واشنطن، لمنع المصادقة على فوز بايدن بالرئاسة. وقال ترامب لأنصاره في أيوا إن "سجلّ بايدن هو عبارة عن سلسلة متواصلة من الضعف وعدم الكفاءة والفساد والفشل، ولهذا السبب نظّم جو المحتال في بنسلفانيا حملة مثيرة للشفقة لإثارة المخاوف".
ولايات "متمردة"
ولا يواجه ترامب، انتخابات مرتقبة صعبة في أيوا، إذ بحسب آخر استطلاع أجراه موقع "538"، نشرت نتائجه الجمعة، يتصدر ترامب نوايا الناخبين، بـ50 في المائة، يليه ديسانتيس بـ18.4 في المائة، ثم هايلي بـ15.7 في المائة. لكن ما يشغل بال فريق ترامب، الحملة التي تشّنها عليه ولايات عدة، لمنعه من الترشح فيها للانتخابات التمهيدية (وحُكماً للرئاسية لاحقاً إذا ما فاز بترشيح حزبه)، أي منع وضع اسمه على لائحة المرشحين.
لا يزال أمر السماح لترامب بالترشح معلّقاً في 19 ولاية
ونجحت ولايتا كولورادو ومين، نسبياً، حتى الآن، في هذا المسعى، إذ أصدرت المحكمة العليا في كولورادو، الشهر الماضي، قراراً بمنع ترامب من الترشح فيها للتمهيديات، مستندة إلى بند في الدستور الأميركي نادر الاستخدام (المادة 14 من الدستور) يمنع كل من شارك في "تمرد" أو حرّض عليه، الترشح للانتخابات، في إشارة لحالة ترامب، إلى اقتحام الكابيتول. وكذلك فعلت السلطة التنفيذية في مين، علماً أن القرارين علّقا على الفور، بعدما تعهد فريق ترامب بالاستئناف عليهما، وهو ما حصل. ويعني ذلك، أنه إلى حين البت بالاستئنافين، لا يزال اسم ترامب موضوعاً على لائحتي المرشحين الجمهوريين في الولايتين.
وتمنح كولورادو 37 مندوباً في التمهيديات، وتجري انتخاباتها في "الثلاثاء الكبير"، تماماً مثل مين التي تعطي الفائز 20 مندوباً.
وبحسب خريطة الولايات التي "تتمرد" على ترامب، كما نشرتها صحيفة "نيويورك تايمز" أول من أمس، فإن كولورادو ومين، هما الوحيدتان اللتان صدر عنهما قرار بمنع ترامب من الترشح فيهما، حتى الآن، فيما لا يزال الأمر معلّقاً في 19 ولاية أخرى، حيث جرى تقديم طلبات ودعاوى لمنع ترامب من الترشح (غالباً قدّمت مثل هذه الطلبات حركات ناشطة، وناشطون معارضون لترامب وحقوقيون، بشكل فردي)، لكن لم يبت فيها بعد.
وهذه الولايات الذي لا يزال القرار فيها معلّقاً، هي: ألاسكا، أريزونا، كاليفورنيا، فلوريدا حيث مقر إقامة ترامب، نيفادا، نيوهامشير، نيويورك، كارولينا الشمالية، كارولينا الجنوبية، تكساس، ويسكونسن، فيرجينيا الشمالية، فرجينيا، فيرمونت، نيومكسيكو، ماساشوسيتس، لويزيانا، إلينوي، أوريغون. أما الولايات الأميركية الباقية، فإما لم تقدم فيها دعاوى من هذا النوع، أو حسمت لصالح عدم النظر في هذه الدعاوى، أي زوال الخطر عن ترامب فيها. وإذا ما نظر إلى كل الولايات التي لا تزال المسألة فيها عالقة، فإن بايدن قد فاز في 12 منها في 2020.
ومن شأن أي بتّ سلبي في عدد ولو قليل من هذه الولايات المتحدة، أن يكون فأل شؤم على ترامب، الذي يحتاج هو أو أي مرشح آخر إلى 1235 مندوباً للفوز بترشيح الحزب.
لكن المحكمة العليا الأميركية، قد تشكّل المنقذ لترامب، بعدما استثمر خلال ولايته الرئاسية بـ3 من أعضائها، من أصل تسعة، علماً أن ثلاثة آخرين لم يعيّنهم ترامب، يميلون أيضاً إلى الجناح المحافظ.
وفي هذا السياق، وافقت المحكمة العليا الأميركية أول من أمس، على الاستماع إلى استئناف ترامب ضد القرار الصادر عن محكمة كولورادو، والقاضي بمنعه من خوض الانتخابات التمهيدية للحزب في الولاية. وقالت المحكمة العليا التي ستدخل كما يبدو بشكل مباشر في ملف سياسي بامتياز، إنها ستستمع إلى المرافعات الشفهية في هذه القضية في 8 فبراير المقبل. وطالما لم تصدر المحكمة بعد قرارها في القضية، سيستمر اسم ترامب بالظهور على بطاقات الاقتراع في كولورادو وكذلك مين.
وكان ترامب قد طلب الأربعاء من المحكمة العليا إبطال قرار كولورادو، وأعرب أول من أمس، من أيوا، عن أمله بـ"بالحصول على معاملة عادلة".
يذكر أن المادة 14 من الدستور تمنع أي شخص سبق أن أقسم على الولاء للدستور الأميركي من أن يشغل أي منصب منتخب إذا ما نكث بقسم اليمين عبر مشاركته في "تمرد". وينبغي على المحكمة العليا الرد على سؤال ما إذا كانت هذه المادة تنطبق على الرئيس السابق.
(العربي الجديد، فرانس برس، رويترز، أسوشييتد برس)