بعد مرور أقل من شهر على بدء الغارات الروسية في سورية والتي انطلقت تحت شعار محاربة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، تمكّن التنظيم من تحقيق تقدّم كبير جنوب حلب من دون أن يتدخّل الطيران الروسي ضده، مواصلاً غاراته على مناطق سيطرة المعارضة السورية. وتمكّن التنظيم بتقدّمه من فصل مناطق سيطرة النظام السوري بحلب بشكل كامل عن مناطق سيطرته في حماة، الأمر الذي تسبّب حتى الآن بانطلاق علامات أزمة إنسانية كبيرة قد تطاول نحو مليون نسمة يقيمون في مناطق سيطرة النظام في حلب وريفها الشرقي.
وواصل تنظيم "داعش" فرض حصار كامل على مناطق سيطرة النظام في مدينة حلب وريفها الشرقي لليوم الثالث على التوالي، عبر سيطرته على نحو ثلاثين كيلومتراً من طريق إثريا-خناصر، الطريق الوحيد الذي يصل مناطق سيطرة النظام في مدينة حلب وريفها بمناطق سيطرته في محافظة حماة. وفشلت محاولات قوات النظام لاستعادة السيطرة على الطريق بسبب هجمات "داعش" المستمرة على نقاط النظام العسكرية شرق حلب، وتزامنها مع هجمات قوات المعارضة على نقاط النظام العسكرية في منطقة الراموسة عند مدخل حلب الجنوبي الشرقي.
ويوضح الناشط الإعلامي عبدالله الأحمد، لـ"العربي الجديد"، أن قوات "داعش" تسيطر على ما لا يقل عن إثني عشر حاجزاً كانت تتمركز فيها قوات النظام على طريق خناصر-إثريا الصحراوي، في مقابل سيطرة قوات النظام و"لواء القدس"، المكوّن في معظمه من مقاتلين سوريين فلسطينيين مؤيدين للنظام من أتباع "الجبهة الشعبية القيادة العامة"، على خمسة حواجز على الطريق شمال بلدة إثريا في أقصى شمال ريف حماة الشرقي، وعلى إثني عشر حاجزاً على الطريق نفسها من بلدة خناصر في ريف حلب الشرقي نحو الجنوب، أي أن الطريق الذي يبلغ طوله نحو 60 كيلومتراً هو الآن تحت سيطرة قوات النظام من بلدة خناصر إلى الجنوب بمسافة 24 كيلومتراً، ثم تحت سيطرة "داعش" بمسافة تُقدر بنحو 30 كيلومتراً، ثم تحت سيطرة قوات النظام بمسافة 5 كيلومترات وصولاً إلى بلدة إثريا.
ويشير الأحمد إلى أن قوات النظام مدعومة بمقاتلي "لواء القدس"، حاولت التقدّم باتجاه المنطقة التي سيطر عليها مسلحو "داعش" من الجهة الشمالية ظهر الأحد، وتمكّنت قوات النظام من حصار مسلحي التنظيم في تلة واسعة معروفة باسم التلة الحادية عشرة، لكن عاصفة رملية هبت في المنطقة تسبّبت بانعدام الرؤيا، الأمر الذي أدى إلى توقّف الاشتباكات بين الطرفين بعد أن فقدت قوات النظام الاتصال بمجموعتين تابعتين لها، قبل أن تتراجع قوات النظام إلى خطوطها الأساسية، الأمر الذي أدى إلى فشل هجوم النظام على المناطق التي يسيطر عليها "داعش".
وردّ التنظيم على هجوم قوات النظام في مساء اليوم نفسه، فهاجم مناطق تمركز قوات النظام في محيط معامل الكابلات والجرارات والبطاريات الواقعة عند مفرق تل حاصل على طريق السفيرة الذي تسيطر عليه قوات النظام، ونجحت قوات "داعش" بالتسلل من الأطراف الشمالية لنقاط تمركز قوات النظام قبل أن تتمكن الأخيرة من ردها وإجبارها على الانسحاب.
اقرأ أيضاً: 26 يوماً على الغارات الروسية... خسائر النظام بالجملة
وجاء هجوم التنظيم على الطريق الوحيد الذي يصل مناطق سيطرة قوات النظام بحلب بمناطق سيطرتها في محافظة حماة، رداً على الهجوم الكبير الذي يشنّه النظام منذ أسبوعين على مناطق سيطرة "داعش" الواقعة جنوب غرب مطار كويرس العسكري والكلية الفنية الجوية في ريف حلب الشرقي، اللذين يقعان تحت سيطرة قوات النظام ويخضعان لحصار كامل من مسلحي "داعش".
ووصلت قوات النظام إلى تلة السبيعين وقرية البقجية وتل النعام الواقعة على بُعد لا يزيد عن ثمانية كيلومترات من مطار كويرس العسكري، الذي تسعى قوات النظام إلى فك حصار "داعش" عنه، إلا أن هجوم التنظيم المعاكس على خط إمداد النظام الوحيد إلى حلب والذي ترافق مع هجومه أيضاً على منطقة العمليات العسكرية لقوات النظام جنوب غرب مطار كويرس، تسبّب بوقف هجوم قوات النظام نحو مناطق "داعش" في ريف حلب الشرقي بشكل كامل.
وتزامنت هذه التطورات مع هجوم كبير شنّته قوات المعارضة انطلاقاً من المناطق التي تسيطر عليها في حي الشيخ سعيد جنوب حلب، نحو مناطق سيطرة النظام في حي الراموسة الاستراتيجي، الذي يُعتبر مدخل مناطق سيطرة النظام في حلب. وتسبّب هجوم المعارضة في هذه المنطقة يوم الأحد الماضي، بقطع طريق إمداد قوات النظام نحو حلب في منطقة معمل الإسمنت المقابل لحي الراموسة بالإضافة إلى قطع "داعش" لهذا الطريق في المنطقة الواقعة بين خناصر وإثريا. وقامت قوات النظام طوال يوم الأحد بإغلاق طريق السفيرة-حلب من قرية الذهبية حتى حي الحمدانية في حلب. لكن قوات النظام تمكنت مساء الأحد من استعادة زمام المبادرة بعد أن أجبرت قوات المعارضة التي تسللت على الانسحاب.
وتسبب قطع طريف خناصر-إثريا من قبل "داعش" بأزمة كبيرة في مناطق سيطرة النظام في أحياء وسط وغرب مدينة حلب، إذ بدأت بعض المواد الأساسية بالاختفاء من الأسواق وعلى رأسها اللحوم والخضروات. كما شهدت محطات المحروقات ازدحاماً كبيراً وارتفعت أسعار معظم المواد الغذائية.
ولم يبقَ لسكان المناطق الخاضعة لسيطرة النظام في حلب من سبيل للخروج من هذه المناطق، سوى عبر معبر الشيخ مقصود الذي تسيطر عليه وحدات حماية الشعب الكردية، والتي فتحت بشكل منفرد معبراً للمدنيين بين مناطق سيطرة النظام ومناطق سيطرتها، الأمر الذي تسبب بأزمة كبيرة بين القوات الكردية وقوات المعارضة وصلت إلى حد الاشتباك بالأسلحة الرشاشة أكثر من مرة بين الطرفين خلال الشهر الماضي.
اقرأ أيضاً: النظام السوري يواصل محاولات التقدم بريف حلب الجنوبي