قال المتحدث الرسمي باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوغاريك، في تصريحات لـ "العربي الجديد"، إن المساعدات الإنسانية العابرة للحدود والمساعدات التي تقدم عبر خطوط النزاع في سورية ضرورية جداً من أجل تقديم المساعدات الإنسانية لجميع السوريين في كافة أنحاء سورية.
وجاءت تصريحات دوغاريك خلال المؤتمر الصحافي اليومي الذي يعقد في مقر الأمم المتحدة في نيويورك، وذلك في معرض رده على أسئلة حول موافقة روسيا الضمنية على استمرار تقديم المساعدات الإنسانية عبر الآلية العابرة للحدود حتى شهر يوليو/تموز القادم بشكل آلي، دون الحاجة للتصويت على ذلك مجدداً.
وكان مجلس الأمن الدولي تبنى بالإجماع القرار 2585، تموز/ يوليو 2021، والذي تنتهي صلاحيته في العاشر من يوليو القادم، وتمحور القرار حول تقديم المساعدات العابرة للحدود عبر باب الهوى وزيادة المساعدات المقدمة عبر خطوط النزاع/ التماس، ونص قرار مجلس الآمن آنذاك في فقرته الثانية على أن المجلس " قرر تمديد الإجراءات التي قررها في الفقرتين 2 و3 من قراره 2165 (2014) لمدة ستة أشهر، أي حتى 10 كانون الثاني/ يناير 2022، على أن يقتصر هذا التمديد على معبر باب الهوى الحدودي، مع تمديد لمدة ستة أشهر إضافية، أي حتى 10 تموز/ يوليو 2022، رهناً بصدور التقرير الموضوعي للأمين العام، على أن يركز بوجه خاص على مسألة الشفافية في العمليات والتقدم المحرز في الوصول عبر خطوط النزاع لتلبية الاحتياجات الإنسانية"، وأثارت هذه الفقرة الجدل خلال الأشهر الستة الماضية بين الدول الغربية من جهة وروسيا من جهة أخرى، وأصرت الدول الغربية على تفسيرها للفقرة بأن نص القرار يشمل ضمنا تقديم المساعدات حتى يوليو القادم وأن مدة الستة + ستة أشهر هي عبارة عن تجديد آلي يحدث بموجب تقديم الأمين العام للأمم المتحدة تقريره ذات الصلة وتوصياته.
وكانت السفيرة النرويجية ورئيسة مجلس الأمن للشهر الحالي، منى يول، قد قالت، خلال مقابلة حصرية مع "العربي الجديد" في نيويورك، "إن فهمنا الواضح لنص القرار 2585، هو أنه سينتهي في يوليو/تموز المقبل، لا نرى أي سبب لتحدي ذلك، كما يطالب القرار الأمين العام للأمم المتحدة بتقديم تقريره عن التقدم المحرز حول آلية تقديم المساعدات (العابرة للحدود وخطوط النزاع)، وهو ما حصل، وناقشناه الشهر الماضي في المجلس. بالطبع هناك اختلاف في الآراء، لكننا لا نرى أي سبب لوجود أي نوع من التغييرات، وعدم الحاجة للتصويت على الأشهر الستة المتبقية".
وكانت مصادر دبلوماسية غربية في مجلس الأمن، فضلت عدم الكشف عن هويتها، قالت لـ "العربي الجديد" أن الجانب الروسي "قبل بقراءة الدول الغربية لصيغة مشروع القرار والتي مفادها أن التفويض مستمر حتى شهر يوليو، ولا يحتاج إلى تصويت جديد في العاشر من يناير حيث تنتهي مدة الستة أشهر والتجديد لها آلي"، ولا توجد أي اجتماعات مقررة هذا الأسبوع على جدول أعمال المجلس حول سورية مما يؤكد تلك التصريحات.
لكن الجانب الروسي أصر حتى اللحظة الأخيرة على أن التفويض للأشهر الستة الإضافية مرتبط بتقرير الأمين العام للأمم المتحدة، والذي قدمه الشهر الماضي وأنه غير آلي في حال قررت روسيا نقاش الموضوع، وكان الأمين العام أكد في تقريره على الحاجة لتقديم المساعدات الإنسانية العابرة للحدود بالإضافة إلى المساعدات عبر خطوط النزاع.
ولعل أبرز تصريح روسي في هذا السياق جاء على لسان نائب السفير الروسي، ديمتري بوليانسكي، نهاية الشهر الماضي حيث أشار بشكل ضمني إلى أن بلاده قبلت توصيات الأمين العام ولن تطلب تصويتاً على الستة أشهر المتبقية مع إبقائه الباب مفتوحاً لآخر لحظة، العاشر من يناير، حيث أكد أن بلاده ما زالت تزن الأمور فيما يخص تقديم المساعدات العابرة للحدود، ولكن أخذت علماً بتقرير الأمين العام للأمم المتحدة.
وأضاف بوليانسكي "نرى عموماً أن تقرير الأمين العام يفي بالمتطلبات التي نص عليها القرار 2585 (2021) المتعلقة بالمساعدات العابرة للحدود"، وأضاف " سأقولها بشكل واضح كان يمكن لحلفائنا الغربيين والأطراف عمل المزيد فيما يخص تقديم المساعدات عبر خطوط التماس، ونلاحظ أن المساعدات العابرة للحدود مهمة ولكن نعتقد أن هناك الكثير من العوائق غير الضرورية، وعلى الجميع العمل معاً للتغلب على تلك العوائق وخلق الظروف التي تسمح بزيادة نسبة المساعدات عبر خطوط التماس وجعلها أكثر استدامة، بما فيها مشاريع التعافي المبكر والتأكيد على وجود شفافية أكبر فيما يخص المساعدات العابرة للحدود وخطوط التماس".
ومن الواضح أن الجانب الروسي يرغب بأن تزيد الدول الغربية من مشاريعها المتعلقة بـ"التعافي المبكر" وعلى الرغم من أن تفاصيل تلك المشاريع غير واضحة تماماً، بمعنى إلى أي مدى تخرج عن إطار المساعدات الإنسانية العادية وتدخل في إطار إعادة الإعمار، إلا أن الدول الغربية بدأت بالفعل بتقديم مساعدات أكبر في هذا المجال لكنها مصرة على أن تلك المساعدات تأتي في إطار المساعدات الإنسانية العادية والتعافي المبكر، كما يحدث في إطار أي عمليات إنسانية، وليس في إطار إعادة الأعمار.
وفي هذا السياق، كانت السفير يول قالت "نحن مستمرون في العمل على المجال الإنساني لأن معاناة السوريين كبيرة، في آخر لقاء عقده مجلس الأمن (في ديسمبر/كانون الأول الماضي) استمعنا لإحاطة مسؤول الشؤون الإنسانية مارتن غريفيث، الذي لفت الانتباه إلى أن الأوضاع الإنسانية لا تسير بالاتجاه الصحيح فيما يخص نسبة المحتاجين، ولذلك انفتحت النرويج بشكل أكبر على ما يسمى ببرامج التعافي المبكر، ونعمل على زيادة مساهماتنا، ونسمع من الولايات المتحدة وآخرين أنهم على استعداد أيضاً للعمل كجزء من برنامج التعافي المبكر".
وعلى الرغم من أن شبح وقف المساعدات الإنسانية عبر الآلية العابرة للحدود قد انقشع حالياً وستستمر حتى يوليو/تموز القادم لكن عمليات المفاوضات مجدداً على الأبواب خلال الأشهر القادمة ومعها كذلك المقايضة الروسية.