لا يبدو قرار الرئيس الأميركي جو بايدن، أول من أمس الخميس، القاضي بتمديد حالة الطوارئ الوطنية (الأميركية) المتعلقة بسورية، إجراءً روتينياً، كونه جاء عبر بيان شديد اللهجة تجاه النظام السوري وحمل تحذيرات وتهديدات مباشرة، وذلك تزامناً مع اتهام أميركي في مجلس الأمن للنظام بالوقوف وراء ما لا يقل عن 50 هجوماً كيميائياً في البلاد. ولا يُستبعد أن يكون لهذا القرار تبعات في المرحلة المقبلة حيال كفية تعاطي الولايات المتحدة مع القضية السورية.
ويأتي "تكشير الأنياب" من قبل واشنطن في وجه النظام، بعدما ضرب الأخير بعرض الحائط التحذيرات الدولية من إجراء انتخابات رئاسية للتجديد لبشار الأسد لولاية رئاسية جديدة، في حين تذهب إدارة بايدن للتلويح بورقة جرائم النظام باستخدام السلاح الكيميائي، في خطوة قد تكون لدفعه نحو تفاوض حقيقي على حل سياسي وفق القرارات الأممية، فيما لا يبتعد هذا التحرك عن توجيه رسالة لدول إقليمية تبدو راغبة في إعادة تطبيع العلاقات مع النظام.
وجدد بايدن حالة الطوارئ الوطنية الخاصة بسورية سنة إضافية. وذكر بيان صادر عن البيت الأبيض أمس الأول الخميس أن تصرفات النظام السوري وسياساته، فيما يتعلق بدعم المنظمات الإرهابية والأسلحة الكيميائية، تشكّل تهديداً للأمن القومي والسياسة الخارجية واقتصاد الولايات المتحدة. وقال البيان إن "وحشية النظام وقمعه للشعب السوري الذي دعا إلى الحرية، لا تعرّض الشعب نفسه للخطر فحسب، بل تولد أيضاً حالة من عدم الاستقرار في جميع أنحاء المنطقة". وشجب البيان "العنف الوحشي وانتهاكات حقوق الإنسان التي يمارسها نظام الأسد ومساعدوه الروس والإيرانيون"، داعياً النظام وداعميه إلى "وقف حربه العنيفة ضد شعبه، ووقف إطلاق النار على مستوى البلاد، وتمكين وصول المساعدات الإنسانية إلى جميع السوريين المحتاجين، والتفاوض على تسوية سياسية في سورية وفق قرار مجلس الأمن 2254". كما أوضح أن مواصلة حالة الطوارئ تجاه سورية ترتبط بالتغييرات في سياسات وإجراءات النظام.
البيت الأبيض: وحشية النظام تولد عدم الاستقرار في المنطقة
وبموجب قانون الطوارئ الوطنية الذي أقرّه الكونغرس الأميركي عام 1976، يحق للرئيس الأميركي التعامل مع الأزمات الطارئة بشكل حاسم، وتجنّب أي قيود على قراراته المتعلقة بالتعامل مع الأزمات، بشرط تأكيد وجود "تهديدات غير طبيعية وخطيرة على الأمن القومي والمصالح الأميركية". بالنسبة لسورية، فإن تمديد حالة الطوارئ الخاصة بها قد يعني استمرار العمل بـ"قانون قيصر" من خلال فرض حزم عقوبات جديدة، بعد توقف صدورها قبيل تسلم بايدن للسلطة.
كذلك فإن التهديدات التي أشار إليها بايدن في بيان البيت الأبيض تستلزم إبقاء القوات الأميركية في سورية، وشرقها تحديداً، وربما تشهد الجغرافيا السورية توسعاً لانتشار القوات الأميركية في البلاد، لا سيما مع ملاحظة استعدادات أميركية مع حلفائها في سورية، يفهم منها التحضير لإبعاد المليشيات الإيرانية عن مواقع شرقي البلاد. ويتضمن التجديد رسالة من إدارة بايدن إلى الدول الإقليمية، ولا سيما العربية منها، الراغبة في إعادة تطبيع العلاقات مع النظام، بالتوقف عن هذا المسعى الذي تدعمه روسيا. لكن الأبرز من بين رسائل التمديد وما رافقها في البيان هو توقيت صدوره قبيل الانتخابات الرئاسية التي يعتزم النظام السوري إجراءها في 26 مايو/ أيار الحالي على الرغم من تكرار المجتمع الدولي والغرب مواقف حازمة بعدم الاعتراف بشرعيتها ولا نتائجها مسبقاً.
يأتي تجديد الطوارئ مع إعادة دول عربية علاقتها مع النظام
ويُتوقع أن تتخذ إدارة بايدن إجراءات أكثر صرامة حيال النظام على خلفية مضيه بإجراء الانتخابات، وربما ستبقى واشنطن تدرس خيارتها إلى حين الإعلان عن "فوز" الأسد، وبيدها العديد من الأوراق التي قد تستخدمها في هذا الشأن، وقد لوّحت أول أمس بإحداها في مجلس الأمن. وأشار نائب المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة، ريتشارد ميلز، في إحاطة له في المجلس حول ملف الانتهاكات الكيميائية في سورية، إلى أن بلاده تقدر فظائع النظام السوري، ومن بينها وقوفه وراء ما لا يقل عن 50 هجوماً كيميائياً في البلاد، مشيراً إلى أن النظام لا يزال يحتفظ بمواد كيميائية كافية لاستخدام غاز السارين، ولإنتاج ونشر الكلور، وتطوير أسلحة كيميائية جديدة.
وفي الجلسة نفسها، أبلغت مفوضة نزع السلاح التابعة للأمم المتحدة إيزومي ناكاميتسو، المجلس، عن اكتشاف عنصر كيميائي غير معلن عنه في موقع سوري، بعد اكتشاف مادة في موقع، كان النظام أخبر مفتشي وكالة حظر الأسلحة الكيميائية أنه غير مخصص لإنتاج أسلحة كيميائية، لكن تحقيقات الوكالة أثبتت العكس، بحسب ناكاميتسو. ومع الإدانات السابقة للنظام فيما يتعلق باستخدام الكيميائي، ستكون في يد بايدن ورقة للضغط على النظام، فيما التعامل الحاسم مع الأسد، في حال استمر بالتعنّت، لا يبدو أمراً قد تلجأ له واشنطن بشكل فجائي في الوقت الحالي، لكنه قد يكون خياراً في حال ربطه مع ملفات أخرى إقليمية تدور المصالح الأميركية في فلكها.