تمديد آلية المساعدات للسوريين: روسيا تفرض معظم شروطها

13 يوليو 2022
قافلة مساعدات عند معبر باب الهوى، الجمعة الماضي (عمر حاج قدّور/فرانس برس)
+ الخط -

بعد مشاحنات سياسية استمرت لأيام في مجلس الأمن الدولي، حول تمديد التفويض الاستثنائي لنقل المساعدات الدولية إلى الملايين في مناطق خارج سيطرة النظام السوري في شمال البلاد، والمعمول به منذ عام 2014 تمكنت روسيا من فرض رؤيتها بإقرار هذا التمديد لستة أشهر فقط، فضلاً عن تلبية العديد من الشروط التي كانت وضعتها مقابل السماح بتمرير القرار من دون استخدام حق النقض الفيتو، وهو ما ترجم أمس بتبني القرار بأغلبية 12 صوتاً من أصل 15، إذ امتنعت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا عن التصويت، لعدم موافقتها على المدة التي تعتبرها غير كافية للتخطيط لإيصال المساعدات بشكل صحيح.

نص قرار تمديد آلية المساعدات للسوريين

كما اتهم نائب السفيرة الأميركية، ريتشارد مايلز، روسيا بأنها تأخذ مجلس الأمن رهينة. وينص مشروع القرار الجديد على التمديد للآلية العابرة للحدود عبر باب الهوى لمدة ستة أشهر، أي حتى 10 يناير/كانون الثاني 2023 مع تمديد لستة أشهر إضافية، أي حتى 10 يوليو/تموز 2023، عن طريق قرار منفصل يؤكد هذا التمديد.

وبموجب القرار الجديد، "يطلب من الأمين العام تقديم تقرير خاص عن الاحتياجات الإنسانية في سورية في موعد أقصاه 10 ديسمبر/كانون الأول 2022".

كما يرحب القرار بـ"الجهود الجارية ويحث على تكثيف المزيد من المبادرات لتوسيع الأنشطة الإنسانية في سورية، بما في ذلك المياه والصرف الصحي والصحة والتعليم والكهرباء حيث تكون ضرورية لاستعادة الوصول إلى الخدمات الأساسية ومشاريع الإنعاش المبكر للمأوى التي تنفذها المنظمات الإنسانية، ويدعو الوكالات الإنسانية الدولية الأخرى والأطراف ذات الصلة لدعمها".

وفي ما يتعلق بموضوع دعم مشاريع الإنعاش المبكر، التي كانت موسكو تطالب بدعمها بشكل أكبر، وزيادة دعم الأمم المتحدة من المساعدات التي تقدم للشمال الغربي عبر خطوط التماس ولا يمكن تقديمها إلا بموافقة النظام، نص القرار على أن يُطلب من الأمين العام للأمم المتحدة "إحاطة المجلس شهرياً وتقديم تقرير على أساس منتظم، على الأقل كل 60 يوماً، بشأن امتثال جميع الأطراف المعنية في سورية. وعمليات الأمم المتحدة الآمنة عبر الخطوط (التماس)، ولا سيما في ما يتعلق بالتقدم المحرز في جميع أنحاء سورية، بشأن مشاريع الإنعاش المبكر، ومعلومات مفصلة عن المساعدة الإنسانية المقدمة من خلال عمليات الأمم المتحدة الإنسانية عبر الحدود، بما في ذلك شفافيتها وآلية التوزيع، وعدد المستفيدين وشركاء التشغيل، ومواقع تسليم المساعدات على مستوى المقاطعات وحجم وطبيعة المواد التي يتم تسليمها".

مازن علوش: المجتمع الدولي قدم تنازلات جديدة للجانب الروسي

 

وكانت موسكو استخدمت الجمعة الماضي، حق النقض (الفيتو) ضد مشروع طرحته النرويج وأيرلندا، حظي بتأييد 13 دولة يدعو لتمديد الآلية لمدة ستة أشهر، حتى 10 يناير 2023 "مع تمديد لستة أشهر إضافية، حتى 10 يوليو/تموز 2023، إلا إذا قرر المجلس خلاف ذلك".

وفي المقابل، رفضت الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا مشروع قرار روسي الأسبوع الماضي، قبل أن تبدأ مداولات للتوصل إلى "حلّ وسط" يبدو أنها أفضت إلى اعتماد هذا المشروع بسبب تعنت موسكو ورفضها استمرار الآليات القديمة لإدخال المساعدات.

وانتهى الأحد الماضي، التفويض الاستثنائي الذي يسمح منذ عام 2014 بتدفق المساعدات الدولية الإنسانية الممولة من قبل الأمم المتحدة مباشرة إلى المناطق الخارجة عن سيطرة النظام في شمال البلاد، الذي يعاني سكانه، خصوصاً من النازحين والمهجرين من ظروف معيشية تكاد تصل إلى حدود الكارثة.

وكانت هذه المساعدات تدخل من أربعة معابر، اثنان منها مع تركيا، ومعبر مع الأردن، وآخر مع العراق، قبل أن ينتهي المطاف بمعبر واحد في عام 2020، وهو باب الهوى، بالإضافة إلى دخول المساعدات بشكل محدود وغير مجد عبر خطوط التماس.

ابتزاز سياسي روسي

واستخدمت روسيا هذا الملف لتحصيل مكاسب سياسية للنظام، بسبب رغبتها في ربط المساعدات به وتمريرها إلى الشمال السوري عبر خطوط التماس بين قوات النظام وفصائل المعارضة السورية.

ويبدو أنّ موسكو فرضت العديد من شروطها على مجلس الأمن الدولي، حيال ملف المساعدات الدولية لأكثر من 4 ملايين سوري في الشمال السوري، الذين كانوا يتوجسون من تعطيل الروس لآليات وصول هذه المساعدات إليهم.

وحقق الروس هدفهم بتحويل هذا الملف إلى ورقة ضغط وابتزاز سياسي مستمر على المجتمع الدولي، الذي سيجد نفسه مطلع العام المقبل أمام تعنت روسي جديد لتمديد القرار، الذي ينتهي في ذروة فصل الشتاء الذين يعاني منه النازحون السوريون في شمال البلاد، وانقطاع المساعدات عنهم يعمّق معاناتهم.

ولكن في المقابل، فشلت موسكو مجدداً في إنهاء التفويض الاستثنائي لنقل المساعدات الدولية عبر معبر باب الهوى الخارج عن سيطرة النظام، لأن تعنتها سيدفع المجتمع الدولي للبحث عن خطط بديلة لإدخال المساعدات إلى المحتاجين لها في الشمال السوري، وحرمان القاطنين في مناطق النظام من هذه المساعدات.

ورأى مدير العلاقات العامة في معبر باب الهوى، المتحدث باسم إدارته، مازن علوش في حديث مع "العربي الجديد"، أن "المجتمع الدولي قدم تنازلات جديدة بالملف السوري للجانب الروسي".

وأشار إلى أن القرار الجديد بتمديد آليات دخول المساعدات لستة أشهر فقط "سيكون له نتائج كارثية على الشمال السوري، خصوصاً على المدى البعيد" داعياً مجلس الأمن الدولي لـ "اتخاذ خطوات جدية بعيدة عن السطوة الروسية في مجلس الأمن لحماية المدنيين في الشمال السوري".

بدوره، اعتبر المحلل السياسي رضوان زيادة في حديث مع "العربي الجديد" أن ما جرى في مجلس الأمن الدولي خلال الأيام الماضية "كان متوقعاً"، مضيفاً: لطالما هدد الروس بتقليص مدة التفويض الاستثنائي بتدفق المساعدات الدولية الإنسانية إلى سورية.

رضوان زيادة: روسيا استخدمت الملف الإنساني كورقة ضغط سياسية

 

وقال إن "ما أثارني الموافقة الروسية على التمديد لإدخال المساعدات الدولية عبر معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا، وهو ما يؤكد حاجة النظام إلى هذه المساعدات أكثر من حاجة السوريين لها في الشمال".

وأشار زيادة إلى أن "الدول الغربية هي التي تمول هذه المساعدات ولا تسهم بها روسيا على الإطلاق"، مضيفاً: روسيا والنظام يريدان هذه المساعدات، ولكن بشروطهما.

واعتبر أن الجانب الروسي "استخدم الملف الإنساني كورقة ضغط سياسية، لكنه لم يستطع استخدامها كما يريد"، مضيفاً: اكتشفت موسكو أن هناك حدوداً لاستخدام هذا الملف، فالنظام يريد هذه المساعدات.

حل وسط بين الروس وأعضاء مجلس الأمن

وفي السياق، أكد مدير وحدة تحليل السياسات في مركز "الحوار السوري" محمد سالم، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "موسكو لم تفرض شروطها على أعضاء مجلس الأمن الدولي"، معتبراً أنه حل وسط بين الدول الغربية وروسيا.

وتابع: قد تكون روسيا قد فرضت المدة التي اقترحتها بداية (وهي بذاتها تمثل تنازلاً من موسكو لأنها بالأصل لا تريد تمديد قرار المساعدات عبر الحدود)، لكن هناك تفاصيل أخرى لم تظهر بعد تخص القرار. وكشف سالم التفاصيل وهي متعلقة بكميات الأموال والمساعدات التي تصل إلى مناطق نظام الأسد في دمشق، والتي يستفيد منها نظام الأسد بشكل كبير.

ولفت إلى أنّ "موسكو طلبت 40 في المائة من هذه المساعدات الدولية لمناطق نظام الأسد، وهو غالباً ما لم تحصل عليه". وتوقع أن "يكون الغربيون تنازلوا لموسكو في موضوع المدة (تمديد آلية المساعدات لستة أشهر فقط) في مقابل عدم التنازل (في موضوع وصول الأموال والمساعدات إلى نظام الأسد)".

ويستفيد أكثر من 4 ملايين مدني من المساعدات الدولية التي تدخل من معبر باب الهوى الحدودي مع الجانب التركي، بل إن حياة أكثر من مليون نازح يسكنون مخيمات في ريفي إدلب وحلب، متوقفة على استمرار تدفق هذه المساعدات، وهو ما حاولت موسكو استغلاله لفرض شروطها على المجتمع الدولي.