تلميح ستولتنبرغ: استهداف أوكرانيا لروسيا يعبث بـ"خطوط موسكو الحمراء"

25 فبراير 2024
قلق وجمود على جبهات القتال في أوكرانيا(Getty)
+ الخط -


من الواضح أن أوروبا وحلف شمال الأطلسي (ناتو) يراقبان بقلق الجمود والتراجع  اللذين يعتريان جبهات القتال في أوكرانيا (بعد عامين على الغزو الروسي في فبراير/شباط 2022)، إذ يبدو بعد نحو عام على هجوم أوكرانيا المضاد، أنّ القوات الروسية هي التي بصدد التقدم على جبهات القتال.

في خلال الساعات الأخيرة، وقبل أن تحط  في كييف، أعادت رئيسة حكومة الدنمارك ميتا فريدركسن التأكيد أن "كل المؤشرات تقول إن أوكرانيا ليست محطة روسيا الأخيرة"، محذرة، كغيرها في أوروبا، من "استهداف روسيا المتعمد لدولة في الأطلسي". 

أمر يتفق معه كبير باحثي المركز الدنماركي للدراسات الدولية "دييس"، فليمنغ سبليدسبويل، على أن المشكلة الرئيسية التي يواجهها الغرب حالياً هي احتمالية تعرض دولة عضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو) لهجوم من روسيا، وقد أكد سبليدسبويل لـ"العربي الجديد" أن هذا "الاحتمال يمكن أن يتحقق من خلال انتهاك الأجواء السيادية للدولة العضو في الناتو دون إشعال حرب كاملة، وذلك لاختبار استجابة الحلف لتطبيق المادة الخامسة التي تتعلق بالدفاع عن الدولة المتعرضة للعدوان".

وفي سياق متصل، أكدت كوبنهاغن في تصريحات، أمس السبت، أنها تعتزم إرسال نحو 15 ألف قذيفة مدفعية، بالإضافة إلى صواريخ هاربون البحرية ذات الصعوبة في الكشف عنها والتي يبلغ مداها 700 كيلومتر، بالإضافة إلى تسريع عملية تسليم طائرات إف16 للقوات الأوكرانية، وذلك ضمن جهود مكافحة التصعيد العسكري في المنطقة.

وبالتزامن مع ذلك بدأت التحذيرات تتزايد في اليومين الأخيرين من باحثي دول الشمال وإسكندنافيا حول ما يمكن أن يحمله العام الحالي، 2024، من تراجع أوكراني. وأشار في السياق كبير باحثي "أكاديمية الدفاع" في كوبنهاغن، كلاوس ماتيسين، إلى أنه إذا لم يقدم الغرب الدعم العسكري اللازم "فإن ساحة الحرب لن تكون جيدة لأوكرانيا".

في تطور آخر، أكد أمين عام حلف شمال الأطلسي (الناتو)، ينس ستولتنبرغ، في تصريحات أدلى بها الأسبوع الماضي لراديو أوروبا الحرة، وأعاد تأكيدها الخميس الماضي لصحيفة "فايننشال تايمز"، أن "أوكرانيا لديها حق مشروع في الدفاع عن نفسها من خلال استهداف الأهداف العسكرية الروسية خارج حدودها".

اختبار خطوط موسكو الحمراء

ويخالف التصريح الجديد معظم توجهات "الأطلسي" السابقة، والحذرة في ما يخص استهداف الأراضي الروسية، حتى إن الرئيس الأميركي، جو بايدن، لم يكن متحمساً خلال بداية الحرب لتزويد كييف بصواريخ هيمارس بعيدة المدى، خشية استخدامها في مهاجمة الأراضي الروسية.

 فموسكو اعتبرت منذ البداية أن ذلك يعدّ خطاً أحمر، ملوحة باستخدام الأسلحة النووية في حال تعرضت روسيا لهجمات مباشرة. وتكرر التلويح على لسان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وأعاد ذكره نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي، ديمتري ميدفيدف.

ومع أن ستولتنبرغ أشار إلى أن دعم أوكرانيا بالأسلحة التي تمكّنها من استهداف روسيا "أمر متروك لكل حليف (في الأطلسي) ليقرر ما إذا كانت هناك بعض المحاذير بشأن ما يقدمه (من أسلحة)"، فإن ربطه "حق أوكرانيا" في استهداف الروس خارج أوكرانيا بـ"القانون الدولي الذي يتيح الدفاع عن النفس"، يعتبر بمثابة تغطية على ما يشبه "فزعة" بدأت أوروبا تستعيدها هذه الأيام لتعزيز قدرات كييف العسكرية.

مسارعة كوبنهاغن، على سبيل المثال، إلى تمرير "تقارير" عن "اكتمال استعدادات طياري أوكرانيا لاستخدام طائرات إف16"، تعكس مشهداً من الفزعة الأوروبية المتزايدة، وتظهر أن الأمر لا يقتصر على تزويد طائرات إف16 بالصواريخ القصيرة المدى فحسب، بل يتضمن أيضاً صواريخ بعيدة المدى، ويبدو أن أوكرانيا ستحصل عليها من كوبنهاغن وأمستردام، بالإضافة إلى دعم فني من الجيشين الدنماركي والهولندي.

في الوقت نفسه، شهدت الأسابيع الأخيرة تصاعداً في هجمات كييف داخل العمق الروسي في الأسابيع الأخيرة، حيث وصلت الهجمات إلى مخازن وقود عسكرية في سان بطرسبرغ. وفي المقابل، حققت القوات الروسية تقدماً في جبهة شرق أوكرانيا.

وعلى الرغم من أن كييف انتهجت ما يشبه "الصمت البناء"، دون تبني رسمي للهجمات في عمق أراضي روسيا، فإن تصريحات ستولتنبرغ الأخيرة يمكن أن تُحدث تحولاً في أوكرانيا، لناحية العلنية والجرأة في استهداف العمق الروسي، ما ينذر بأن الدول الغربية بدأت فعلياً تغطية محاولات كييف اختبار حدود القفز عن خطوط موسكو الحمراء.

في السابق، كانت بريطانيا وفرنسا تحرصان على عدم استخدام كييف لصواريخهما بعيدة المدى لضرب أهداف داخل روسيا، ومع ذلك، يشير التطور الأخير إلى احتمال تغير جذري في موقف حلف الأطلسي تجاه الحرب في أوكرانيا.

من اللافت أن جهود المشرعين الألمان خلال الأسابيع الماضية أدت إلى إقناع المستشار الألماني أولاف شولتز بإرسال صواريخ توروس بعيدة المدى إلى أوكرانيا، جاء ذلك بعد تصويت الأغلبية في البرلمان الألماني الخميس الماضي لمصلحة تزويد كييف بـ"أنظمة أسلحة إضافية بعيدة المدى". وتعتبر صواريخ توروس قادرة على تدمير البنى التحتية المعززة مثل المخابئ والجسور.

في العام الماضي، أشار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى أن موسكو قد تضرب طائرات إف16 حتى خارج حدود أوكرانيا. وفي يونيو/حزيران الماضي، كرّر بوتين تأكيده أن تزويد أوكرانيا بمثل تلك الصواريخ والطائرات سيجعل الناتو في صراع مباشر مع روسيا. وأكد بوتين في ذلك الوقت أن "هذا يهدد بشدة بجر حلف شمال الأطلسي إلى مزيد من هذا الصراع المسلح، فالدبابات تحترق، وطائرات إف16 ستحترق أيضاً".

بموازاة تصاعد الضغوط الغربية لزيادة الدعم العسكري لأوكرانيا، أعلن ديمتري ميدفيديف يوم الخميس الماضي أن "علينا أن نفعل كل شيء لوقف حدوث الحرب النووية، لكن الساعة تدق أسرع وأسرع". وأشار إلى أن الغربيين يعتقدون أن "الروس يحاولون تخويفنا، ولن ينجحوا في ذلك (استخدام السلاح النووي)"، لكنه شدد قائلاً: "إنهم مخطئون، فإذا كانت دولتنا على المحك، فما هو الخيار الذي يتبقى أمامنا؟".

منذ سيطرة القوات الروسية على بلدة أفدييفكا يوم السبت قبل الماضي، بعد فترة من الجمود على الجبهات منذ مايو/أيار الماضي، يبدو الغرب مستعجلاً لمواجهة مخاوفه، خشية انهيار جبهة القتال الممتدة إلى أكثر من ألف كيلومتر. وتتضافر هذه الجهود لدعم كييف بالمزيد من العتاد الحربي، وتغيير قواعد الاشتباك، خصوصاً مع ترك بعض الدول الباب موارباً أمام وضع "مستشارين" دفاعيين على الأرض الأوكرانية، ليرتفع منسوب تشجيع أوكرانيا على تخطي خطوط بوتين الحمراء، على حافة الصدام المباشر والخطير بين موسكو والغرب.

المساهمون