فوجئ التونسيون بقرار الرئيس قيس سعيد تعيين مكلف بتسيير وزارة الداخلية، معتمدا على البند الدستوري الخاص بالوزراء قبل تعيين رئيس الحكومة الجديد، دون العودة للبرلمان بحسب ما يقتضيه الدستور، ما فتح أبواب التساؤلات حول ذهاب سعيد في قرارات لادستورية وخروقات قانونية جديدة.
وينتظر التونسيون إعلان سعيد عن خريطة طريق للخروج من الأزمة والحالة الاستثنائية و"تعيين رئيس حكومة يقوم بتشكيل حكومة جديدة تساعده"، كما سبق له تأكيده في خطابات متلفزة، غير أن الرأي العام فوجئ، في وقت متأخر من ليلة أمس، بموكب أداء اليمين بقصر الرئاسة بقرطاج لضابط الأمن الرئاسي ومستشار سعيد بدائرة الأمن القومي رضا غرسلاوي، مكلفا بتسيير وزارة الداخلية.
ولم تمض دقائق على موكب تعيين غرسلاوي لتنطلق التساؤلات حول تجاهل الدستور وعدم المرور بالبرلمان للحصول على الثقة، بعد إصدار سعيد الأمر الرئاسي القاضي بتعليق عمل البرلمان وجميع اختصاصاته لشهر قابل للتمديد.
وقال سعيّد في فيديو نشره على صفحة رئاسة الجمهورية في "فيسبوك"، إنّ "أداء غرسلاوي لليمين الدستورية تمّ بناء على الفصل 89 وهو دليل على احترام أحكام الدستور"، قائلا "لم نتجاوز الدستور وليطمئن الجميع في تونس وخارجها أننا نحتكم للقانون".
وتابع الرئيس "درّست الحقوق والحريات في إطار القانون الدستوري وحقوق الإنسان لأكثر من ثلاثة عقود، ولن أتنكر لما درسته لأجيال وأجيال في كليات الحقوق في تونس (..) اطمئنوا إنني حريص على الحقوق والحريّات أكثر بكثير من حرصكم عليها".
ودعا سعيّد المكلف بتسيير وزارة الداخليّة إلى ضمان استمرارية عمل مؤسسات الدولة في ظرف دقيق تمرّ به البلاد.
وتابع "ليعلم الكثيرون ممن أدوا اليمين، البعض منهم أمامي، للأسف أن الدولة ليست دمية تحركها الخيوط لأنّ هناك من يحرك الخيوط وراء الستار من لوبيات وفاسدين (..) تونس دولة مؤسسات ومرافق تعمل لخدمة الجميع في إطار القانون والدستور".
وفي تعليقه على أمر تعيين غرسلاوي، قال رئيس المرصد التونسي لاستقلال القضاء والرئيس السابق لجمعية القضاة، القاضي أحمد الرحموني، على حسابه الرسمي بفيسبوك: "ربما لوحظ أن السيد رضا غرسلاوي الذي أدى اليمين أمام رئيس الجمهورية قد وصف بأنه مكلف بتسيير (أو إدارة) وزارة الداخلية، في حين أن الفصل 89 المستند إليه في أداء اليمين لا يشير إلى المكلفين بالتسيير، بل يخص الحكومة المكونة من رئيس ووزراء وكتاب دولة الذين يؤدون اليمين أمام رئيس الجمهورية بعد نيلهم ثقة المجلس".
من جهتها، قالت أستاذة القانون الدستوري منى كريم، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن هذا الإجراء لادستوري ولاقانوني بالاستناد إلى الفصل 89 من الدستور الذي اعتمده الرئيس في تعيين المكلف بتسيير وزارة الداخلية، مشيرة إلى أنه لو اكتفى بتعيينه بأمر دون العودة إلى الإطار الدستوري لتم اعتباره تعيينا للتسيير الوقتي خارج التشكيل الحكومي المنظم بالدستور، وفق قولها.
بدوره، وصف النائب السابق مبروك الحريزي والمقرر المساعد لدستور 2014، ما يحدث بأنه مرحلة "حكم اللاقانون"، بتعيين مكلف بتسيير وزارة داخلية، مشيرًا إلى أن "القرار استند إلى ذيل الفصل 89 وأهمل نيل الثقة وبقية مقتضيات الفصل وصفة المعني وهي عضو حكومة وهذا حال (وضع الواقع) وفوضى الحكم الفردي".
وتابع "نستغرب التشويق المزيف حول اسم (رئيس حكومة) بصلاحيات سكرتير رئاسة كما ورد في بيان الانقلاب".
وأضاف الحريزي أن كل الأوامر الصادرة بالتعيين والإعفاء تستند فقط إلى الفصل 80 الذي تم بموجبه إعلان إعفاء رئيس الحكومة وبعض الوزراء، مشيرًا إلى اختفاء السند الأصلي الوارد في بيان الانقلاب يوم 25 يوليو/ تموز، والذي أشار إلى تنظيم مؤقت للسلط يكون بموجبه الرئيس هو رئيس السلطة التنفيذية بمساعدة "رئيس حكومة".
ويشير الحريزي إلى أن هذا الأمر في الواقع أشبه بسكرتير رئاسة، حيث يتم تعيين الوزراء من الرئيس كما لا ينعقد مجلس الوزراء إلا باذن من رئيس الدولة.