تكتيك "الأنفاق" ومُثُله

31 أكتوبر 2024
مدخل أحد الأنفاق في رفح، 13 سبتمبر 2024 (شارون أرونوفيتش/فرانس برس)
+ الخط -

لم تعلّم المقاومة الفلسطينية شرف الخصومة وعدالة القضية فقط، وغيرها من القيم التي عززتها، بل كان لها الفضل في أخرى، من بينها ما فرض نفسه في العلوم العسكرية، وهنا أقصد أشهر استراتيجيات المقاومة، وهي استراتيجية "الأنفاق". خطابات قادة الجيش الإسرائيلي تعترف بأنهم باتوا يخوضون حرب وجود، وأنهم يدفعون كل يوم أثماناً باهظة، ولم يعد كافياً لإخفاء تلك الحقيقة عمليات اغتيال قادة المقاومة في غزة وجنوب لبنان، على الرغم من محاولات تصديرها كانتصارات.

صحيح أن استراتيجية الأنفاق في سياسات المقاومة الفلسطينية قديمة، فأول نفق اكتشفه العدو كان عام 1983، ومنذ ذلك الاكتشاف وهو يعمد إلى تدمير ما يكشفه منها، لكن تلك الأنفاق في تزايد، حتى إن رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو أعلن عن حرب عام 2014 وسماها بـ"حرب الأنفاق"، وحتى عام 2016 جرى تدمير ما يزيد على 1000 نفق. لكننا الآن نتحدث عن مفاهيم فرضتها تكتيكات المقاومة وتجاوزت فيها العمل والتنفيذ إلى لفت أنظار غيرها للنجاحات التي حققتها من خلالها، فغيّرت الكثير من مفاهيم استراتيجيات الحروب واصطلاحاتها كالهدف والهجوم والمناورة والمفاجأة والحشد وتقييم الأهداف والأداء، إلى آخر قائمة هذه الاصطلاحات في العلوم العسكرية. ومنذ سنوات بدأ تداول آخر لمفاهيم جديدة كالتمويه بدلاً من التخطيط، والمباغتة في الأهداف الصغرى بدلاً من المفاجأة الموسعة، وتقليل القوات بدلاً من الحشد، وغيرها من المفاهيم التي لا يمكن أن تجد لها الموسوعة العسكرية تطبيقات وأمثلة عند غير المقاومة الفلسطينية.

كل تلك التكتيكات التي علّمتها المقاومة في فلسطين طيلة العقود الماضية لأعتى جيوش التوحش وأخضعتها، وإن لم تعترف الأخيرة بهذا الخضوع علناً، لا تقف عن حد التكتيك، لكنها، وهنا الفارق، صدّرت تعاليم وأخلاقيات إنسانية ستسجلها هذه المرة موسوعات القيم والأخلاق الإنسانية، لا موسوعات العسكر وآلات القتل والحرب والدماء والتوحش، وهو أن التمسك بـ"الأرض" يمكن أيضاً من خلالها وتحتها لا من فوقها فقط. لم يخف المقاوم الفلسطيني من الموت... هذه الأنفاق علّمته أن في باطن الأرض حياة أيضاً، علمته تلك الأنفاق أن الشهيد حي في قبره إذا كان هذا القبر في أرضه.

المساهمون