تكتل التغييريين النيابي في لبنان إلى "التشتّت"

19 أكتوبر 2022
تشهد صفوف تكتل نواب التغيير إرباكاً كبيراً (حسين بيضون/العربي الجديد)
+ الخط -

تعرّض تكتل "النواب التغييريين" في لبنان، أمس الثلاثاء، لضربتين موجعتين من شأنهما الإطاحة به كلياً أو "تفتيته" إلى كتل برلمانية عدّة، لتُسجَّل نهاية مبكرة جداً لفريق عمره لا يتجاوز الستة أشهر نيابياً، حاول مواجهة المنظومة الحاكمة، وإذ بأعضاء الصف الواحد يتصارعون ويفشلون في توحيد الرؤى في غالبية الاستحقاقات والملفات الأساسية.

الضربة الأولى تمثّلت بخسارة تكتل التغييريين عضويتهم في اللجان النيابية، وأهمها المال والموازنة، بعد رفضهم بداية التوافق المسبق مع نواب أحزاب السلطة، والدخول في تسوية معهم، وإصرارهم على خوض الانتخابات تبعاً للعبة الديمقراطية، والتي بمجرد دخولهم فيها تنافسوا وجهاً إلى وجه، فكان فقدانهم تمثيلهم السابق لصالح القوى التقليدية، ولا سيما بخروج النائب إبراهيم منيمنة من لجنة المال والموازنة، مع طرح النائب مارك ضو من كتلة التغييريين ترشيحه أيضاً، فيما تردّد أن هناك إخراجا مقصودا لمنيمنة، ربطاً بالخلاف حول عشاء السفارة السويسرية.

وشهدت جلسة مجلس النواب، أمس الثلاثاء، برئاسة نبيه بري، والتي كانت مخصّصة لانتخاب أمين سرّ وثلاثة مفوضين وأعضاء اللجان النيابية، إرباكاً كبيراً في صفوف تكتل نواب التغيير، سرعان ما ترجم إلى خلافات علنية مع انتهاء اليوم التشريعي الطويل، فيما سيطرت قوى المنظومة السياسية على المواقع كلّها.

فشل نواب تكتل التغيير في توحيد الرؤى في غالبية الاستحقاقات والملفات الأساسية

وغرّد النائب في كتلة "التغييريين" مارك ضو على حسابه عبر "تويتر"، بعد ظهر أمس: "لم يريدوا مشاركتنا في هيئة المجلس، ترشحنا وتحدينا، عارضنا طريقة توزيع اللجان، اتفقنا على الترشح ككتلة، وأوصلنا رسالتنا وصوت كل أعضاء التكتل لبعضهم، رشحت المنظومة شخصاً إضافياً عمداً ضد الزميل إبراهيم منيمنة، وبلغونا أنهم سيقومون بذلك قبل التصويت، وقررنا سوية المتابعة بدل الانسحاب".

وأتى الردّ من قبل منيمنة على تغريدة ضو بالقول: "هذا الكلام غير دقيق. احتراماً للزمالة، سأكتفي بذلك الآن".

وأتت الضربة الثانية بإعلان النائب ميشال دويهي خروجه من تكتل التغيير الذي يضم 13 عضواً "بصيغته الحالية نهائياً"، على حدّ تعبيره.

وغرّد دويهي على حسابه عبر "تويتر": "أنا مع تحويل التكتل للقاء تشاوري شهري أو حسب الضرورة، مع هامش حرية كامل لجميع النواب في كل المواضيع"، مشيراً إلى أن ما حصل منذ جلسة 31 مايو/أيار الماضي، (جلسة انتخاب رئيس للبرلمان ونائبه وأميني السر وثلاثة مفوضين)، وتجربة التكتل تحديداً، يجب أن تنتهي "احتراماً للبنانيين وللناس التي انتخبتنا واحتراماً للسياسة". وأضاف "بطبيعة الحال، سنبقى أصدقاء، وعلى تواصل وتعاون، ولكن بالنسبة إليّ هنالك مرحلة انتهت".


تراكم الخلافات وغياب التوافق يطيح بتكتل التغييريين

وفي وقتٍ فضّل العديد من نواب "التغيير" عدم التصريح حالياً بانتظار اجتماعات ومشاورات تقام اليوم داخلياً لتحديد المسار المقبل، خصوصاً أن هناك جلسة نيابية ثالثة غداً الخميس لانتخاب رئيس جديد للبلاد، يفترض اتخاذ الموقف بشأنها، يقول أحد نواب التكتل لـ"العربي الجديد" إن "ما يحصل اليوم نتيجة تراكمات كثيرة، زعزعت قوة التكتل وصولاً إلى تفكيكه، إذ هناك رؤى ومقاربات مختلفة جداً للكثير من الملفات، سياسياً واقتصادياً، وقد حاول التكتل جاهداً التعاون والتوحّد، لكنه في كل اجتماع كان يفشل في التلاقي".

ويشير النائب الذي فضّل عدم ذكر اسمه إلى أن "عشاء السفارة السويسرية ساهم في إخراج الخلافات إلى العلن، ولكنه ليس السبب الوحيد وراء التشتت، فمقاربة الانتخابات الرئاسية كانت مختلفة، وعجز الأعضاء عن التوافق في الاجتماعات رغم المبادرة الرئاسية التي أطلقوها على اسم واحد للرئاسة، رغم اختيارهم في الجلسة الأولى ترشيح سليم إده، والذي أتى في اللحظات الأخيرة من بوابة إظهار وحدة الموقف"، مشيراً إلى أن "هناك ملفات كثيرة كان يتخذ فيها الموقف ببيانات منفصلة عن كل نائب، أو نائبين أو ثلاثة، نظراً لغياب التوافق حولها، إلى جانب مقاربة لقاء السفير السعودي لدى لبنان وليد بخاري ودار الفتوى الشهر الماضي المختلفة أيضاً، وغيرها من المحطات".

ولا يستبعد النائب أن "يفرط" التكتل، لكنه يرى أن هناك كتلاً صغيرة قد تولد، وتضم نواباً متجانسين، ظهر تجانسهم في القرارات التي كانت تتخذ، وبياناتهم التي كانت تصدر عنهم بشكل منفصل عن التكتل.

وأطلق شرارة الخلاف عشاء السفارة السويسرية الذي كان يفترض إقامته أمس الثلاثاء، قبل تأجيله بفعل الهجوم الكبير الذي شُنّ بوجهه، مع اتهامات ألصِقت به لناحية نيته تغيير النظام اللبناني، واللعب على اتفاق الطائف، وقد رُبطت حركة السفير السعودي وليد بخاري الاثنين بالإطاحة به أيضاً، مع الإشارة إلى جلسة أقامها سفير المملكة أمس للإعلاميين، خرجت معلومات بعدها عن مؤتمر سعودي سيقام لأجل لبنان بذكرى توقيع اتفاق الطائف (وُقّع في 22 أكتوبر/تشرين الأول 1989).

وشنّ النائب وضاح صادق من تكتل التغييريين هجوماً على زميله النائب إبراهيم منيمنة الذي كان تلقى دعوة للمشاركة في عشاء السفارة السويسرية أعطى عليها موافقته المبدئية، عرّضته أيضاً لهجوم من مرجعيات في الطائفة السنية، علماً أن صادق كان من أبرز المشاركين في اللقاء السعودي في سبتمبر/أيلول الماضي، بينما رفض منيمنة الحضور، وكذلك غاب عن لقاء دار الإفتاء.

وبينما هاجم صادق عشاء السفارة السويسرية، ورفض أي مؤتمر دولي أو محلّي في ظل "سلام الأمر الواقع"، قال إن "بعض مواقف الزملاء في التكتل عن اتفاق الطائف وتحميل مسؤوليات الانهيار المالي، وإصرار البعض على رفض أي آلية للعمل أو لتشكيل أمانة سر أو مكتب دعم، والأسوأ قرارات اللحظة الأخيرة وغياب الاستراتيجية والتخطيط، تهدد صمود التكتل برمته إذا لم نتحمل المسؤولية الكبيرة بوعي ونضج".

وسأل صادق: "كيف تدعو سفارة أطرافاً لبنانيين لاجتماع تشاوري حول شؤون محلية لبنانية، وتدعو نواباً لبنانيين وافقوا بكل أسف على الحضور، ضاربين عرض الحائط بكل ما ننادي به من سيادة".

"هذه المشهدية كانت متوقعة، في ظل الأفكار والتوجهات المختلفة بين أعضاء التكتل"، يقول الناشط السياسي والحقوقي المحامي أيمن رعد لـ"العربي الجديد"، ويشير إلى أنه قبل حتى الانتخابات النيابية وهو يدعو لفرط المجموعات وخلق مجموعتين أو حزبين، في ظل الرؤى المتباعدة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، رغم الالتقاء الكبير حول إسقاط المنظومة.

وفي وقتٍ يرى رعد أن هناك ضغطاً كبيراً تعرض له أعضاء التكتل لضرورة التوحد، شمل أيضاً الجانب الإعلامي والمجتمعي، بذريعة عدم تكرار تجربة انتخابات 2018 النيابية، "بيد أن من شكّل اللوائح الانتخابية لم يكونوا على قدر المسؤولية، فشُكلت بطريقة هجينة وببرامج سياسية رمادية، نظراً لضرورة أن ترضي كل الأطراف بعيداً من اتخاذ مواقف حازمة وجذرية".

وعلى سبيل المثال، يقول رعد، لائحة بيروت مثلاً التي ضمت إبراهيم منيمنة ووضاح صادق وملحم خلف، تعدّ من اللوائح الهجينة، باعتبار أن هؤلاء الأشخاص لا يتوافقون على الكثير من الأمور منها في السياسة والاقتصاد والنظرة إلى العدالة الاجتماعية، الأمر الذي أدى بالتالي إلى خلق كتلة برلمانية هجينة من دون برنامج سياسي واضح، وساهم في عدم التوافق والتلاقي على قرارات واحدة في الاستحقاقات السياسية والاقتصادية، ومن الطبيعي أن يخلق أزمات تمهد لفرط التكتل.

ويلفت رعد إلى أن مجمل القرارات كانت تتخذ إرضاءً للتكتل، ما يجعل من المواقف باهتة ورمادية، وهذا كان يظهر عند قول بعض النواب إن الموقف، وإن كان لا يمثلني، لكنه موقف التكتل، ويستطرد: "من هنا، الأفضل أن يكون لكل شخص موقفه الجريء والحازم من الملفات، لنقيّم أداءه أيضاً على أساسه، أو ينضم المتجانسون ضمن تكتلات تعبّر عنهم، أو إلى صفوف المعارضة أو المستقلين إذا كانوا يتلاقون مع طروحاتهم".

المجلس الدستوري يبت ببعض الطعون الانتخابية

على صعيد آخر، يُنتظر أن يبتّ المجلس الدستوري في لبنان، الذي يُتهم بانصياعه للتدخلات السياسية، بطعون انتخابية غداً الخميس، ما قد يعرّض تكتل التغييريين لضربة ثالثة، باعتبار أن بينهم مطعونا بنيابتهم، أبرزهم رامي فنج الذي قد يخسر مقعده شمالاً أمام النائب السابق فيصل كرامي (من محور حزب الله وحلفائه)، وفراس حمدان الذي خرق معقل "حزب الله" جنوباً أمام مروان خير الدين، الذي يوصف برجل المصارف، وكان على لائحة الثنائي حزب الله وحركة أمل (برئاسة نبيه بري).