تقرير أمنستي.. بداية التغيير الفلسطيني

27 فبراير 2022
هل ستبقى الانتهاكات الإسرائيلية بلا رادع؟ (جعفر أشتية/فرانس برس)
+ الخط -

شهدت الأعوام الماضية تزايدا كبيرا في الجدل الدائر حول الخيارات الفلسطينية النضالية والسياسية، ولاسيما بما يخص الموقف من خيار الدولتين والعملية التفاوضية، حيث تراوحت الآراء بين رافضي خيار الدولتين من منطلق مبدئي كونه يجحف بالحقوق الفلسطينية ولا ينهي الصراع من ناحية أولى، وبين من يجاهر بضرورة تجاوز خيار الدولتين والعملية التفاوضية بعد استحالة تطبيقه نتيجة سياسات الأمر الواقع الصهيونية التي وأدت هذا الخيار من ناحية ثانية، ومن ناحية ثالثة مع من يقر بموت خيار أو حل الدولتين من ناحية عملية لكنه لا يرى بديلا عنه حتى اللحظة، بحكم تبني حل الدولتين من قبل مجمل المجتمع الدولي على صعيدي المؤسسات والدول، لاسيما من قبل الدول النافذة والمؤثرة كدول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية وروسيا والصين وجامعة الدول العربية بكل أعضائها الحاليين والسابقين. في مقابل هذا الطيف الواسع من رافضي حل أو خيار الدولتين هناك بعض المتعلقين بخيار الدولتين لاسيما داخل الجسم السياسي الفلسطيني الرسمي والفصائلي، أي من زمرة أوسلو ومن الفصائل والقوى المحسوبة على اليسار ونظيرتها المحسوبة على اليمين وخصوصا حركة حماس.

وعليه وكما هو موضح في التباينات السابقة، نجد هناك ثلاث مجموعات رئيسية، الأولى تضم رافضي خيار الدولتين من زاوية مبدئية أو بسبب استحالة تطبيقه، والثانية من المترددين نتيجة غياب أي بديل عن حل الدولتين، والثالثة تضم المتمسكين بحل الدولتين لاعتبارات دولية أو مصلحية فردية. وعليه شهدت الساحة الفلسطينية في المرحلة السابقة شيئا من الاستعصاء أو التوازن القلق بين هذه التيارات الثلاثة مع رجحان طفيف لكفة المجموعة الثالثة المتمسكة بحل الدولتين، نظرا لإمكاناتها المالية والسياسية من سلطة ومنظمة وفصائل وحركات وقوى فلسطينية. أما اليوم وبعد صدور تقرير "منظمة العفو الدولية" (أمنستي) فنلحظ بعض التغييرات الداخلية التي قد تساهم في إنهاء حالة الاستعصاء السياسية وتحسم الخيارات نحو استعادة الخطاب والنضال التحرري الكامل من المنظومة الصهيونية الاستعمارية والإحلالية، التي تمارس فصلا عنصريا وتطهيرا عرقيا بحق شعب وأرض وتاريخ فلسطين كل فلسطين، وذلك على قاعدة وحدة الأرض والشعب والقضية وبأفق تقدمي وإنساني.

إذ يفضح التقرير الصادر عن "أمنستي" حقيقة أو الجزء الأكبر من حقيقة الاحتلال الصهيوني، على اعتباره نظام فصل عنصري بحق مجمل شعب فلسطين (لم يفضح التقرير ممارسات التطهير العرقي الصهيونية وطبيعتها الاستعمارية الإحلالية اللتين تمثلان جوهر المشروع الصهيوني)، وهو ما يعتبر بمثابة خطوة أولى في مسار استعادة تعريف قضية فلسطين على اعتبارها قضية تحررية على المستوى العالمي. حيث تعد منظمة العفو الدولية واحدة من أهم المنظمات الدولية، وتكتسب تقاريرها مصداقية عالية في الأوساط العالمية الأكاديمية والسياسية والقانونية، الأمر الذي يجعل من تجاهل المؤسسات الدولية لتقاريرها أمرا مستبعدا مستقبلا، خصوصا إذا تم العمل على استثمار هذا التقرير فلسطينيا ولو بشكل غير رسمي، نظرا لاستحالة استثماره من قبل المؤسسات الرسمية الفلسطينية الحالية الفاسدة والانهزامية، التي أضحت لعبة في يد حفنة من الأشخاص من ذوي المصالح المتشابكة مع الاحتلال.

وعليه فقد أثر التقرير على آراء ومواقف جزء كبير ممن يعتقدون أن حل الدولتين هو الحل الوحيد المتاح سياسيا رغم انتهائه عمليا نتيجة تبنيه من قبل المؤسسات الدولية والدول النافذة عالميا، حيث يمنحهم التقرير بارقة أمل توحي بإمكانية البناء على التقرير لدفع المجتمع الدولي كي يتبنى موقفا حاسما من الاحتلال الصهيوني أو على الأقل موقفا أفضل مما يتبناه اليوم أي حل الدولتين. كما يساهم التقرير في تجذير مواقف رافضي حل الدولتين انطلاقا من استحالة تطبيقه، فقد فتحت منظمة العفو الدولية في تقريرها الباب لاستعادة جوهر الخطاب والقضية الفلسطينية، ما يعزز من تمسك المترددين والمتقلبين بخيار التحرر الشامل والكامل. طبعا لا يخلو الأمر من خطر عودة المترددين للتمسك بخيار الدولتين، لكن يمكن استبعاد ذلك في المدى المتوسط نظرا لمنهجية التطهير العرقي الممارسة صهيونيا، وبحكم طبيعة الاحتلال الصهيوني العنصرية والاستعمارية والإحلالية، ونتيجة توالي النجاحات الفلسطينية في فضح حقيقة المشروع الصهيوني، أي تبدو الأوضاع الداخلية والخارجية مواتية لطي صفحة خيار الدولتين بشكل نهائي أو شبه نهائي.

إعلام وحريات
التحديثات الحية

من كل ذلك وبالعودة إلى المجموعات الثلاث التي تحدثنا عنها وإلى حالة التوازن القلق بين التمسك بحل الدولتين أو العودة لخيار التحرير الكامل والشامل، نجد أن هناك ميلا متسارعا على الصعيدين الشعبي والسياسي نحو تبني خيار التحرير الكامل والشامل برؤية تقدمية وإنسانية كما في خيار دولة فلسطين الديمقراطية العلمانية الواحدة، دولة لجميع مواطنيها الأصليين والحاليين، ميلا سوف يؤدي إلى الحد من تأثيرات الجسم السياسي الرسمي والفصائلي السلبية بالمجمل في المرحلة الأولى وصولا إلى تجاوزه كليا لاحقا في سياق نضال تحرري تقدمي وإنساني.

المساهمون