بعد استجوابها 350 شاهداً، واطلاعها على 40 ألف وثيقة ومذكرة، يتقدم عمل لجنة التحقيق في الكونغرس الأميركي بأحداث اقتحام مبنى الكابيتول من قبل أنصار الرئيس السابق دونالد ترامب، في 6 يناير/ كانون الثاني 2021، ما قد يجعلها أكثر من أي وقت مضى قريبة من الوصول إلى نتيجة تدين ترامب قبل الانتخابات النصفية للكونغرس في الخريف المقبل.
ويجري ذلك، بعدما بدأ يتكشف دور أكبر لترامب في محاولة توريط وزارات سيادية ووكالات فيدرالية في نظريات المؤامرة التي ساقها للانقلاب على نتائج انتخابات 3 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، التي فاز فيها جو بايدن بالرئاسة. وكان من الممكن، لو انساق الجيش إلى مساعي ترامب وفريقه، حدوث سابقة في التاريخ الأميركي، من شأنها لو حصلت، تبديل مشهدية الانتخابات في هذا البلد برمتها، وتجعلها أكثر عرضة للطعن والمعارضة والانتقاص من مصداقيتها في أعين الأميركيين.
مسودات أوامر لتوريط البنتاغون
وبعد ستة أشهر من يوم الانتخاب، طلب ترامب من محاميه رودي جولياني التواصل مع وزارة الأمن الوطني للاستعلام حول إمكانيته قانونياً الاستحواذ على ماكينات التصويت في الولايات المتأرجحة، بحسب ثلاثة مصادر مطلعة على المسألة تحدثت لصحيفة "نيويورك تايمز".
وضغط ترامب على جولياني لمزيد من الاستفسار حول إمكانية تنفيذ خطته، بعدما فشلت محاولة لمستشاريه لدفع وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) للقيام بالمهمة، كما رفضت وزارة العدل ممثلة آنذاك بالوزير ويليام بار إنجاز طلبه.
بحث ترامب عن طريقة قانونية لمصادرة ماكينات التصويت في ولايات متأرجحة
وتدل هذه المعلومات، المنسوبة للمصادر الخاصة، إلى أن محاولات الرئيس السابق للبقاء في السلطة كانت أكثر جدية وتنوعاً وخطورة مما كشف عنه في السابق، وحاولت توريط وزارات سيادية في مزاعم تزوير الانتخابات. وجاءت المقترحات لوزارتي الدفاع والأمن القومي على شكل مسودتي أمرين تنفيذيين.
وبحسب الصحيفة، فإن فكرة صياغة أوامر تنفيذية للاستيلاء على ماكينات التصويت في الولايات مرتبطة بالكولونيل المتقاعد في الجيش الأميركي فيل والدرون، الذي اقترح إقحام البنتاغون في المسألة للمرة الأولى أمام مستشار الأمن القومي السابق لترامب مايكل فلين، الذي طلبت لجنة التحقيق في مجلس النواب استجوابه.
يُذكر أن اسم والدرون كان قد ظهر إلى العلن في تقرير سابق لوكالة "رويترز"، في 15 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، تطرقت فيه الوكالة إلى العلاقة المتينة بينه وبين فلين والتي نُسجت خلال الحربين العراقية والأفغانية، حيث عمل الرجلان على "مشاريع سرّية" في كلا البلدين، ومنها العمليات النفسية "للضغط على العدو". ولفتت الوكالة إلى تعاونهما بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة، لنشر وترويج نظريات مؤامرة هدفها تقويض ثقة الأميركيين في الانتخابات، وخصوصاً لدى اليمين المتطرف.
وكشفت "نيويورك تايمز"، في تقريرها أمس، عن مزيد من أنشطة والدرون في هذا الخصوص. إذ بحسب المصادر، فإنه بدأ مباشرة بعد يوم الانتخاب بإخبار مساعديه بأنه وجد مخالفات في نتائج التصويت توحي بأن هناك عملية تزوير، ثم خرج باقتراح أن تقوم وكالة فيدرالية، مثل الجيش أو وزارة الأمن القومي، بمصادرة ماكينات التصويت للحفاظ على الأدلة.
وكان ذلك من ضمن مروحة واسعة من العروض والمقترحات التي قدمت إلى ترامب في الأسابيع التي تلت يوم الانتخاب، وشارك فيها محامون أيضاً، مثل سيدني باول وجولياني.
وحاول ترامب، بالتوازي، الضغط على مشرعين في الولايات المتأرجحة، والتي زعم أن تزويراً انتخابياً وقع فيها، مثل جورجيا أو بنسلفانيا، لاستخدام قوات حفظ الأمن المحلية للاستيلاء على ماكينات التصويت، وهو أمر رفضه هؤلاء.
جولياني يعارض بعض نزوات ترامب
وبحسب المصادر أيضاً، فإن جولياني كان رافضاً لإقحام الجيش في المسألة. وحصل خلاف بين جولياني ومحاميه من جهة، وفريق فلين، الذي ضمّ المحامية سيدني باول ورجل الأعمال الثري باتريك بيرن، داخل المكتب البيضاوي في البيت الأبيض، نهاية العام الماضي.
وشدّد جولياني حينها على أن الاستعانة بالجيش في مثل هذه الحالات تتم فقط مع وجود أدلة على تدخل أجنبي في الانتخابات، وهو ما أكدت باول وجوده، بعدما أمضت وقتاً إثر الانتخابات في رفع دعاوى تزعم أن الصين ودولاً أخرى نفذّت عمليات قرصنة استهدفت الماكينات الانتخابية.
ووصل الأمر بجولياني، الذي عرف عنه تسخير كل طاقاته للترويج لنظرية الرئيس السابق بسرقة الانتخابات، إلى حدّ تحذير الفريق الآخر بأن ما يجرون ترامب إليه قد يوصله إلى العزل.
وبحسب تقرير لشبكة "سي أن أن"، فإن الجلسة داخل المكتب البيضاوي التي ناقشت المسألة، كانت صاخبة، وتحولت إلى "مباراة في الصراخ"، لافتة إلى أن أي عملية للجيش أو وكالة فيدرالية أمنية لمصادرة ماكينات انتخابية، لو حصلت، لكانت سابقة في تاريخ الولايات المتحدة.
رفض جولياني فكرة توريط الجيش، محذراً من أن ذلك قد يقود إلى عزل ترامب
وتحقق اللجنة النيابية في الكونغرس، التي تحاول الكشف عن مدى الدور الذي أداه ترامب باقتحام أنصاره مبنى الكابيتول في 6 يناير 2021، في قضية مسودتي الأمرين التنفيذيين اللذين لم يعرف ما إذا كان قد تمّ إرسالهما في النهاية إلى وزارتي الدفاع والأمن الوطني أم لا.
وبحسب "سي أن أن"، فإن المسودة الموجهة إلى البنتاغون جرى تسليمها إلى اللجنة من قبل الأرشيف الوطني، بعدما أمر بايدن بإزاحة السرية عن وثائقه لخدمة التحقيق. وفي هذا الإطار، استجوبت اللجنة المحامي بيرني كيرك، من فريق جولياني. وقال النائب الديمقراطي العضو في اللجنة زو لوفغرين إن "لا معلومات لدينا حتى اللحظة عما إذا كان البنتاغون قد اتخذ أي خطوة لتنفيذ هذه المذكرة"، وأضاف أن المسودة "غير قانونية، لكنها تخطف الأنفاس بمقاربتها".
والمقاربة، وهي نظرية المؤامرة التي حاكها فريق ترامب للانقلاب على نتائج الانتخابات، واصلها جولياني بطرق أخرى. ويبدو أن ترامب قد حاول بدروه استكشاف كل الطرق التي قد تمكنه من البقاء في البيت الأبيض، إذ سأل أيضاً نائب وزير الأمن الوطني بالوكالة كينيث كوتشينيلي عما إذا كان بالإمكان تعيين مستشار خاص للتحقيق بتزوير الانتخابات، مقترحاً اسم سيدني باول، وهو ما لم ينصحه به الأخير.
وفيما لم يتجاوب جزء من فريق ترامب مع طلبات الاستدعاء لاستجوابهم من قبل لجنة التحقيق، يقوم آخرون بالتعاون مع اللجنة بصمت. وذكرت شبكة "سي أن أن" الأميركية أن مارك شوت، كبير موظفي نائب الرئيس السابق مايك بنس، قدّم إفادته أمام اللجنة، الأسبوع الماضي. وتسعى اللجنة إلى تسليط الضوء على الضغط الذي مارسه ترامب على بنس، في 6 يناير 2021، لمنع المصادقة على فوز بايدن بالرئاسة.
وترشح معلومات جديدة عن التحقيق، في وقت عاد فيه ترامب ليلمح إلى إمكانية ترشحه مجدداً للرئاسة في عام 2024. وذكرت صحيفة "واشنطن بوست"، أمس الثلاثاء، أنه تمكن من جمع 122 مليون دولار من المال السياسي مع بداية العام الحالي، علماً أن دعمه المالي عبر لجانه السياسية لمرشحين جمهوريين في مناصب مختلفة كان ضئيلاً جداً.
ورأت الصحيفة أن "بزنس (أعمال) ترامب اليوم هي السياسة"، ناقلة عن المتحدث باسمه تايلور بودوفيتش قوله إن "موجة مستلهمة من ترامب سوف تضرب خلال الانتخابات النصفية وتستمر حتى 2024".