تفكيك المنطقة الخضراء في بغداد: وعد حكومي يقابل بالتشكيك

22 مايو 2022
بعثة الأطلسي في المنطقة الخضراء، نوفمبر الماضي (أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -

أعاد رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي ملف المنطقة الخضراء المحصنة، وسط العاصمة بغداد، إلى الواجهة، بتعهده بتفكيكها وإعادتها إلى سابق عهدها قبل الغزو الأميركي للبلاد في عام 2003، أي عبارة عن أحياء وحارات سكنية مثل غيرها من مناطق بغداد، وإعادة أسماء أحيائها الأصلية إليها.

التعهد لا يُعتبر الأول من نوعه، إذ سبق أن أعلنه رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي مطلع عام 2019، ومن قبله رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي نهاية عام 2017، خلال مناسبات عديدة، جرى فيها التطرق إلى مشاكل العاصمة العراقية وأزمة الاختناقات المرورية اليومية.

إلا أن خطوة الكاظمي جاءت بشكلٍ مختلف من جهة إلغاء "المنطقة الخضراء" كلياً، على خلاف الحكومتين السابقتين اللتين تعهدتا بفتح شوارع المنطقة الخضراء الرئيسية لتسهيل تنقل المواطنين بين جانبي الكرخ والرصافة، بما فيها الجسر المعلق، أحد أهم جسور بغداد.

وجاء الإعلان خلال زيارة الكاظمي لمبنى أمانة بغداد، يوم الخميس الماضي، بعد يومين من استقالة أمين بغداد علاء معن، الذي واجه انتقادات مختلفة في الفترة الماضية حيال تأزم أوضاع الخدمات بالعاصمة.

طبيعة "المنطقة الخضراء" في بغداد

والمنطقة الخضراء اسم دخيل على جغرافية بغداد، وتتألف عملياً من ثلاثة أحياء سكنية متجاورة على نهر دجلة وسط بغداد، هي حي كرادة مريم الذي كان يضم العراقيين المسيحيين، وحي القادسية، وحي التشريع، فضلاً عن اقتطاع جزء بسيط من حي الحارثية.

وإلى جانب كونها أحياء سكنية، فإنها تضم عدة فنادق ومستشفى ومراكز تجارية وقصوراً ومباني لوزارات مختلفة بعضها يعود إلى عقود طويلة، فضلاً عن مساجد وكنائس ومدينة ألعاب وناديين رياضيين. كما تضم، بحكم توسطها بغداد، شبكة كبيرة من الطرق والأنفاق والجسور تربط جانبي العاصمة بعضهما ببعض.


مسؤول في مكتب رئيس الوزراء: الكاظمي أوعز برفع تدريجي للكتل الإسمنتية عن مدخل المنطقة

وعمدت القوات الأميركية إلى إخلاء المواطنين من المنازل والشقق السكنية وتعويضهم بمبالغ مالية شهرية متفاوتة كبدل استئجار، على اعتبار أنها صارت ضمن منطقة الحاكم العسكري الأميركي.

ويبلغ عدد المنازل والوحدات السكنية كالشقق والفلل الخاصة بالمواطنين الآلاف، واستُغلت تلك الوحدات في ما بعد لعائلات الدبلوماسيين والمسؤولين الأجانب، قبل أن تنتقل إلى أعضاء البرلمان ورؤساء الأحزاب والكتل السياسية والوزراء والمسؤولين المهمين في الدولة العراقية.

وتحيط بـ"المنطقة الخضراء" ثلاثة أسوار إسمنتية عالية، حددت معالم المنطقة الجديدة، وفتحت لها خمسة أبواب، كل باب مخصص لدخول فئة محددة من الموظفين والمسؤولين الكبار والبعثات الدبلوماسية والمواطنين الذين يراجعون لإكمال معاملات لديهم.

وتعرّف العراقيون على الاسم الجديد لما خلف هذا السور لاحقاً بـ"المنطقة الخضراء"، في أولى بيانات سلطة التحالف المؤقتة عقب انتهاء سيطرتها على بغداد.

ويبرز الكثير من التحديات أمام تنفيذ تعهد الكاظمي، مثل إمكانية قبول البعثات الدبلوماسية الغربية والأممية لذلك، حيث تقيم داخل المنطقة، وسمح بعضها لنفسه بالبناء داخل منازل وممتلكات خاصة للعراقيين الذين تم تهجيرهم منها.

كما تنتشر مقرات الحكومة والبرلمان ورئاسة الجمهورية والمؤسسات الأمنية الحساسة، إلى جانب منازل الوزراء والمسؤولين وقيادات سياسية مختلفة، في عقارات ومنازل أغلبها فلل مستقلة لا تعود لهم.

وفي هذا الشأن، قال مسؤول في مكتب الكاظمي، طلب عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، إن "المشروع كان ضمن خطة رئيس الوزراء لأمانة بغداد خلال العام الماضي، لكن تحديات أمنية كبيرة فرضتها هجمات الجماعات المسلحة على السفارة الأميركية، ثم محاولة اغتيال الكاظمي، تسببت في عدم الإعلان عن الخطة أو المباشرة فيها".

وأوضح أن "الكاظمي أوعز إلى دوائر البلديات وفرق أمانة بغداد المباشرة برفع تدريجي للكتل الإسمنتية عن مدخل المنطقة الخضراء من جهة منطقة العلاوي، فيما ستُفتح بعض الشوارع الداخلية داخل المنطقة الخضراء التي تربط حي الصالحية باتجاه الشارع المؤدي إلى الجسر المعلّق".

لكن مراقبين وسياسيين يجدون أن الخطوة "صعبة" في ظل تمسك الأحزاب بمنازلها المعزولة عن ضوضاء المدينة، والعقارات التي جرى الاستيلاء عليها من قبل متنفذين وقادة أحزاب وكيانات سياسية، ناهيك عن إمكانية توفير الحماية اللازمة للسفارات ومكاتب المنظمات الدولية والبعثات الأجنبية التي ستكون مكشوفة عملياً.

ويرى بعضهم أن فتح المنطقة قد يكون جزئياً عبر فتح الشوارع الرئيسية فقط للأحياء السابقة، وترك الشوارع الفرعية والمربعات التي تضم المقرات والمباني المهمة مغلقة.


ياسر وتوت: الأوضاع الأمنية في بغداد باتت تسمح بفتح المنطقة الخضراء

في السياق، قال عضو اللجنة الأمنية في مجلس محافظة بغداد سعد المطلبي، لـ"العربي الجديد"، إن "الكثير من القرارات والتعهدات الحكومية التي قدّمها الكاظمي كانت إعلامية ولم يتحقق منها أي شيء، لكن إن تحقق فتح أبواب المنطقة الخضراء أمام العراقيين، فإن ذلك سيكون إنجازاً تتفرد به حكومة الكاظمي دون غيرها من الحكومات التي أعقبت الاحتلال الأميركي للبلاد"، مضيفاً "الأسابيع المقبلة ستكشف ما إذا كان هذا التعهد إعلامياً فقط أم أنه جاد".

ولفت المطلبي إلى أن "الأوضاع الأمنية تحسنت كثيراً مقارنة بالأعوام السابقة، كما أن هناك جيلاً كاملاً لا يعرف شكل هذه المنطقة المخفية عن العراقيين، وذابت معالمها وتاريخها، فيما اضطر الكثير من سكانها الأصليين إلى التخلي أو بيع منازلهم بسبب التوتر الذي تعيشه المنطقة مع كل أزمة سياسية، بالتالي فإن المنطقة الخضراء أحدثت تغييراً ديموغرافياً في بغداد".

أوضاع تسمح بتفكيك "المنطقة الخضراء"

من جهته، بيّن النائب المستقل في البرلمان ياسر وتوت، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "الأوضاع الأمنية في بغداد باتت تسمح بفتح المنطقة الخضراء، المغلقة منذ عام 2003 لأسباب سياسية وأمنية، كما أن بعض الأحزاب ساعدت في أن تكون المنطقة معزولة تماماً عن العراقيين، وهو خيار يتجاوز على حقوق الناس بالتمتع بمدينتهم والتنقل بحرية فيها"، مبدياً دعم البرلمان العراقي هذه "الخطوة الجريئة".

وأشار وتوت إلى أن "بغداد تحتوي على أكثر من خمسة ملايين سيارة، ناهيك عن السيارات التي تدخل العاصمة بشكلٍ يومي، وهذا الزخم الكبير في عدد السيارات وما يخلفه من زحمة شديدة وخانقة يتسببان عادة بحوادث مرورية ونقمة وغضب عند البغداديين".

واعتبر أنه "قد تذوب جميع هذه المشاكل مع فتح المنطقة الخضراء، لا سيما أنها تقع على حافة المناطق الأكثر ازدحاماً بشرياً في جانب الكرخ، مثل أحياء اليرموك والحارثية والمنصور".

ورأى أنه "من الضروري إيفاء حكومة الكاظمي بهذا الوعد، وإلا فإن طلبات برلمانية قد تُقدّم في المرحلة المقبلة لرئاسة البرلمان لتبنّي هذا المشروع".

من جهته، لفت عضو تحالف قوى "الإطار التنسيقي" مختار الموسوي، إلى أن "القرار جيد، مع العلم أنها ليست فكرة الكاظمي، بل سبق أن تحركت حكومة عادل عبد المهدي في سبيل فتح المنطقة الخضراء أمام المواطنين، لكن بعض البعثات الأجنبية والسفارات، ومنها السفارة الأميركية، اعترضت على ذلك، ما أدى إلى فتح شارع واحد، وهو المؤدي إلى ساحة الاحتفالات، وعادة ما يُغلق بعد الساعة الخامسة مساءً من كل يوم، كما أنه أغلق مدة سنة تقريباً خلال اندلاع التظاهرات الشعبية عام 2019".

وأكد الموسوي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "فتح المنطقة يحتاج إلى أمرين، الأول إرادة سياسية قوية من قبل حكومة الكاظمي، لأن هناك جهات حزبية وسياسية قد تقف بوجه هذا الطموح، والثاني هو توفير الحماية للسفارات والمنظمات والبعثات الأجنبية، وهو من واجب الحكومة أيضاً".