لم يتوقف قصف قوات النظام السوري ومليشيات تساندها على أحياء درعا البلد، جنوبي سورية، أمس الثلاثاء، من دون أن يمنع ذلك من بدء جولة جديدة من المفاوضات انطلقت في درعا المحطة بين اللجنة الأمنية التابعة للنظام السوري واللجنة المركزية لدرعا، برعاية روسية وحضور من قياديين في اللواء الأول بالفيلق الخامس ووجهاء من درعا. وجاءت جولة المفاوضات الجديدة استكمالاً للجولات السابقة التي لم تصل إلى خواتيم مرضية، في ظل تصعيد عسكري من النظام استخدم خلاله صواريخ أرض ـ أرض شديدة الانفجار من نوع "فيل" ونوع "جولان".
وفي ملف المفاوضات، ذكر الناشط الصحافي أبو محمد الحوراني في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن النظام طلب عقب محاولة قواته الفاشلة التقدم في أحياء درعا البلد أمس، عقد اجتماع مع لجنة التفاوض المركزية في درعا. وفي سياق متصل، ذكرت وكالة "سبوتنيك" الروسية أنه على أساس نتائج هذا الاجتماع "سيتحدد الخيار الحاسم لملف درعا البلد إما بالعودة لتنفيذ بنود الاتفاق، أو بالحل العسكري". من جهتها، ذكرت صحيفة الوطن الموالية للنظام أن "هناك وجهاء من المحافظة طلبوا لقاء مع اللجنة الأمنية والعسكرية من أجل الوساطة وفرض التسوية وتم اللقاء، وكانوا موضع ترحيب اللجنة الأمنية، لكن سرعان ما تبين أن طلباتهم غير مقبولة".
الوجهاء طالبوا بهدنة مدتها ما بين 48 و72 ساعة
وأوضحت المصادر أن الوجهاء طالبوا بهدنة مدتها ما بين 48 و72 ساعة، إلا أن اللجنة الأمنية رفضت منح هذه المهلة، إذ سبق أن منحت عشرات المهل سابقاً من دون جدوى، مضيفة أنه "تم منحهم مهلة بضع ساعات لدخول درعا البلد والتوسط إلا أنهم رفضوا الأمر". ونقلت الصحيفة عن مصادر قولها إن "المهلة الطويلة بكل تأكيد ليس هدفها الوساطة، بل بناء مزيد من التحصينات وتنظيم صفوف تنظيم داعش داخل منطقة درعا البلد، خصوصاً بعد الضربات الموجعة التي وجهها الجيش العربي السوري لهم في الساعات الأخيرة، وهذا أمر مرفوض".
ميدانياً، أفاد المتحدث باسم "تجمّع أحرار حوران" أبو محمود الحوراني في حديث مع "العربي الجديد"، أن الفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد ومليشيات تتبعها، قصفت منطقة درعا البلد بصواريخ أرض ـ أرض من نوع "فيل" وقذائف الهاون، بالتزامن مع تحليق طيران استطلاع فوق المنطقة المحاصرة منذ أكثر من 70 يوماً. وذكر أن قوات النظام المتمركزة في الفوج 175 بمدينة ازرع، قصفت براجمات الصواريخ، الأحياء المحاصرة في مدينة درعا.
من جانبها، بثّت وكالة "نبأ" المحلية للأنباء مشاهد مصورة تظهر حجم الدمار في أحياء درعا البلد، خصوصاً في المساجد، جرّاء القصف بصواريخ "فيل" شديدة الانفجار، والتي تفوق البراميل المتفجرة بالقدرة التدميرية العالية. وكانت قوات النظام قد بدأت حملتها المكثفة ضد أحياء درعا البلد، مساء الأحد الماضي، بعد إعلان اللجنة المركزية الممثلة لأهالي الأحياء المحاصرة في درعا البلد انهيار المفاوضات "بسبب تعنت النظام وعدم تجاوبه مع الطروحات الروسية واستمراره في محاولة فرض شروطه القاسية، وعدم احترامه لوقف إطلاق النار، وتقدم مليشيات الفرقة الرابعة ومحاولتها اقتحام مدينة درعا من أكثر من محور".
ولم تنقطع تهديدات النظام لسكان أحياء درعا البلد، البالغ عددهم نحو 11 ألف مدني والمدافعين عنهم. وادّعى أمين فرع حزب البعث الحاكم بدرعا، حسين الرفاعي، في حديث مع وسائل إعلام موالية أن "العملية العسكرية في مدينة درعا لن تستمر لأكثر من يومين". وأشار إلى أن العمليات العسكرية التي بدأها النظام، الأحد الماضي، في مدينة درعا ستشمل باقي أنحاء المحافظة. وزعم أن "عناصر من تنظيم داعش دخلوا إلى درعا البلد من بلدات ريف درعا الغربي"، متناسياً أن قوات النظام والمليشيات الإيرانية تحاصر أحياء درعا البلد من جميع الاتجاهات منذ أكثر من شهرين.
ولم تستطع قوات النظام والمليشيات الإيرانية تحقيق تقدم على الأرض رغم القصف المدفعي والصاروخي على أحياء درعا البلد المستمر منذ مساء الأحد، بل تكبّدت خسائر في صفوف مسلحيها. ومن الواضح أن المدافعين عن درعا البلد كانوا يدركون أن النظام غير جاد في التوصل لحل سياسي، وأنه كان يشتري الوقت لا أكثر ليستكمل حشد قواته لشنّ عملية عسكرية. وتعليقاً عما يجري في أحياء درعا البلد، أشار المنشق عن قوات النظام السوري اللواء محمد الحاج علي (وهو من أبناء محافظة درعا)، إلى أن "ما يجري هو عقوبة من قبل النظام لأهالي محافظة درعا وأحياء درعا البلد تحديداً، بسبب رفضهم المشاركة والاعتراف بالانتخابات الرئاسية التي قام بها النظام في مايو/ أيار الماضي".
المدافعون عن أحياء درعا يملكون أسلحة خفيفة وفردية وبعض قاذفات آر بي جي
وأضاف الحاج علي في حديث مع "العربي الجديد" أن الحصار المضروب منذ أكثر من شهرين "كان بتواطؤ واضح من الروس والإيرانيين"، معتبراً أن اللجنة المركزية في محافظة درعا المفاوضة باسم الأهالي "متماهية مع النظام، ووقعت اتفاقاً اعتبره الثوار مذلاً لذلك أفشلوه". ومضى بالقول: هذا القصف الوحشي من قبل قوات النظام على أحياء درعا البلد يهدف إلى إخضاعها من خلال العودة إلى الاتفاق الذي رفضه الثوار". وأعرب عن اعتقاده بأن قوات النظام "عاجزة عن دخول الأحياء إلا إذا دمّرتها بشكل كامل"، وأشار إلى أن المقاتلين صامدين "ومعنوياتهم عالية بينما ليس لدى قوات النظام أي إرادة للقتال. إنها تستهدف مدنيين من نساء وأطفال. درعا البلد عصية عليها".
واستغرب الحاج علي الموقف "المتخاذل" من "اللواء الثامن" التابع للروس والمتمركز في ريف درعا الشرقي ويضم مقاتلين من درعا، مشدّداً على أن "واجب هذا اللواء القتال إلى جانب الثوار في أحياء درعا البلد وتجاوز كل الاتفاقات مع الروس، لأن هذه المعركة اليوم معركة مصير". ودعا إلى قيام المقاتلين المعارضين بأعمال قتالية ضد قوات النظام في ريفي درعا الغربي والشرقي لتخفيف الضغط عن درعا البلد.
بدوره، أوضح الناشط الإعلامي أحمد المسالمة في حديث مع "العربي الجديد" أن المقاتلين المعارضين "يملكون أسلحة خفيفة وفردية وبعض قاذفات آر بي جي، ورشاشات خفيفة ومتوسطة"، مضيفاً أنه لا يوجد لديهم أي سيارات دفع رباعي أو آليات عسكرية. وحول القدرة العسكرية لدى النظام، أوضح أن فروع الأجهزة الأمنية الأربعة التابعة للنظام (العسكري، السياسي، الجوي، أمن الدولة) موجودة بعتاد وطواقم عسكرية كاملة، ومن يعمل معها من مليشيات محلية. ونوّه إلى أن "اللواء 132 دبابات" موجود بسلاحه حول أحياء درعا البلد، إضافة إلى انتشار كتائب دفاع جوي وشيلكا وهندسة في محيط مدينة درعا، مشيراً إلى أن النظام استقدم أخيراً تعزيزات من الفرق الرابعة والخامسة والأولى والـ 15 التابعة لقواته إلى محيط مدينة درعا. وأشار إلى وجود العديد من المليشيات الإيرانية بـ "أعداد كبيرة"، موضحاً أن قوات النظام تستخدم كل أنواع الأسلحة. وقال: استخدمت المليشيات أول من أمس الإثنين، صاروخ "بركان" محلي الصنع بوزن 500 كيلوغرام وصواريخ "فيل" و"جولان" وراجمات الصواريخ، واستخدمت مدفعية الميدان وهددت باستخدام سلاح الجو.