بعد مرور ثلاثة أيام على استهداف منشأة "نطنز" النووية التي تقع وسط إيران في شمال محافظة إصفهان، وهي أهم المنشآت لتخصيب اليورانيوم، ثمة تساؤلات ملحة تُطرح حول حقيقة ما جرى وطبيعة الهجوم الذي استهدف الموقع النووي الإيراني، وحجم الخسائر التي لحقت به، وسط تضارب بين الرواية الرسمية الإيرانية وروايات وسائل إعلام إسرائيلية وأميركية، مع توجيه أصابع الاتهام رسمياً إلى الاحتلال الإسرائيلي بتنفيذ العملية.
وكشف المتحدث باسم منظمة الطاقة الذرية الإيرانية بهروز كمالوندي، صباح الأحد، عن انقطاع التيار الكهربائي عن أجزاء من "نطنز"، قبل أن يؤكد رئيس المنظمة علي أكبر صالحي، مساء، أن الانقطاع كان ناجماً عن "عملية تخريبية"، لكن لم يوضح رسمياً بعد سبب وقوع انقطاع التيار الكهربائي، إن كان ناجماً عن هجوم إلكتروني أو انفجار. غير أن حديث "مصدر أمني استخباراتي" مع وكالة "نور نيوز" المقربة من مجلس الأمن القومي الإيراني، يوم الاثنين، عن التعرف على هوية شخص تورط في الهجوم، يرجح فرضية أن ما حصل لم يكن ناجماً عن هجوم إلكتروني وإنما انفجار. وأكدت الوكالة أن الجهود الاستخباراتية مستمرة للقبض على هذا الشخص.
إلى ذلك، يشير رئيس لجنة الطاقة بمجلس الشورى الإسلامي (البرلمان) في إيران فريدون عباسي، وهو الرئيس السابق لمنظمة الطاقة الذرية الإيرانية، إلى وقوع "انفجار ألحق أضراراً بشبكة توزيع الكهرباء وكابل موصول بالبطاريات". مع ذلك، ليس واضحاً سبب وقوع الانفجار، إن كان يعود إلى زرع متفجرات أو أسباب أخرى. إلا أن عباسي قال للقناة الثالثة الإيرانية إن "تخطيط العدو كان دقيقاً للغاية"، مؤكداً بالقول "إنني أنظر إلى القضية من منطلق علمي".
وأضاف أن موقع "نطنز" النووي لديه "محطة كهربائية توصل الكهرباء إلى عمق 40 إلى 50 متراً تحت الأرض"، مشيراً إلى أن "المكان الذي تحت الأرض قد بني باستحكامات قوية، لكيلا تقدر الهجمات الجوية والصاروخية على تدميره".
وأكد أن "العدو، عندما يرى أن الوضع بهذه الحالة، فإما ينفذ عملية تخريبية إلكترونية أو عملية تخريبية عبر الأشخاص أو المعدات"، مضيفاً أن "ذلك يستغرق وقتاً يمكن أن يصل إلى ما بين 5 و10 سنوات لكي يتم إرسال معدات عاطلة (من الخارج) لاستخدامها بالتدرج". وأضاف أن العملية قطعت شبكة توزيع الكهرباء وكذلك الكهرباء الواصلة من الكابل الموصول بالبطاريات إلى أجهزة الطرد المركزي، مشيراً إلى أن هذا الكابل يستخدم لاستمرار عمل الأجهزة في حال انقطاع الكهرباء.
وهنا، أشار الرئيس السابق لمنظمة الطاقة الذرية الإيرانية إلى "عملية تخريبية" استهدفت منشأة "فوردو" على بعد 90 كيلومتراً عن جنوب العاصمة طهران عام 2012، قائلاً إنه "في عام 2012، قطعوا الكهرباء عن فوردو من مسافة 30 كيلومتراً. أعطبوا الأبراج والكابلات الكهربائية بالمتفجرات، وجواسيس من داخل المنشأة في الأجزاء التي لم تكن فيها الكاميرات فجروا البطاريات، أي أنهم قطعوا الكهرباء والبطاريات معاً".
وأشار عباسي إلى انفجار "نطنز" خلال يوليو/تموز، قائلاً إنه "كان بسبب زرع متفجرات في طاولة كبيرة للتوازن أدخلت إلى المنشأة".
إلى ذلك، انتقد رئيس مركز بحوث البرلمان الإيراني علي رضا زاكاني الحكومة، في مقابلة مع التلفزيون الإيراني، قائلاً إنه "يجرى إرسال بعض المعدات إلى الخارج لإصلاحها، وعندما تعود هذه المعدات يكون بداخلها 300 باوند من المتفجرات".
وأشار إلى تفقد برلمانيين خلال الفترة الماضية منشآت متضررة من هجمات، قائلاً إن "بعض هذه المنشآت تعطلت بالكامل".
وفي سياق حديثه، كشف علي رضا زاكاني عن أنه في الهجوم الأخير في "نطنز" "أعطبت عدة آلاف من أجهزة الطرد المركزي"، غير أن الحكومة لم تؤكد أو تنفِ بعد صحة هذه الأرقام.
في غضون ذلك، أكد المتحدث باسم الحكومة الإيرانية، في مؤتمره الصحافي اليوم الثلاثاء، أن الهجوم "خلّف أضراراً محدودة لنشاط تخصيب اليورانيوم"، مضيفاً أن "منظمة الطاقة الذرية (الإيرانية) طمأنت أنها خلال وقت قصير ستعوض الجزء الكبير من الأضرار، وستستخدم التقنيات الأكثر حداثة لأجل إعادة بناء ما تضرّر وفقاً للقرارات المتخذة".
كما أن وسائل إعلام إسرائيلية وغربية قدمت روايتها عن عملية استهداف "نطنز" الأخيرة، حيث نقلت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، عن مسؤولَين في الاستخبارات الأميركية والإسرائيلية، تأكيدهما الدور الإسرائيلي في الهجوم الذي طاول منشأة نطنز النووية الإيرانية أمس الأحد.
وقال مسؤولان اطلعا على الأضرار، للصحيفة، إنّها نجمت عن انفجار كبير دمّر بالكامل نظام الطاقة الداخلي المستقلّ، والمحميّ بشدّة، والذي يزوّد أجهزة الطرد المركزي تحت الأرض بالطاقة لتخصيب اليورانيوم.
وأوضح المسؤولان، اللذان تحدثا إلى الصحيفة شرط عدم الكشف عن هويتيهما عن عملية إسرائيلية مصنّفة سرية، أنّ الانفجار وجّه "ضربة قاسية" لقدرة إيران على تخصيب اليورانيوم، وأنّ استئناف الإنتاج في نطنز قد يستغرق تسعة أشهر على الأقل.
إلا أن إيران أكدت رسمياً أن عملية تخصيب اليورانيوم "مستمرة"، مشددة على أنها ستستبدل أجهزة الطرد المركزي من الجيل الأول، المتضررة على خلفية الهجوم، بأجهزة أكثر تطورا وبقدرات إنتاجية أعلى.
علماً أن الهجوم هو الثالث من نوعه الذي تتعرض له "نطنز"، فالهجوم الأول كان عبر إرسال فيروس "ستاكس نت" إلى أجهزتها عام 2010، الذي صُنّف أنه أخطر فيروس عسكري، والهجوم الثاني تم خلال يوليو/تموز الماضي، حيث دمّر انفجار صالة لتجميع وإنتاج أجهزة الطرد المركزي المتطور، قبل أن تعلن إيران، السبت الماضي إعادة بنائها قبل يوم من الهجوم الثالث.