تواصل الحكومة الأردنية تعزيز تقاربها مع النظام السوري، وتحديداً من البوابة الاقتصادية، في سياق مبادرات معلنة من عمّان لتعويم هذا النظام المعزول منذ عشر سنوات، بسبب رفضه التجاوب مع كل الجهود والمبادرات العربية وغير العربية التي بُذلت للتوصل إلى حلول سياسية للقضية السورية. وتأتي خطوة إعادة افتتاح المنطقة الحرّة بين سورية والأردن، لتستكمل هذا المسار الذي يهدف إلى ضخّ الحياة في الاقتصاد السوري المتهالك، بالتزامن مع محاولات إعادة النظام إلى جامعة الدول العربية.
وأعلن وزير الصناعة والتجارة والتموين، رئيس الجمعية العمومية لشركة المنطقة الحرّة عن الجانب الأردني، يوسف الشمالي، ووزير الاقتصاد والتجارة الخارجية، رئيس الجمعية العمومية لشركة المنطقة الحرّة عن الجانب السوري، محمد سامر الخليل، إعادة افتتاح المنطقة الحرّة السورية – الأردنية المشتركة، وانطلاق الأعمال والأنشطة التجارية والاقتصادية فيها اعتباراً من يوم أمس الأربعاء.
أهداف افتتاح المنطقة الحرّة بين الأردن وسورية
وبحسب بيان مشترك صادر عن الجانبين، نقلته وكالة الأنباء الأردنية "بترا"، فإن افتتاح المنطقة الحرّة "يهدف إلى تحقيق الغاية المرجوة من تأسيس المنطقة في تنشيط الحركة التجارية، وجذب الاستثمارات، وتنشيط قطاع الخدمات، وبالتالي خلق فرص العمل، والمساهمة في تحقيق دعم العملية التنموية الاقتصادية والاجتماعية لكلا البلدين الشقيقين". ولفت البيان إلى أن إعادة افتتاح المنطقة الحرّة السورية - الأردنية المشتركة تمت بعد استكمال متطلبات تأهيلها وإعادتها إلى العمل وتأمين جاهزيتها لاستقبال الاستثمارات من كلا الجانبين، ومن الدول الصديقة. وأوضح البيان، أن تأسيس المنطقة الحرّة "تم بموجب اتفاق التعاون الاقتصادي وتنظيم التبادل التجاري بين البلدين، لتكون أحد مرتكزات العمل العربي الاقتصادي المشترك".
أعلن وزيرا الصناعة والتجارة في البلدين إعادة افتتاح المنطقة الحرّة أمس
وكان الجانب الأردني والنظام السوري قد أعادا فتح المعبر الرئيسي بين البلدين، وهو معبر نصيب من الجانب السوري، ومعبر جابر من الطرف الأردني، وذلك في أواخر عام 2018 بعد إغلاق استمر سنوات عدة. وكان هذا المعبر يعد قبل عام 2011، شرياناً مهماً لحركة الترانزيت التي كانت تأتي من لبنان وتركيا باتجاه مصر وبلدان الخليج العربي.
بلدان بإمكانات محدودة
وتعليقاً على إعادة افتتاح المنطقة الحرّة بين البلدين، رأى الباحث الاقتصادي في مركز "جسور" للدراسات، خالد تركاوي، أن المنطقة الحرّة بين الأردن وسورية "يُفترض أن تسهّل عمليات البيع والشراء بين البلدين، لكن الصناعة تراجعت كثيراً في سورية منذ عام 2011 وحتى اليوم، ومن ثم لا أجد لدى الجانب السوري ما يقدمه في هذا المجال". وبيّن تركاوي في حديث لـ"العربي الجديد"، أن المنطقة الحرّة "يمكن أن تشكل البضائع الأردنية فيها فرصة جيدة للسوريين القادرين على الشراء، حيث بإمكانهم الحصول على كل شيء هناك"، لافتاً إلى أن التبادل التجاري بين البلدين "لا يزال في حدوده الدنيا إذا استثنينا حركة الترانزيت". وأضاف تركاوي أن "الأردن يعمل على أي خطوة تحقق مصالحه مع الجانب السوري، ولكن نحن نتحدث عن بلدين بإمكانات محدودة".
وفي السياق ذاته، أوضح الباحث الاقتصادي سمير الطويل، أن "العلاقات الاقتصادية بين النظام السوري والأردن لم تتوقف خلال سنوات الثورة السورية، على الرغم من تراجعها بعض الشيء خلال السنوات الأولى من الثورة السورية"، مضيفاً في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الأردن "يعتمد إلى حد بعيد على المياه والزراعة السورية، إضافة إلى تجارة الترانزيت".
وأشار الطويل إلى أنه "خلال العامين الأخيرين، شهد الجانبان اجتماعات بين غرف التجارة والصناعة في كلا البلدين، وخصوصاً بعدما ظهر على السطح مشروع خط الغاز العربي". وبيّن أنه "على الرغم من هشاشة الاقتصاد السوري وتوقف الصناعة في سورية نتيجة الحرب التي شنّها النظام على عموم السوريين، نرى أن حجم التبادل التجاري السنوي بين سورية والأردن يتراوح بين 100 و150 مليون دولار، في حين أن حجم التبادل مع إيران، وهي الحليفة للنظام، لا يتجاوز 70 مليون دولار سنوياً".
واعتبر الباحث الاقتصادي أن النظام السوري "يريد إزالة العوائق بينه وبين الأردن، لأنه مستفيد من عودة العلاقة الاقتصادية على كل الصعد وخصوصاً على صعيد الكهرباء والغاز"، مشدداً على أن "الأردن هو المتنفس الرئيسي للنظام بعد فقدانه المعابر مع تركيا، والى حد بعيد مع العراق".
تحركات عربية باتجاه النظام السوري
وكان العام الحالي قد شهد تقارباً كبيراً بين الحكومة الأردنية والنظام السوري المعزول عربياً ودولياً منذ بداية عام 2012، بعد رفضه التجاوب مع مبادرات عديدة عربية وغير عربية لتطويق ما كان يجري في البلاد، إثر اندلاع الثورة السورية، والذي اتسع نطاقه بعد ذلك، حيث شنّ النظام حرب إبادة على السوريين. وكان الأردن قدم أواخر سبتمبر/أيلول الماضي ما سمّي بـ"اللاورقة" إلى الدول المعنية في الملف السوري، بما في ذلك روسيا والولايات المتحدة، تضمنت العديد من المقترحات لإيجاد حل سياسي للأزمة السورية بعدما بات "تغيير النظام هدفاً غير فعال". وقدّمت "اللاورقة"، نهجاً جديداً للحل في سورية، يستهدف "تغيير سلوك النظام تدريجياً مقابل الحوافز التي سيتم تحديدها بعناية لإفادة الشعب السوري وتمكين بيئة مواتية للعودة الطوعية للنازحين واللاجئين".
وتناول رئيس النظام السوري بشار الأسد في اتصال هاتفي مع العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، مطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي، العلاقات بين الجانبين، وهو ما عُدّ خطوة متقدمة باتجاه التطبيع بين النظام والأردن. وكان الجانبان أعلنا في سبتمبر الاتفاق على نقل الغاز المصري إلى لبنان عبر "الخط العربي" الذي يعبر الأردن وسورية، حيث يسعى النظام إلى انتشال اقتصاده من أزمات أوصلته إلى حدود الشلل التام.
تركاوي: التبادل التجاري بين البلدين لا يزال في حدوده الدنيا إذا استثنينا حركة الترانزيت
وتأتي إعادة افتتاح المنطقة الحرّة السورية – الأردنية المشتركة، في خضم جهود تبذل من دول عربية عدة، لدعوة النظام السوري إلى القمة العربية في الربع الأول من العام المقبل، والمرتقبة في العاصمة الجزائرية الجزائر. وأكد وزير الخارجية والمغتربين في حكومة النظام، فيصل المقداد، في تصريحات تلفزيونية له أول من أمس الثلاثاء، أن "هناك تحركات عربية باتجاه النظام"، مضيفاً أن "هناك تصريحات عدة تصدر من خارج دمشق، تطلب العودة إلى الجامعة العربية".
ولم يتلق النظام السوري حتى اللحظة دعوة معلنة ورسمية من الجامعة العربية لحضور أعمال القمة العربية المقبلة، بسبب رفض دول عربية عدة إعادة النظام السوري إلى "البيت العربي" قبل أن يخطو خطوات جدية في طريق العملية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة. كما أن النظام لا يعمل على فكّ العلاقة الاستراتيجية التي تربطه مع الجانب الإيراني، وهو من جملة الشروط التي تضعها دول عربية مثل السعودية قبل اتخاذ خطوات تطبيعية معه، بل على العكس يعزز علاقاته الاقتصادية مع إيران.
وفي هذا الإطار، يزور العاصمة السورية حالياً وفد اقتصادي إيراني يرأسه وزير الصناعة والمناجم والتجارة رضا فاطمي آمين، والذي حضر أول من أمس، اجتماعات ما يسمّى بـ"الملتقى الاستثماري التأسيسي السوري - الإيراني" الذي عقد في دمشق. وافتتح الوزير الإيراني الثلاثاء المركز التجاري الإيراني في المنطقة الحرة بالعاصمة دمشق، لـ"تقوية العلاقات الاقتصادية، وزيادة التبادل التجاري بين البلدين"، وفق رضا آمين.