فيما تتوغل روسيا في غزوها لأوكرانيا، وسط توجه أنظار العالم إلى هذه الحرب الدائرة في شرقي أوروبا، تظهر سورية وكأنها ورقة ضغط حاضرة دوماً لاستغلالها روسياً على طاولة المساومات الدولية، وفقاً لتغير الظروف الدولية الراهنة.
وعادت موسكو للتلويح بمزيد من الدعم لنظام بشار الأسد، وذلك باستخدام ورقة إعادة تعويمه، إقليمياً على الأقل، وإعادته للحظيرة العربية من بوابة الترحيب بتطبيع العلاقات معه من قبل دول عربية، ودعم عودته إلى الجامعة العربية باستعادة النظام مقعد سورية في الجامعة. ويظلّ هذا المقعد فارغاً منذ 10 أعوام، تخللها حضور غير رسمي للمعارضة في إحدى القمم العربية عام 2012.
تعويم النظام هدف روسيا قبل حرب أوكرانيا وبعدها
موسكو تدفع لعودة النظام السوري إلى الجامعة العربية
وقال مساعد وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، لقناة "روسيا اليوم"، أول من أمس الخميس، إن بلاده مرتاحة للزيارة الأولى للأسد إلى الإمارات (التي جرت يوم الجمعة من الأسبوع الماضي) كأول زيارة له إلى دولة عربية منذ 10 أعوام. ووصف بوغدانوف الزيارة بأنها تعتبر "خرقاً سياسياً ونفسياً" في العلاقات بين سورية ودولة عربية "مهمة للغاية".
وجدّد بوغدانوف وقوف موسكو مع عودة سورية كدولة مؤسسة لجامعة الدول العربية إلى العمل النشط في إطار هذه الجامعة والعودة إلى الأسرة العربية، بحسبه، مشيراً إلى أن الأمر مفيد بشكل عام بالنسبة لجميع دول هذه المنطقة، ويسهم بتوفير استقرار أكبر لها. وأعاد بوغدانوف الترويج لانتهاء الحرب في سورية، بأن النظام في دمشق تمكن من إنهاء الحرب التي وصفها بأنها "أهلية"، والقضاء على الإرهاب، وما بقي من جيوب لمح إلى التعامل معها مستقبلاً.
يأتي ذلك على وقع تعقّد الخيوط في الملف السوري، فلا مسارات الحل السياسي على اختلافها، أفرزت نتائج أو معطيات حقيقة لجهة الحل، ولا الظروف الدولية هيأت مناخاً جدياً لجهة عزل النظام بشكل حقيقي وكامل يجبره على الانصياع للقرارات الدولية المتعلقة بسورية.
واشنطن ترفض التطبيع مع النظام السوري
وجدّد السفير ريتشارد ميلز، نائب المندوب الأميركي لدى الأمم المتحدة، أول من أمس، خلال إحاطة في جلسة لمجلس الأمن حول سورية، رفض بلاده للتطبيع مع النظام السوري، منتقداً الدول التي لجأت للتطبيع.
وقال ميلز: "اسمحوا لي أن أكون واضحاً بالقول إن الولايات المتحدة لن تُطّبع العلاقات مع نظام الأسد، ونحث الدول التي تفكر في المشاركة معه أو التي تشارك معه بالفعل على تقييم الفظائع المروعة التي ارتكبها الأسد بحق السوريين على مدار العقد الماضي والتفكير في جهود النظام المستمرة لحرمان جزء كبير من البلاد من الوصول إلى المساعدات الإنسانية والأمن". كما انتقد نائب المندوب الأميركي لدى الأمم المتحدة، دعم روسيا للنظام بتلفيق الادعاءات ومساعدتها للنظام بارتكاب الجرائم ضد المدنيين.
كما جاءت القمة التي جمعت الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد ورئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينت، قبل أيام، لتشي ببوادر لفتح خط التطبيع بين النظام وإسرائيل، الأمر الذي سارع نائب وزير خارجية النظام، بشار الجعفري، لنفيه.
ورأى الباحث والخبير في الشأن الروسي، محمود الحمزة، أن من الوهم عودة النظام إلى الحاضنة العربية، على الرغم من الجهود الدبلوماسية الكبيرة التي تبذلها موسكو في هذا الجانب.
محمود الحمزة: من الوهم عودة النظام إلى الحاضنة العربية
وأشار الحمزة، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "الروس يلجؤون اليوم لاستخدام سورية كورقة ابتزاز في ظلّ الحرب على أوكرانيا". وقال إنه لا يراهن على الموقف الغربي تجاه سورية، معرباً عن اعتقاده بأن روسيا قلّصت وستقلص حضورها في سورية، ربما اقتصادياً أو عسكرياً بعض الشيء، لكنها ستبقي على حضورها في الملف السياسي، لاستخدامه كورقة ضغط دولية، وهي تفعل ذلك أساساً.
من جهته، أشار الباحث والحقوقي السوري، رضوان زيادة، إلى أنه "ليس هناك تغير في الموقف الروسي تجاه سورية قبل الحرب على أوكرانيا أو بعدها". وحول مساعي النظام لإعادته للجامعة العربية، أعرب زيادة في حديث لـ"العربي الجديد"، عن أسفه لأن "الاختراق الوحيد الذي حصل عربياً كان مع الإمارات، التي تمر بتوتر في علاقتها مع الولايات المتحدة، ولذلك تحاول استخدام الورقة السورية أيضاً كي تظهر أنها لاعب إقليمي مستقل بغض النظر عن الموقف الأميركي".
ورأى زيادة أن "الحرب الأوكرانية قد تعيد الولايات المتحدة إلى الاهتمام بالشرق الأوسط ووضع حل للقضية السورية، لكن علينا أن ننتظر ونرى كيف ستخرج روسيا من أوكرانيا، مهزومة، أم منتصرة".