بعد نحو عامين على صدور قرار برلماني عراقي بحل مفوضية حقوق الإنسان، التي تُعد هيئة رقابية مختصة بمتابعة الانتهاكات في البلاد، كشف العضو السابق في المفوضية علي البياتي، عن وجود اتفاق سياسي لتعطيل دورها بهدف إخفاء الانتهاكات في البلاد.
وتُعد المفوضية إحدى الهيئات المستقلة التي تأسست في عام 2008، وترتبط عملياً بالبرلمان، مثل الهيئات المستقلة الأخرى كهيئة الإعلام والاتصالات ومفوضية الانتخابات وهيئة النزاهة.
ومهمة المفوضية تكمن في رصد الانتهاكات الحقوقية في البلاد، وتلقي الشكاوى والتحقيق فيها، ورفع الدعاوى القضائية ضد المتورطين بجرائم العنف المختلفة، ومراقبة عمل السجون ومراكز الإصلاح، وأداء عمل المؤسسات الأمنية والعسكرية في الجانب الحقوقي.
وبرز دور المفوضية خلال فترة التظاهرات الشعبية عام 2019 وما بعدها، فقد كان لها دور في متابعة الانتهاكات التي رافقت التظاهرات كجهة رقابية. كما سجلت إحصاءات يومية بالانتهاكات وأعداد القتلى والجرحى، وتابعت عمليات ملاحقة الناشطين والاغتيالات التي نشطت خلال تلك الفترة، إلا أنها تعرضت لضغوط سياسية لتحجيم دورها.
أهداف تعطيل مفوضية حقوق الإنسان العراقية
واتخذت لجنة برلمانية، شكّلها النائب الأول لرئيس البرلمان المنحل، القيادي الصدري حسن الكعبي، في أغسطس/ آب 2021، قراراً بحل مجلس المفوضين في المفوضية. واستند هذا القرار إلى أن مدة عضوية المجلس قد انتهت قانونياً، على أن تدار من قبل لجنة برلمانية، محذراً أعضاء المفوضية من ممارسة أي مهام.
من جهته، أبدى العضو السابق في المفوضية، علي البياتي، في تصريح صحافي، استغرابه من "بقاء العراق بدون مفوضية لحقوق الإنسان، خصوصاً أن البلد يشهد انتهاكات كثيرة وكبيرة". كما دعا رئيسي الوزراء محمد شياع السوداني والبرلمان محمد الحلبوسي إلى "توضيح أسباب ذلك، خصوصاً أنه من المعيب بقاء العراق من دون مفوضية".
البياتي: تعطيل المفوضية أمر متعمد من قبل جهات وشخصيات سياسية متنفذة
وأشار إلى أن "المفوضية في العراق مستقلة كالقضاء، ولها تواصل دولي وفق القانون الدولي والقانون العراقي، لإيصال الانتهاكات بعيداً عن الجهات الحكومية سواء وزارة الخارجية أو غيرها". ولفت إلى أن المفوضية "عملت طيلة الفترة الماضية بشكل كبير ووثقت الكثير من الانتهاكات، كما عملت على متابعة رفض دعاوى ضد المنتهكين وهذا شمل شخصيات بارزة، منها شخصيات وزارية وسياسية".
وأكد البياتي أن "تعطيل المفوضية أمر متعمد من قبل جهات وشخصيات سياسية متنفذة، والهدف من ذلك إخفاء الانتهاكات التي تحصل في البلاد". وشدد على أن "هذا التعطيل يمنع توثيق الانتهاكات، كما يمنع وصولها إلى المجتمع الدولي"، منتقداً "الصمت إزاء قضية تعطيل المفوضية، وهو ما يؤشر إلى وجود اتفاق سياسي عليه".
غياب المفوضية يزيد مشاكل حقوق الإنسان
بدوره، حذر رئيس لجنة حقوق الإنسان في البرلمان العراقي، النائب أرشد الصالحي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، من خطورة استمرار تغييب المفوضية عن العمل.
وأشار إلى أن "هناك حاجة فعلية لإعادة عمل المفوضية، خصوصاً أن غيابها يمثل فراغاً في مراقبة وتغطية القضايا الإنسانية، كما أنه يُعد فراغاً قانونياً". ولفت إلى أن "هناك تراجعاً في الاهتمام بالكثير من الملفات الحقوقية، وهذا لا يعني غياب دور المنظمات، لكن للمفوضية أدواراً مهمة فُقدت بسبب تعطيل عملها".
الصالحي: هناك حاجة فعلية لإعادة عمل المفوضية
ودعا الصالحي مجلس النواب إلى "فتح هذا الملف من جديد، والبدء برسم الخطط لتشكيل مفوضية جديدة". وأكد أن "جميع المؤسسات الكبيرة في البلاد، وتحديداً رئاسة الحكومة والبرلمان، مسؤولة عن وضع حد لهذا التعطيل غير المبرر، الذي لا يخدم أحداً، بل إنه يسهم بمزيد من المشاكل في ملف حقوق الإنسان".
من جهته، قال الناشط في التظاهرات العراقية، باسم العوادي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "حل المفوضية وتعطيل عملها هو قرار سياسي بامتياز، ويؤشر إلى سلطة الأحزاب السياسية على الجهات الرقابية". كما أوضح أنه "لا يمكن البقاء من دون المفوضية التي رصدت وأحصت انتهاكات كبيرة جرت في البلاد".
وشدد العوادي على الحاجة الماسة لوجودها، "كما أن التظاهرات الأخيرة التي جرت في الناصرية (في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي) وما شهدته من سقوط قتلى وجرحى، يؤشر إلى الحاجة للمفوضية ومتابعتها لهذا الملف". وأكد أن "الحكومات العراقية المتتابعة لا تريد عودة المفوضية، لأنها تريد أن تعمل من دون رقابة". وحذر من "استمرار تغييب المفوضية وإنهاء دورها الرقابي".