تكشف مصادر دبلوماسية مصرية وعربية بالقاهرة كواليس المشاورات الجارية بشأن الأوضاع في السودان ومبادرة حل الأزمة السياسية هناك بين العسكر وقوى المعارضة.
وبحسب هذه المصادر، فإن الأيام الماضية الأخيرة شهدت فشل القاهرة وبعض العواصم الخليجية في إقناع قوى المعارضة، التي تم الاجتماع بها، بالموافقة على بقاء رئيس مجلس السيادة الفريق الركن عبد الفتاح البرهان على رأس قيادة الدولة السودانية، في إطار مجموعة من السيناريوهات المقترحة لحلحلة الأزمة.
أكدت المعارضة السودانية على ضرورة عدم وجود منقلب على رأس القيادة السياسية للبلاد
وتوضح المصادر، في أحاديث خاصة مع "العربي الجديد"، "الجهود الكبيرة التي بذلها المسؤولون في مصر أخيراً، للحفاظ على امتيازات ونفوذ عسكر السودان في قيادة البلاد، بادعاء وترويج أن هذا يأتي من باب الحفاظ على تماسك القوات المسلحة السودانية، باعتبارها المؤسسة الأكثر قدرة على الحفاظ على عدم انهيار الأوضاع في البلد، الذي يمثل عمقاً لمصر في الجنوب".
وتشير المصادر إلى أن "الفترة الأخيرة شهدت زيارات لمسؤولين في جهاز المخابرات العامة إلى الخرطوم، جرى خلالها عقد لقاءات مع المسؤولين بالأجهزة السودانية المختلفة، بجانب شخصيات بارزة في المعارضة السودانية".
فشل التلاقي بين عسكر السودان والمعارضة
وأكدت المصادر أن "تلك اللقاءات لم تتوصل إلى نقطة تلاق تجمع عسكر السودان والمعارضة المدنية، من الممكن أن يتم من خلالها تمرير شخص البرهان للاستمرار في القيادة خلال مرحلة انتقالية، لحين التوجه إلى انتخابات تسفر عن قيادة منتخبة".
وبحسب المصادر، فإن "المعارضة السودانية أبدت تجاوباً للتوصل لاتفاق يقضي إلى مرحلة انتقالية من الممكن أن يشارك فيها العسكريون. ولكن الأمر الذي واجه رفضاً قاطعاً هو وجود البرهان ضمن العسكريين المشاركين في أي مرحلة انتقالية"، مؤكدة على "ضرورة عدم وجود منقلب على رأس القيادة السياسية للبلاد".
وتؤكد المصادر أن "العقبة الأكبر في سبيل تعويم البرهان سياسياً هي الحراك الشعبي في الشارع السوداني، ووعيه بالخطة المصرية، ورفضه الشديد لها"، وتضيف أن "صمود الشارع السوداني هو الضمان الوحيد للديمقراطية في السودان".
وتقول المصادر إن هناك "أصواتاً داخل النظام المصري، وتحديداً في وزارة الخارجية وهيئة الأمن القومي (تتبع للمخابرات)، ترى ضرورة في انفتاح النظام المصري على سيناريوهات أخرى، غير الإبقاء على الحكم العسكري في السودان بقيادة البرهان، تتمثل في عدم انفراد السلطة المطلق في السودان بالسياسات العامة بسلطة الأمر الواقع".
الانفراد بالسلطة يؤثر على استقرار السودان
ويرى أصحاب هذا الاتجاه أن هذا الأمر "يؤثر سلباً على استقرار السودان وأمنه ووحدة مكوناته الاجتماعية والعرقية، وهو ما سيؤثر على استقرار الأمن القومي المصري، نظراً لأن المكونات الاجتماعية للسودان تمتد شمالًا باتجاه مصر، ولذلك فإن استقرار مصر من استقرار السودان".
وتضيف المصادر أن "أصحاب هذه الرؤية، وعلى الرغم من دعمهم لفكرة الانفتاح على سيناريوهات بديلة للوضع الراهن في السودان، إلا أن هذه السيناريوهات لا تلغي الوجود العسكري، لكنها تدعو إلى الحفاظ على مؤسسة القوات المسلحة كعمود فقري للدولة، في سياق مدني ديمقراطي يؤسس لبيئة انتخابية عادلة أمام جميع المكونات السياسية".
وتؤكد المصادر أنه "على الرغم من عقلانية هذا الطرح، إلا أن النظام المصري يرجح كفة الداعين للتمسك بالحكم العسكري في السودان، وعلى رأسه البرهان، حيث يعتبر ذلك ضمانة لاستقراره".
تتمتع التحركات الإماراتية والسعودية والمصرية على صعيد الأزمة السودانية بقدر كبير من التوافق
وتشير إلى "أسباب التمسك المصري ببقاء البرهان على رأس القيادة هناك"، وتقول إن "أي احتمال لغياب الحكم العسكري في السودان، هو سيناريو مقلق للغاية بالنسبة إلى النظام المصري، الذي يتمتع بعلاقات قوية مع عسكر السودان، تصل إلى حد التنسيق الاستخباراتي عالي المستوى. وهو الأمر الذي يجعل النظام المصري مطمئناً في ما يتعلق بعدم تحول السودان إلى ملاذ للمعارضين المصريين، كما كان يحدث في السابق".
وتتحدث المصادر عن "العديد من الشواهد التي تؤكد مدى التعاون الأمني والاستخباراتي بين النظامين العسكريين في مصر والسودان. آخرها العملية المنسقة التي أدت إلى إلقاء القبض على المعارض المصري حسام سلام، بعد هبوط اضطراري لطائرة كانت تقله من الخرطوم إلى إسطنبول، حيث ألقي القبض عليه في مطار الأقصر" في يناير/ كانون الثاني الماضي.
مخاوف مصرية - سعودية من صعود القوى المدنية السودانية
وتشرح المصادر أنه "من وجهة نظر النظام المصري أيضاً، فإن صعود أي قوة مدنية إلى السلطة في السودان، سوف يفتح الباب أمام احتمالات قد تهدد استقرار نظام الحكم في مصر".
وترجح المصادر أن "هناك مخاوف مصرية من أي قيادة جديدة تتبنى أراء مغايرة لما تم التوافق عليه بين القاهرة والخرطوم بشأن أزمة سد النهضة".
وتلفت إلى أن "الشاغل المصري الآخر هو أن القاهرة ربما تجد نفسها مطالبة بالبدء من نقطة الصفر مع السودان بشأن صياغة موقف موحد تجاه الأزمة"، وتشير إلى أنه "عندما كان رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك (استقال في يناير/ كانون الثاني الماضي)، يمارس صلاحياته بقوة في الحكومة، قبل انقلاب البرهان، كان دائماً ما يظهر تباين في المواقف بين القاهرة والخرطوم في ما يتعلق بالتعاطي مع قضية سد النهضة الإثيوبي".
يأتي ذلك في الوقت الذي قالت فيه مصادر عربية في القاهرة إن "التحركات الإماراتية والسعودية على صعيد الأزمة السودانية إلى جانب مصر، تتمتع بقدر كبير من التوافق".
وتلفت إلى أنها "جميعاً تتلاقى على أهمية الحفاظ على القيادة في أيدي المؤسسة العسكرية في السودان"، وتشدد على أن "أبرز المخاوف السعودية، تتمثل في وصول قيادة مدنية تعيد صياغة المواقف الخاصة بدور الخرطوم في قضايا المنطقة، وتأتي على رأس ذلك مشاركة نحو 30 ألف مقاتل سوداني في الحرب على اليمن، وتأمين الحدود السعودية، بحسب تقديرات رسمية".
هناك تبن إسرائيلي لرؤية الثلاثي العربي بشأن العسكر في السودان
يذكر أنه في نهاية العام 2019، تحدث رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك عن القوات السودانية المشاركة في الحرب على اليمن، تحت القيادة السعودية، عقب عودته من العاصمة الأميركية واشنطن، مؤكداً أن الأعداد تقلصت، ملمحاً إلى إمكانية تخفيض الأعداد تدريجياً.
وتوضح المصادر أن "الدور الذي يلعبه الثلاثي العربي، مصر والسعودية والإمارات، من أجل دعم عسكر السودان، يعد قوة الدفع التي تعتمد عليها المؤسسة العسكرية هناك في مواجهة الضغوط الغربية والأميركية"، وتكشف في الوقت ذاته عن "تنسيق إماراتي إسرائيلي بشأن ملف الأزمة السودانية في ظل تطور العلاقات بين البلدين".
وبحسب المصادر، فإن "هناك دفعاً إماراتياً لدى الحكومة الإسرائيلية بأن العسكريين السودانيين هم القادرون على تمرير قرار التطبيع بين تل أبيب والخرطوم"، وتشدد في هذا السياق على أن هناك "تبنياً إسرائيلياً لرؤية الثلاثي العربي بشأن العسكر في السودان".
وكان ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد قد استقبل نائب رئيس مجلس السيادة السوداني محمد حمدان دقلو، المعروف بـ"حميدتي"، في أبوظبي، الثلاثاء الماضي، لبحث الأوضاع في السودان. وأكدت تقارير رسمية صادرة عن أبوظبي أن بن زايد "شدد على استمرار دعم بلاده للخرطوم على كافة المستويات".