تستعد شوارع السودان، اليوم الأربعاء، لاستقبال المتظاهرين من جديد، تحت شعار "إسقاط الحكومة"، بشقيها العسكري والمدني، ورفضاً للشراكة بينهما، واحتجاجاً على الفشل الحكومي المتعدد في إدارة الدولة.
وللمرة الأولى في تاريخ العلاقة بين اليمين، ممثلاً في حزب المؤتمر الوطني المحظور، واليسار، ممثلاً في الحزب الشيوعي، يحدث توافق غير مكتوب على هدف واحد، هو إسقاط الحكومة. وقد نشطا كثيراً في الحملات الإعلامية، وعلى وسائط التواصل الاجتماعي، لحث السودانيين على الخروج في تظاهرات 30 يونيو/حزيران الحالي. وللمفارقة، فإن هذا اليوم يصادف ذكرى انقلاب نظام الرئيس المعزول عمر البشير على الحكومة المدنية واستلامه السلطة، وفي الوقت ذاته الذكرى الثانية لمليونية 30 يونيو 2019، وهو اليوم الذي استعادت فيه الثورة السودانية زمام المبادرة، وأرغمت المجلس العسكري الانتقالي، بقيادة عبد الفتاح البرهان، على القبول بمدنية الحكم بعد سقوط البشير، ما قاد إلى تشكيل الحكومة الحالية، برئاسة عبد الله حمدوك.
يخطط "الوطني" لتسليم مذكرة لقادة الجيش لتولي السلطة
وتبنى "المؤتمر الوطني"، في إطار تحضيراته لهذا اليوم، حملة تواقيع على الإنترنت، أشبه بحملة "تمرد" المصرية في العام 2013 ضد نظام الرئيس الراحل محمد مرسي. وأطلق "الوطني" عليها اسم "إختونا" وتعني "غادرونا"، وتدعو إلى استقالة الحكومة. وقد وصل عدد التواقيع حتى أمس الأول الإثنين، إلى أكثر من مليون. كما لم تتردد عناصر الحزب، رغم قرار الحظر الصادر ضده في ديسمبر/كانون الأول 2019، في إصدار البيانات وتوزيعها وتبني فكرة الإسقاط الكامل للحكومة. وحسب معلومات تحصلت عليها "العربي الجديد" فإن الحزب سعى حثيثاً لحشد أعضائه، حتى من خارج العاصمة، وتوفير الإمكانات لهم للمشاركة في الموكب في الخرطوم، وهو يخطط للوصول إلى ساحة الاعتصام بالقرب من القيادة العامة للقوات المسلحة، لتسليم مذكرة لقادة الجيش لتولي السلطة لفترة انتقالية لعام واحد تعقبها انتخابات مبكرة.
أما "الشيوعي"، فهو كان لوقت قريب جزءا من تحالف "قوى الحرية والتغيير"، وانسحب منه أخيراً احتجاجاً على أكثر من تصرف من جانب الحكومة، منها السياسات الاقتصادية التي يقول إنها أنهكت المواطن، ورفضاً كذلك لما عدّه هيمنة من جانب المكون العسكري في السلطة الانتقالية على المدني. كما ينتقد الحزب التدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية. وقد ظهرت تلك المواقف في أكثر من بيان صادر عنه، آخرها بيان اتهم فيه سفراء دول، لم يسمهم، بالتدخل حتى في العلاقة بين القبائل. كما انتقد انتهاك السيادة الوطنية من دول "الترويكا"، الولايات المتحدة وكندا والنرويج، ومعهم بعثة الأمم المتحدة (يونيتامس).
كما أعلن الحزب الشيوعي تمسكه برفض المحاصصات في تعيين النائب العام ورئيس القضاء، والإصرار على المعايير التي تضمن استقلالية الأجهزة العدلية، والفصل بين السلطات لتعزيز مفهوم الديمقراطية في السودان، والقيام بإصلاحات جذرية في المؤسسات العدلية، والعمل من أجل عودة المفصولين. ولا يمكن وضع مطالب الحزب الشيوعي في إطار الدعوة الصريحة لإسقاط النظام، إذ يركز أكثر على أهمية تحقيق العدالة والقصاص لقتلى الثورة السودانية، وإكمال هياكل السلطة الانتقالية، وإنهاء ما يسميه شراكة الدم بين المكونين العسكري والمدني.
طرف ثالث هو الأقرب لتوجهات "الشيوعي"، هو تجمع المهنيين السودانيين، الذي دعا أيضاً السودانيين للخروج إلى الشوارع اليوم، وقد شارك في اجتماعات صممت لهذا الهدف. أما الطرف الرابع والأهم فهو "لجان المقاومة السودانية" التي تشكلت منذ أيام الحراك الثوري في الأحياء لحشد الدعم للثورة، وظلت في العامين الماضيين تواصل دعواتها للخروج. لكن تلك اللجان أصيبت بخيبة أمل كبيرة في 3 يونيو، حين دعت إلى مواكب لإحياء ذكرى فض اعتصام محيط قيادة الجيش، وأقدمت على إغلاق الشوارع، وتشييد المتاريس، لكنها فقدت السيطرة عليها بعد ذلك، وبالتالي وقعت عمليات سلب ونهب وتكسير للسيارات وتخريب المحال التجارية، ما أفقد البعض الحماسة للاستجابة لدعوة اليوم.
النساء السودانيات اللائي كن ركناً أساسياً في الثورة السودانية، ضد النظام السابق، عقدت ممثلات عن كيانات منهن، مثل "مبادرة لا لقهر النساء"، و"نساء الأحزاب"، و"نساء حركات الكفاح المسلح"، و"حملة حقنا كامل"، و"الاتحاد النسائي السوداني"، و"ملتقى نساء دارفور"، اجتماعاً، تم خلاله دعم التظاهر اليوم، رفضاً للسياسات الاقتصادية التي تنتقص من الحقوق، ومن شأنها إدخال السودان في أزمات جديدة. واختار الاجتماع شعاراً لليوم هو "سودانية ضد التبعية"، ليعبر عن الرؤية المشتركة والحراك الجماهيري الداعي لاستكمال أهداف الثورة، والحفاظ على مناسباتها، وإرساء السلمية كوسيلة مجربة وناجحة لتفعيل الجهد الثوري المتواصل.
محمد داؤود: مطالب إسقاط الحكومة الآن أمر بعيد المنال
وفي حين لم يصدر عن الحكومة السودانية أي موقف بشأن الدعوات للتظاهر اليوم، فإنه من المؤكد قيام الجيش السوداني بإغلاق محيط قيادته العامة والطرق المؤدية اليها، كما يفعل كل مرة تكون هناك دعوة للاحتجاج. أما لجنة إزالة تمكين نظام الثلاثين من يونيو، وهي لجنة حكومية معنية بتفكيك نظام البشير، فقد استبقت الدعوات للتظاهر بحملة اعتقالات نفذتها النيابة العامة ضد مجموعة من عناصر النظام السابق، بتهمة التخطيط لخلق الفوضى وعدم الاستقرار، واستغلال المواكب السلمية بغرض تقويض النظام الدستوري. ومن أبرز الموقوفين اللواء أمن المتقاعد محمد حامد تبيدي، والناشطَين المحسوبَين على حزب "المؤتمر"، النعمان عبد الحليم، ومهند الشيخ.
حمدوك، الذي زادت وتيرة معدلات بياناته المباشرة للشعب السوداني خلال الأيام الماضية، كان طرح مبادرة شخصية لتجاوز حالة الانقسام بين السودانيين عامة، وداخل قوى الثورة بصورة خاصة، ولضمان نجاح الفترة الانتقالية، ومواصلة الإصلاحات الاقتصادية، ومثلها في القطاع الأمني والعسكري، وتوحيد مراكز القرار الحكومي، تحديداً في السياسة الخارجية، وإنجاز ما تبقى من اتفاقيات سلام. وبحسب مراقبين فإن تلك البيانات، وما جاء فيها من تشخيص للأزمة، واختراع للحلول، خففت إلى حد ما من الغضب الشعبي والاحتقان السياسي، وهو نفس الشيء الذي فعله الحُكم بإعدام أحد عناصر النظام السابق، في واحد من ملفات قتلى الثورة.
لا يمكن ترجيح أي سيناريو يمكن أن يحدث اليوم الأربعاء، إذ إنه وعلى الرغم من تعدد الدعوات والجهات التي تتبنى التظاهرات، فإن كل التقديرات تشير إلى أن الأهداف المعلنة تختلف جوهرياً عن الحقيقية. وعلى سبيل المثال، فإن "المؤتمر الوطني" يريد فقط من دعوته إثبات الوجود وتأكيد ثقله الشعبي، وإضعاف الحكومة وبقية الخصوم، وذلك حتى لا يتعرض، على الأقل، للمزيد من الضربات، خاصة تلك المتعلقة بتوقيف قيادته ومصادرة ممتلكاتهم. أما "الشيوعي" وواجهاته الشعبية، فهو يعمد منذ فترة لزيادة الضغوط على الحكومة لكسب المزيد من النقاط السياسية، وإظهار نفسه كصقر من صقور الثورة السودانية مقابل تنظيمات ثورية يرى أنها تقدم تنازلات مجانية للعسكر وللقوى الخارجية المختلف معها أيديولوجياً، بينما تسعى التنظيمات المدنية للتركيز على نقدها للجوانب الاقتصادية دون الحديث عن إسقاط النظام.
شيء واحد ربما يثير القلق، هو كيفية التعامل الأمني مع التظاهرات. فبخلاف الإجراءات العادية التي يتخذها الجيش السوداني، عبر إغلاق الطرق المؤدية إلى محيط قيادته العامة، فإن إمكانية حدوث تفلت أمني خلال التظاهرات، أو اشتباكات بين مناصري النظام السابق والآخرين ليست بعيدة. وما يضاعف من المخاطر الأمنية، ما أشيع عن إضراب الشرطة عن العمل، في ذات اليوم، ما يوسع الفجوة الأمنية.
وفند القيادي في تحالف "الحرية والتغيير" جمال إدريس الكنين، أي فرضية لتغيير دراماتيكي بإسقاط الحكومة حسب ما يطالب به منظمو التظاهرات. وبين، لـ"العربي الجديد"، أن شروط إسقاط النظام عديدة، لكن لم يتحقق منها حتى الآن سوى التردي الاقتصادي الذي يحتاج إلى جراحات عاجلة. واعتبر أن خروج معظم من سيخرجون في المواكب اليوم يأتي في إطار الحق الطبيعي في حرية التعبير والتجمع السلمي، وهو أمر مطلوب ومرغوب لتصحيح مسار الثورة. لكنه حذر من "عناصر النظام البائد، التي تهدف إلى القيام بأعمال تخريب وفوضى، ومن المندسين الذين يدخلون في مثل تلك المواكب بهدف جرها إلى ما لا تحمد عقباه". ودعا "الجميع إلى الالتزام بالطابع السلمي للحراك الثوري الذي عرف به منذ ديسمبر 2018".
وخلافاً لذلك، رأى الناشط السياسي المعارض محمد داؤود، في حديث مع "العربي الجديد" أن "خطوة الثلاثين من يونيو ستعقبها خطوات في إطار استعادة البلاد لنهج الاعتدال السياسي، وتحقيق وفاق وطني لا يستثني أحداً". ونوه إلى أن "الحديث عن مطالب لإسقاط الحكومة بالكامل الآن أمر بعيد المنال، وفقاً للكثير من المعطيات"، مشيراً إلى أن "الكثير ممن أبدوا رغبة في المشاركة في المواكب غير مسيسين، وهم فقط أصابهم اليأس من فشل الحكومة في إدارة الملفات الأمنية والاقتصادية والعلاقات الخارجية".
وبرأي داؤود فإنّ طريقة تعاطي الحكومة مع دعوات التظاهر مثل ما كان يتعاطى النظام السابق، ستؤدي بها إلى مصير مشابه، مستنكراً حملة الاعتقالات التي شنتها لجنة إزالة تمكين نظام الثلاثين من يونيو ضد عدد من الأشخاص. واعتبر أن "تلك الطريقة توضح مدى التخوف والتوجس، وهوما لم يحدث في المواكب السابقة". وعبر عن خشيته من وقوع صدامات بين المواكب ذات التوجهات السياسية المتباينة، أو حال إقدام السلطات على التصدي للتظاهرات بالعنف"، معتبراً أن "من الواجب على السلطات السماح للجميع بممارسة حقهم في التعبير السلمي وحماية المواكب بدلاً من مطاردتهم".