لم يشهد العراق منذ عام 2011 احتجاجاً شعبياً منظماً وله قيادة واضحة كما يجري حالياً في ساحات التحرير والنسور وسط العاصمة بغداد، إلى جانب ساحات وميادين جنوبي البلاد، أبرزها البصرة والناصرية، وهو ما أكده عدد من قادة الأحزاب السياسية الجديدة، والحراك الاجتماعي، وأعضاء المنظمات المحلية والفعاليات الأخرى المشاركة في احتجاجات إحياء الذكرى الثالثة لتظاهرات "تشرين" التي اندلعت في أكتوبر/ تشرين الأول 2019.
وخرج آلاف العراقيين، اليوم السبت، في ساحتي النسور بجانب الكرخ، والتحرير بجانب الرصافة، عبر دفعات موحدة ونظامية، رغم الإجراءات الأمنية المشددة والقطوعات التي شملت الكثير من الطرق والجسور المؤدية إلى ساحة التحرير وإلى المنطقة الخضراء، فضلاً عن تضييق كبير عند مداخل بغداد. وتقود الاحتجاجات الحركات التي انطلقت عقب انتهاء تظاهرات عام 2019، بينها تحالف "قوى التغيير" الذي يشمل معظم القوى السياسية المدنية الجديدة، إضافة إلى الحزب الشيوعي العراقي.
وقاد ناشطون بارزون في الحراك المدني التظاهرات اليوم، واختاروا الشعارات المرفوعة واللافتات التي عبرت عن مطالب الشارع العراقي، وكان أبرزها تأكيد القدرة على العودة إلى الشوارع مرة أخرى، وبزخم أكبر.
وعلى الرغم من رفع المحتجين شعار "السلمية"، إلا أن قوات الأمن أصابت نحو 15 متظاهراً بجروح بسبب استخدام الرصاص المطاطي وقنابل الدخان المسيل للدموع، وتم نقل المصابين إلى المستشفيات القريبة من الساحات. وتُعدّ هذه الإصابات قليلة بالمقارنة مع ما كان يحدث في الاحتجاجات السابقة، والسبب هو "التنظيم"، وفقاً لعضو الحزب الشيوعي العراقي أيهم رشاد.
وقال رشاد لـ"العربي الجديد"، إنّ "التظاهرات الشعبية العفوية، وبرغم حسناتها الكثيرة والإرباك الذي تسببت به للقوى الحزبية والمسلحة المتنفذة طوال السنوات الأخيرة، إلا أنها تسببت أيضاً بسقوط مئات الضحايا من المحتجين"، مبيناً أن "احتجاجات استذكار تشرين ستزعج السلطات والأحزاب أكثر من السابق، لأن المحتجين باتوا موحدين ولديهم أهداف واضحة".
من جهته، بيّن عضو حركة "وعي" هاتف سهيل، أنّ "الحركة اختارت الاحتجاج في ساحة التحرير بدلاً من النسور، لما فيها من رمزية عالية، وذلك وفقاً لما قررته قيادة الحركة، وهذا يحدث لأول مرة بعد أن كان المحتجون يختارون الأماكن التي يرونها مناسبة"، معتبراً في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أنّ "التنظيم هو السمة الأبرز حالياً، وذلك بعد عامين من الترتيب في سبيل الوصول إلى مرحلة احتجاج نموذجي يحمي نفسه بنفسه، وينسق مع الجهات الأمنية ويمنع أي احتيال أو ركوب لموجة الجهود الشعبية".
بدورها، أشارت رئيسة الحركة "المدنية الوطنية" شروق العبايجي، إلى أنّ "التنظيم هو ما تمكنّا من النجاح فيه خلال العامين الماضيين، رغم المشاكل الكثيرة التي واجهتنا، لكن في النهاية بات المحتجون ضمن تكتلات منسجمة ومتفقة على أهداف مشتركة، منها إنقاذ العراق من الفصائل المسلحة والحكومات المتسلطة".
وأكملت العبايجي في حديثها مع "العربي الجديد"، أنّ "التنظيم يمثل هاجساً خطيراً بالنسبة للأحزاب المتنفذة، لأنّ تحوّل المحتجين إلى كيانات وتكتلات بشرية لديها أهداف، بات يشكّل خطراً على نتائج الانتخابات، لأنّ المحتجين سيساهمون في التغيير السياسي عبر تحويلهم إلى كتل من الناخبين الموجهين ضد السلاح".
واندلعت التظاهرات العراقية في الأول من أكتوبر 2019، عقب دعوات انطلقت عبر مواقع التواصل الاجتماعي بسبب تردي الخدمات وتفاقم نسبة البطالة، قبل أن تنفجر بشكل واسع في بغداد ومدن جنوبي العراق ووسطه.
وشهدت التظاهرات عمليات عنف غير مسبوقة، ولا سيما بعد دخول جماعات مسلحة، وُصفت بـ"الطرف الثالث"، على خط قتل المحتجين والناشطين وقمعهم واختطافهم. وأدت أعمال العنف إلى مقتل نحو 800 متظاهر، وإصابة أكثر من 27 ألفاً، في وقت لم تُحاسَب فيه أي جهة متورطة في هذه الأعمال.