تضييق الجيش المصري على المجموعات القبلية يربك أوضاع سيناء

28 فبراير 2022
الجيش المصري في مدينة العريش في سيناء (خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -

شهدت محافظة شمال سيناء، شرقي مصر، في الأيام القليلة الماضية، حالة من التدهور الأمني، والارتباك في علاقة عسكريين مصريين بالمجموعات القبلية المساندة له، نتيجة خلاف نشب بين الطرفين لأسباب متعددة وأحداث تراكمت خلال الفترة الأخيرة.

هذا الأمر فتح ثغرة لتنظيم "ولاية سيناء" الموالي لتنظيم "داعش"، لاستئناف نشاطه في المحافظة، ما أدى إلى وقوع خسائر بشرية ومادية في صفوف الجيش والمجموعات القبلية على حد سواء، وسط دعوات إلى إنهاء الخلافات القائمة، خوفاً من استعادة التنظيم نشاطه، بما يعيد الوضع إلى ما كان عليه من سوء قبل سنوات.

وبعد انتهاء مهمة المجموعات القبلية المساندة للجيش، بالسيطرة على غالبية مناطق شمال سيناء خلال الأشهر الماضية، ما سمح بعودة مئات المهجّرين إلى منازلهم، عمدت قوات الجيش إلى التخلي عن هذه المجموعات القبلية، ورفع الغطاء عنها في حال تحركها خارج سيناء.

أسفر هذا الأمر عن اعتقالات في صفوف المجموعات خلال تحركها في محافظات مصرية خارج نطاق سيناء، ليمثل ذلك أحد أهم أسباب حالة الانفكاك القائمة بين الطرفين، في ظل استمرار اعتقال عدد منهم حتى اليوم، ورفض كل التدخلات للإفراج عنهم. دفع ذلك المسؤول العسكري للمجموعات القبلية، الملقب بـ"القائد بدر"، إلى تقديم استقالته لقيادة الجيش، وترك الأمور على الأرض تسير من دون قيادة أو تنسيق مشترك خلال الأيام الماضية.

الارتباك الأمني في سيناء

وقالت مصادر قبلية لـ"العربي الجديد" إن حالة من الارتباك الأمني تسود سيناء، نتيجة تراجع عمل المجموعات القبلية في مساندة قوات الجيش، ما سمح لعناصر من تنظيم "ولاية سيناء" بالتحرك بأريحية في مناطق متعددة جنوب مدن رفح والشيخ زويد والعريش، وإيقاع خسائر بشرية ومادية في صفوف الجيش والمتعاونين معه.

وأضافت أن حالة من القلق تسود في أوساط المواطنين من حدوث حالة انقلاب في المشهد الأمني خلال الفترة المقبلة، في حال عدم نشاط المجموعات القبلية مع الجيش، في ظل أن الأخير لا يستطيع تحقيق إنجازات من دون المتعاونين المحليين، الذين هم على دراية جيدة بأماكن اختباء المسلحين وتعقّب آثارهم خلال التنقل بين القرى والمناطق الجغرافية المختلفة في نطاق المحافظة.


حالة من الارتباك الأمني تسود سيناء، نتيجة تراجع مساندة القبائل للجيش

وأوضحت المصادر أن مواقع التواصل الاجتماعي باتت مسرحاً للتصريحات الصادرة عن المجموعات القبلية ومسؤوليها، ونشطاء بارزين فيها، يتحدثون عن تقصير واضح من قبل قيادة الجيش المصري في حقهم، وتركهم بلا اهتمام أو مساعدة، ما أدى إلى ترك عدد من مسؤوليهم العمل في صفوف المجموعات القبلية، أو متابعة عملهم خلال الفترة المقبلة.

وتابعت: ربما يعتبر ذلك مؤشراً على تفكك هذه المجموعات، وما يتبع ذلك من تأثيرات ملموسة على أرض الواقع، لما يمثله هؤلاء المتعاونون من أهمية في ملاحقة التنظيم، مشيرة إلى أن ما حصل بحق بعض المتعاونين في محافظات مصرية أخرى بالاعتقال أو الإساءة، ستكون له آثار واضحة في إمكانية عودة هؤلاء للعمل مجدداً مع الجيش في "محاربة الإرهاب".

وكانت "العربي الجديد" قد كشفت في تقرير لها، نشر منتصف الشهر الحالي، أن المجموعات القبلية المساندة للجيش المصري أتمت مهمتها، باستعادة السيطرة الأمنية على مناطق واسعة من المحافظة.

لكن سرعان ما دبت الخلافات بين تلك المجموعات، بحثاً عن المزيد من المكاسب بالتقرب من قوات الجيش المنتشرة في المنطقة.

وباتت كل قبيلة في سيناء تسعى لإيجاد خط اتصال منفصل مع قوات الجيش بعيداً عن مظلة "اتحاد قبائل سيناء" الذي يقوده رجل الأعمال السيناوي إبراهيم العرجاني، المقرّب من دوائر الاستخبارات المصرية، وفي مقدمتها نجل الرئيس المصري، محمود عبد الفتاح السيسي.

تخلي الجيش المصري عن المجموعات القبلية؟

وحول هذه التطورات، قال باحث في شؤون سيناء، طلب عدم ذكر اسمه، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، إن هناك تفسيرات متعددة لما جرى في الأيام القليلة الماضية، أبرزها أن يكون الجيش قد تخلى فعلياً عن هذه المجموعات، بعد أن انتهت مهمتها والمصلحة التي كانت تربطه بها، والآن يجري التعامل معها وفقاً لوضعها القانوني السابق لعملها مع الجيش، وهو مواطنون من البدو عليهم أحكام غيابية، وتقارير أمنية بتعاملهم في الممنوعات والتهريب.

وتابع: بالتالي يتم إلقاء القبض عليهم وزجهم في السجون، كما كان الحال قبل الثورة المصرية في 25 يناير/كانون الثاني 2011، خصوصا أن هؤلاء المتعاونين كانوا شهوداً ومتورطين في قضايا قتل وإيذاء خارج القانون، سواء للعناصر المسلحة أو المتعاونة معهم، أو حتى المواطنين في شمال سيناء.


اعتقلت الأجهزة الأمنية بعض المسؤولين في المجموعات القبلية

وأضاف الباحث، أن من ضمن التفسيرات لما يجري في سيناء حالياً، هو أن الهدوء في المنطقة، خلال الأشهر القليلة الماضية، لا يروق لبعض المتحكمين في المشهد الأمني في سيناء، وفي ظل معرفتهم بأن كلمة السر في هذا الإنجاز يتمثل في المتعاونين البدو، وكان لزاماً أن يتم التخلي عنهم، أو دفعهم إلى ترك العمل مع الجيش.

ورأى أن ما يدعم هذا التفسير أن بعض المسؤولين في هذه المجموعات تعرّضوا للاعتقال على يد أجهزة أمنية مصرية، في محافظات خارج سيناء، في ظل استمرار تقديرهم من قبل قوات الجيش داخل سيناء، بالتزامن مع عدم قدرة قيادة الجيش والاستخبارات على إنهاء الإشكالات التي طرأت أخيراً، على الرغم من وقوعها منذ أكثر من أسبوع.

ويُشار إلى أنّ عشرات الشباب البدو بدأوا بالقتال مع الجيش منذ أواخر عام 2016، مقابل تسهيلات حصلوا عليها، في التحرك بأريحية على كمائن الجيش في نطاق سيناء، وركوب سيارات الدفع الرباعي المحظورة في شمال سيناء، بالإضافة إلى السماح لهم بممارسة أعمال تجارية ممنوعة.

في المقابل، سُجلت إنجازات لهذه المجموعات القبلية بتمكّنها من الوصول لعناصر من "داعش"، سواء بالقتل أو الإصابة أو الاعتقال، بينما خسرت المجموعات عددا كبيراً من عناصرها، على يد التنظيم.