- زيادة الضغوط الشعبية داخل مناطق سيطرة "هيئة تحرير الشام" بسبب التجاوزات الأمنية والانتهاكات، مما أدى إلى اندلاع احتجاجات تطالب بإصلاحات جذرية وتحسين الأوضاع المعيشية.
- استخدام "هيئة تحرير الشام" للعمليات العسكرية كوسيلة لتحويل الانتباه عن الاستياء الشعبي والمطالب الداخلية، مع تحليلات متباينة حول فعالية وحقيقة هذه العمليات واستراتيجية الهيئة في الحفاظ على مكانتها كقوة معارضة.
زادت في الأيام القليلة الماضية عمليات "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً)، وهي سلطة الأمر الواقع في شمال غربي سورية، ضد قوات النظام السوري والمليشيات التابعة لها على خطوط التماس بين الطرفين، بالتزامن مع حراك شعبي ضد الهيئة في مناطق سيطرتها، ما يدفع البعض للاعتقاد بأنها تحاول الهروب من الضغوط الشعبية من خلال هذه العمليات.
اشتباكات عنيفة بين "هيئة تحرير الشام" والنظام
واستمرت الاشتباكات التي وُصفت بالعنيفة بين "تحرير الشام" وقوات النظام السوري في محاور ريف حلب الغربي وريف إدلب، وتبادل الطرفان، أمس الاثنين، قصفاً بالمدفعية الثقيلة على محور الأربيخ معارة النعسان في المحور الواصل بين ريفي إدلب الشرقي وحلب الغربي. وأوضحت مصادر محلية أن مدفعية الهيئة وراجمات الصواريخ قصفت مواقع لقوات النظام في بلدتي ميزناز وكفرحلب وخربة جدريا بريف حلب الغربي.
تبادل النظام والهيئة القصف في محاور التماس في ريف حلب الغربي
في المقابل، قصفت قوات النظام محاور التماس وقرى كفرعمة وكفر تعال والقصر في ريف حلب الغربي، ومحور قرية التفاحية، شمال شرقي اللاذقية. وكانت الهيئة قد شنّت، صباح أمس الأول الأحد، هجوماً على نقاط عسكرية لقوات النظام السوري في ريف حلب الغربي، شمالي سورية، ما أسفر عن مقتل وجرح عدد من عناصر هذه القوات والاستحواذ على دبابة، وتدمير دبابة أخرى. ونشرت منصة "الإعلام العسكري - ميديا" التابعة لـ"تحرير الشام" تسجيلاً مصوراً قالت إنه لوصول الدبابة المستولى عليها إلى مناطق سيطرتها في شمال غربي سورية.
واعتبرت صحيفة "الوطن" التابعة للنظام أن تكرار محاولات التسلل والهجمات التي تشنها "تحرير الشام" ضد مواقع تابعة لقوات النظام في أكثر من محور في المنطقة في الآونة الأخيرة، "مرده إلى مساعي الهيئة المتكررة للخروج من أزمتها الداخلية التي فرضتها التظاهرات العارمة في جميع بلدات ومدن إدلب وريف حلب الغربي".
وتأتي هذه العمليات في خضم حراك شعبي غاضب ضد "تحرير الشام" على خلفية تجاوزات ذراعها الأمني، والتي وصلت إلى حد تعذيب المعتقلين حتى الموت بتهمة "العمالة" لجهات خارجية. وفتحت هذه الانتهاكات الباب أمام غضبة شعبية في شمال غربي سورية تكللت بتظاهرات حاشدة، وهو ما أربك الهيئة ودفعها للهروب إلى الأمام من خلال تقديم وعود بـ"إصلاحات" جذرية.
وتحاول الهيئة من خلال إجراءات سياسية واقتصادية وعسكرية الالتفاف على الحراك الذي جاء نتيجة تراكم الاحتقان الشعبي ضد الهيئة وقوانينها المتشددة وهيمنتها بشكل كامل على المشهد من جوانبه كافة في محافظة إدلب ومحيطها.
ومن الواضح أن الهيئة تحاول تصدير أزمتها والهروب من الضغوط الشعبية من خلال عمليات عسكرية ضد قوات النظام التي لم تتوقف هي الأخرى عن اختراق تفاهمات روسية تركية لوقف إطلاق النار في شمال غربي سورية. وتستخدم قوات النظام المسيّرات الانتحارية التي تقتل مدنيين وعسكريين، وتقابلها الهيئة بعمليات "انغماسية"، كتلك التي حدثت الأحد في ريف حلب الغربي.
وتلجأ كل أطراف الصراع في سورية إلى التصعيد العسكري كلما أحست بضغوط شعبية نتيجة الأحوال المعيشية السيئة أو تجاوزات الأذرع الأمنية في كل المناطق التي انقسمت إليها البلاد بعد 13 عاماً من الثورة ضد النظام.
ويعد الحراك الشعبي الحالي ضد الهيئة هو الأكبر والأكثر أهمية، إذ رفع المتظاهرون سقف مطالبهم إلى حد المطالبة بـ"إسقاط أبو محمد الجولاني"، قائد "هيئة تحرير الشام"، الذي حذر المتظاهرين، الأسبوع الماضي، من تجاوز "الخطوط الحمراء"، في اجتماع مع فعاليات ثورية وشعبية. وفي محاولة لتطويق الحراك الشعبي ضد الهيئة، اتفق الجولاني مع المجتمعين على "إعادة تشكيل جهاز الأمن العام ضمن وزارة الداخلية في حكومة الإنقاذ السورية، والدعوة إلى انتخابات مجلس الشورى العام في المناطق المحررة، وإعادة النظر في القانون الانتخابي، وتوسيع تمثيل الأهالي والشرائح والفعاليات، وتعزيز الدور الرقابي لمؤسسة الشورى لتحقيق ضبط وكفاءة ونزاهة المؤسسات التنفيذية العاملة على الأرض".
التفاف على الاحتجاجات الشعبية
ورأى الباحث السياسي ياسين جمّول، في حديث مع "العربي الجديد"، أن العمليات التي تقوم بها "تحرير الشام" حالياً ضد قوات النظام "أداة من أدواتها (الهيئة) للالتفاف على مطالب الاحتجاج الشعبي ضدها". وأعرب عن اعتقاده بأن هذه العمليات تهدف إلى "شيطنة الاحتجاجات تحت ذريعة أنها ضد الجهة الوحيدة التي تقاتل نظام الأسد"، مضيفاً: "لكن مراقبين موجودين في تلك المناطق شكّكوا بحقيقة تلك العمليات من أصلها".
جمّول: العمليات ضد قوات النظام أداة من أدوات الهيئة للالتفاف على مطالب الاحتجاج الشعبي ضدها
لكن العقيد مصطفى البكور، وهو قيادي في فصائل المعارضة في الشمال الغربي، اعتبر في حديث مع "العربي الجديد"، أن ربط عمليات "هيئة تحرير الشام" ضد قوات النظام بالهروب من الاستجابة للمطالب الشعبية "غير منطقي". وتابع: "العمليات الانغماسية لها شروطها وظروفها الموضوعية التي يجب أن تتوفر من أجل ضمان نجاحها".
وتسيطر "هيئة تحرير الشام" على قسم من محافظة إدلب وبعض ريف حلب الغربي وأجزاء من ريف اللاذقية الشمالي الشرقي. وحاولت في عام 2022 توسيع نطاق سيطرتها إلى مناطق "الجيش الوطني" المعارض خصوصاً في منطقة عفرين، شمال غربي حلب، إلا أنها جُوبهت برفض تركي، ما أجبرها على العودة إلى نطاق نفوذها في إدلب.
من جهته، أوضح المحلل العسكري في مركز "جسور" للدراسات رشيد حوراني، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الهيئة "نفذت منذ منتصف العام الماضي العديد من العمليات العسكرية على خطوط التماس مع النظام السوري (الملاجة ـ غربي حلب ـ محور اللاذقية)"، مضيفاً أن الهيئة استفادت من فترة التهدئة التي أبرمت بين تركيا وروسيا بتاريخ 5 مارس/ آذار 2020 وعملت على ترتيب وتطوير جناحها العسكري.
وتابع: "تعمل الهيئة على تنفيذ العمليات التي لا تحتاج لمجهود وإعداد حربي كبير وفي الوقت نفسه تحقق لها جانباً دعائياً بقدرتها على ضرب قوات النظام، خصوصاً أن التظاهرات في الجمعة الأخيرة شارك فيها قادة لبعض فصائل (الجيش الوطني)، وهي بهذه العمليات تريد إحراجهم وتذكّر بسكون جبهاتهم، وتوجيه الرأي العام في الوقت نفسه لضرورة الالتفاف حولها ودعمها لكي تستمر في ضرب النظام".