لا يُتيح المشهد العراقي رؤية واضحة لحدود التصعيد الأمني الجديد الذي تشهده مناطق غرب ووسط وشمالي البلاد، بعد يومين من عمليات قصف متبادل بين القوات الأميركية والفصائل المسلحة الحليفة لطهران، تتقدمهم "كتائب حزب الله"، التي سقط منها أكثر من 10 قتلى من عناصرها، يومي الثلاثاء وفجر الأربعاء، إثر عمليات قصف أميركي استهدفت مواقع وأرتال لها في الأنبار وشمال بابل وعند الحدود الدولية مع سورية، غربي البلاد.
وتركزت الضربات الأميركية التي قالت في بيانات منفصلة عبر القيادة الأميركية الوسطى إنها أتت رداً على هجمات طاولت قواتها في العراق، في منطقة أبو غريب وقرب الثرثار وفي جرف الصخر ومنطقة حصيبة الغربية، على الحدود مع سورية، واستهدفت ثلاثة مواقع مباني ومنشأة ورتلين لـ"كتائب حزب الله" و"النجباء".
وبدا لافتاً إعلان المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية بات رايدر في بيان أن الهجوم على قاعدة عين الأسد (ليلة الثلاثاء)، الذي أسفر عن 8 إصابات طفيفة، تم بـ"صاروخ بالستي قصير المدى"، وهو ما يفسر طبيعة الرد العنيف للطيران الأميركي على مواقع الفصائل المسلحة في العراق.
تصعيد أميركي في العراق
وقالت مصادر أمنية عراقية في بغداد، لـ"العربي الجديد"، إن الطيران الأميركي استهدف، فجر الثلاثاء، شاحنة تقل مسلحين في منطقة الثرثار ضمن محافظة الأنبار، تعود لجماعة "عصائب أهل الحق"، ما أسفر عن مقتل شخص وإصابة ثلاثة آخرين، كما استهدف شاحنة تابعة لـ"كتائب حزب الله" ضمن منطقة أبو غريب، غربي بغداد، ما أسفر عن مقتل شخص وتدمير أسلحة كانت في الشاحنة.
وفجر الأربعاء نفذ الطيران الأميركي ثلاث ضربات في آن واحد ضد مواقع لـ"كتائب حزب الله" في ناحية جرف الصخر، شمالي محافظة بابل، وأدت تلك الضربات إلى مقتل 10 أشخاص على الأقل وجرح آخرين، في حصيلة غير نهائية، مع تدمير مخازن أسلحة فيها صواريخ مختلفة. وردت الفصائل على تلك الهجمات من خلال قصف قاعدة عين الأسد في الأنبار بثلاثة صواريخ، واستهداف قاعدة حرير في أربيل بطائرة مسيّرة مفخخة، من دون معرفة حجم الخسائر البشرية أو المادية إن وجدت لدى القوات الأميركية الموجودة في القاعدتين.
اعتبرت الحكومة العراقية ما حصل تصعيداً خطيراً فيه تجاوز مرفوض على السيادة العراقية
ونددت الحكومة العراقية في بيان، أمس الأربعاء، بالضربات الأميركية، وقالت إنها "تتعامل مع التصعيد الأخير، الذي شهدته الساحة العراقية خلال اليومين الماضيين، على أنه تصعيد خطير فيه تجاوز مرفوض على السيادة العراقية"، ودانت الهجوم الذي استهدف منطقة جرف الصخر، مؤكدة أنه "جرى بدون علم الجهات الحكومية العراقية، ما يُعد انتهاكاً واضحاً للسيادة، ومحاولة للإخلال بالوضع الأمني الداخلي المستقر، فالحكومة العراقية هي المعنية حصراً بتنفيذ القانون ومحاسبة المخالفين، وهو حق حصري لها، ولا يحق لأي جهة خارجية أداء هذا الدور نيابةً عنها".
ولفتت الحكومة إلى أن "وجود التحالف الدولي في العراق هو وجود داعم لعمل قواتنا المسلحة عبر مسارات التدريب والتأهيل وتقديم الاستشارة، وأنّ ما جرى يعد تجاوزاً واضحاً للمهمة التي توجد من أجلها عناصر التحالف الدولي على الأراضي العراقية؛ لذلك فإنها مدعوة إلى عدم التصرّف بشكل منفرد، وأن تلتزم بسيادة العراق، التي لا تهاون إزاء خرقها بأي شكل كان".
كما شددت الحكومة العراقية على أنها "الجهة المسؤولة دستورياً عن رسم وتنفيذ سياسات الدولة، وحفظ النظام والاستقرار، والدفاع عن الأمن الداخلي، وأنّ أيّ عمل أو نشاط مسلّح يتم ارتكابه من خارج المؤسسة العسكرية يعد عملاً مداناً ونشاطاً خارجاً عن القانون، ويعرض المصلحة الوطنية العليا للخطر، وأنّ أي عناصر مسلحة أو غيرها لا تلتزم بهذا المبدأ فإنها تعمل بالضدّ من المصلحة الوطنية العليا، وستتخذ الحكومة الإجراءات الضرورية للدفاع عن مصالح العراق العليا".
السوداني يتحرك لاحتواء التصعيد
وقال مستشار في مكتب رئيس الحكومة العسكري، لـ"العربي الجديد"، إن "رئيس الوزراء محمد شياع السوداني يتحرك مع أطراف عراقية لاحتواء التصعيد"، كاشفاً عن أن التحركات تشمل أطرافاً إيرانية ومسؤولين أميركيين، وجرت اتصالات مع السفيرة الأميركية ألينا رومانوسكي في هذا الإطار، يوم الثلاثاء، متحدثاً عن "خشية من تطور الأوضاع وتحولها إلى الاشتباك المباشر".
السوداني يتحرك باتجاه أطراف إيرانية ومسؤولين أميركيين لاحتواء التصعيد
واعتبر أن المشكلة الرئيسة تكمن في رفض الفصائل وقف هجماتها ضد المصالح والأهداف الأميركية في العراق وسورية، وأبلغت السوداني بأنها سوف تزيد من حدة تلك العمليات خلال الفترة المقبلة رداً على عمليات قصف موقعها وسقوط قتلى وجرحى من عناصر الفصائل. ووصف الوضع الأمني العراقي بأنه "قابل للتصعيد أكثر وقد يمتد إلى داخل بغداد في حال استهدفت الفصائل السفارة الأميركية".
من جهته، ندد زعيم منظمة "بدر"، القيادي في "الإطار التنسيقي" الحاكم هادي العامري، بالهجمات الأميركية، معتبراً في بيان أنها "دليل قطعي" على أن القوات الأميركية في العراق ليست استشارية بل قتالية، مطالباً بخروج القوات الأميركية وقوات التحالف الدولي من العراق.
أما المتحدث باسم "كتائب سيد الشهداء" كاظم الفرطوسي، فقال لـ"العربي الجديد"، إنهم في الكتائب يستعدون لـ"رد قريب على الضربات الأميركية"، مضيفاً أن التصعيد الأميركي يستدعي تصعيداً أكبر من قبلهم. واعتبر أن "الحكومة مطالبة بالتحرك العاجل لوقف الهجمات، كما عليها الإسراع في إخراج تلك القوات، كونها قوات محتلة، وتعمل على زعزعة الأمن والاستقرار في العراق".
المتحدث باسم "كتائب سيد الشهداء": نستعد لرد قريب على الضربات الأميركية
في المقابل، اعتبر مقرر لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي مهدي تقي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن التصعيد الجديد بين الفصائل وواشنطن "يستدعي تحركاً حكومياً عاجلاً". وأضاف أن "الهجوم الأميركي الجديد عدوان واستهداف لقوات حكومية، ولا يمكن للحكومة السكوت عن تلك الضربات والاكتفاء ببيانات الرفض والاستنكار، التي تكون مشجعة للاستمرار في العدوان ولا تحد منها او توقفها". وكشف عن اجتماع للقوى السياسية في تحالف "الإطار التنسيقي"، سيعقد لبحث خطورة وتداعيات القصف الأميركي، من دون أن يحدد زمان الاجتماع.
مخاوف على الوضع العراقي
في المقابل، قال الخبير في الشأن السياسي والأمني مؤيد الجحيشي، لـ"العربي الجديد"، إن "التطورات الجديدة قد تدفع إلى مواجهات أكبر تصل إلى استهداف قيادات في فصائل مسلحة بارزة، خصوصاً مع عجز الحكومة عن التحكم بقرار الفصائل، على الرغم من وعودها المتكررة للجانب الأميركي بذلك". وحذر الجحيشي من أن "القصف الأميركي ستكون له تداعيات على الاستقرار السياسي وكذلك الاقتصادي، وربما يكون له تأثير كبير على إجراء انتخابات مجالس المحافظات، فلا يمكن إجراء أي عملية انتخابية في ظل عدم استقرار أمني، كما نتوقع أن واشنطن لن تكتفي بتلك الهجمات، وستكون لها ردود عسكرية أخرى ضد الفصائل".
وأضاف أن "الولايات المتحدة ربما تستخدم ورقة الضغط الاقتصادية تجاه الحكومة العراقية من أجل دفعها لإيقاف عمليات الفصائل ضد الأميركيين، كما أن واشنطن ستستمر في فرض عقوبات اقتصادية على مزيد من قيادات وعناصر الفصائل المتورطة في الهجمات ضد القوات الأميركية في العراق وسورية، وربما تتخذ خطوات تصفية واغتيال بعض قادة الفصائل، وهذا الأمر ستكون له تبعات أمنية خطيرة جداً".
ولوّحت "المقاومة الإسلامية في العراق"، خلال الأيام الماضية، بالبدء بمرحلة جديدة في "مواجهة الأعداء، نصرة لفلسطين"، مؤكدة أن المرحلة ستكون الأوسع على قواعدهم في المنطقة. و"المقاومة الإسلامية" هي مظلة مسلحة جديدة في العراق، تجمع مليشيات عراقية عدة، أبرزها "كتائب حزب الله" و"النجباء" و"حركة أنصار الله الأوفياء"، وتتبنى منذ منتصف أكتوبر/ تشرين الأول الماضي عمليات ضد المصالح الأميركية، ضمن ردها على الدعم الأميركي للاحتلال الإسرائيلي في العدوان على غزة.