تصعيد ضد الكاظمي: قوى في "الإطار التنسيقي" تسرّع "الانتقام"

21 أكتوبر 2022
انتشرت لافتات تُظهر الكاظمي بشكل السجين (أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -

للأسبوع الثاني على التوالي، تواصل قوى سياسية عراقية مختلفة، ضمن تحالف "الإطار التنسيقي"، حملتها ضد رئيس حكومة تصريف الأعمال مصطفى الكاظمي، إعلامياً وسياسياً. 

وبلغت هذه الحملة ذروتها بتقديم عدة نواب طلبات رسمية إلى الإدعاء العام بمنعه من السفر، والتحقيق بقضايا فساد، يقولون إن مكتبه متورط بها، وهو ما لم يعلق عليه القضاء حتى الآن. 

وانتشرت في عدد من شوارع العاصمة بغداد منشورات ولافتات تُظهر الكاظمي بشكل السجين مرة، وأخرى ببزة حمراء مخصصة للمحكومين بالإعدام. وتُطالب بمحاسبة الكاظمي بحجج متعددة، منها التقصير في أداء وظائفه خلال المرحلة السابقة، وإهدار المال العام واختلاس أموال حكومية، إضافة إلى التجاوز على الصلاحيات. 

الصيهود: سنقدم طلبات للبرلمان لمنع الكاظمي من السفر

ورأى مراقبون أن هذه المنشورات تشير إلى حالة "سياسية" تهدف إلى الانتقام من رئيس الحكومة، الذي دخل في خلافات حادة مع قوى وكتل سياسية عديدة، تنضوي حالياً ضمن "الإطار التنسيقي".

دعوات لمنع الكاظمي من السفر

وقدم عدة نواب، أبرزهم النائب حسين مؤنس عن كتلة "حقوق"، الجناح السياسي لمليشيا "كتائب حزب الله"، والتي تدخل لأول مرة للبرلمان، إضافة إلى النائب علي تركي عن جماعة "عصائب أهل الحق"، والنائب عن مدينة سنجار ماجد شنكالي، وثائق للقضاء، يطالبون فيها بدعوة جهاز الإدعاء العام ومحكمة التحقيق بقضايا الفساد في بغداد، لإصدار قرارات منع سفر بحق الكاظمي وعدد من مساعديه. 

وأكد، أمس الخميس، النائب عن "ائتلاف دولة القانون" محمد الشمري، أن عدداً من نواب تحالف "الإطار التنسيقي" عازمون على مطالبة رئاسة مجلس النواب إصدار قرار بمنع سفر الكاظمي بتهمة "تجاوزاته على الدستور، خاصة خلال مدة حكومة تصريف الأعمال". 

واتهم الشمري، في تصريحٍ للصحافيين، الكاظمي بأنه "ارتكب أخطاء جسيمة خلال مدة توليه رئاسة مجلس الوزراء، وتجاوزه مع سبق الإصرار على الدستور". وقال: "سنطالب رئيس الوزراء المقبل بإعادة النظر بجميع القرارات غير الدستورية والقانونية التي اتخذها الكاظمي خلال ترؤسه الحكومة".

ووفقاً لقانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969، فإن للقضاء السلطة في منع سفر المسؤولين والمواطنين الذين يشتبه بتورطهم بقضايا جنائية، وضمن مدد تحددها مسبقاً، قابلة للتجديد، وكذلك الشهود الأصليين في تلك القضايا. كما يستند المطالبون بمنع سفر الكاظمي وفريقه إلى النظام الداخلي للبرلمان لسنة 2018، الذي يجيز تقديم مشروع قانون ملزم من خلال اللجنة القانونية في مجلس النواب. وهو ما يلوح به الآن عدد من النواب عبر قانون منع سفر مسؤولي حكومة الكاظمي، إذا تم التصويت عليه.

أكبر تصعيد ضد رئيس حكومة

ويعتبر التصعيد الحالي ضد الكاظمي هو الأول من ناحية ثقل وتأثير القوى السياسية الداعمة له، الذي يواجه رئيس حكومة في العراق، منذ الغزو الأميركي للبلاد عام 2003. 

ويعزو مراقبون ذلك إلى عدم امتلاكه الثقل الذي تمتع به أسلافه السابقون، مثل إياد علاوي ونوري المالكي وحيدر العبادي وعادل عبد المهدي.

لكن علي تركي، النائب عن كتلة "صادقون" التابعة لـ"عصائب أهل الحق"، كشف أن "الحراك الحالي لإصدار قرار منع السفر لا يشمل الكاظمي وحده، بل يشمل مسؤولين متورطين بالفساد، بينهم أحمد أبو رغيف، وإحالتهم إلى التحقيق"، في إشارة إلى اللواء أحمد أبو رغيف وكيل وزارة الداخلية وأبرز مساعدي الكاظمي. 

وقال تركي، في بيان الثلاثاء الماضي، إن "حكومة الكاظمي المنتهية ولايتها شهدت تفشي ظاهرة الفساد في جميع مفاصل الدولة، أدت إلى هدر واختلاس كبير للمال العام". 

وأشار إلى أنه "سيطرح خلال الاجتماع المقبل للجنة النزاهة في البرلمان هذا الأمر، لمنع سفر اللواء أبو رغيف وبعض المستشارين الذين لديهم ملفات فساد مطروحة أمام القضاء، أو متهمين بقضايا فساد مالي وإداري. وأن قرار منع السفر إجراء قضائي تتخذه السلطات القضائية بشأن كل من تورط بجرائم تصل إلى حد الجناية".

"وثائق" بعقد الكاظمي صفقات

وتواصلت "العربي الجديد" مع القيادي في "الإطار التنسيقي" محمد الصيهود، الذي بيَّن أن لدى بعض قوى التحالف "وثائق تتعلق بإجراءات الكاظمي وفريقه خلال العامين الماضيين، لا سيما في ما يتعلق بعقد الصفقات مع بعض الدول الأوروبية، إضافة إلى تخصيص مبالغ كبيرة لمكتبه الخاص، وهدر بالمال العام"، من دون الكشف عن أي منها. 

وقال الصيهود إن "كتلاً سياسية ستقدم طلبات إلى مجلس النواب لمنع الكاظمي وفريقه من السفر، ومحاسبتهم على المشاكل والأخطاء التي جرى ارتكابها عمداً". 


الدعمي: الحملة ستنتهي سريعاً بعد تشكيل حكومة السوداني
 

ولفت إلى أن "المرحلة المقبلة ستكون مرحلة محاسبة لكل المقصرين والمسؤولين في المناصب الهامة، ولعل الكاظمي واحد منهم، خصوصاً بعد فضائح المليارات المسروقة من مصرف الرافدين".

دوافع شخصية وراء الحملة على الكاظمي

لكن مصادر قريبة من مكتب الكاظمي قالت، لـ"العربي الجديد"، إن "الحملة تأتي ضمن استدعاء بدوافع شخصية من قادة فصائل وجماعات مسلحة، أبرزها عصائب أهل الحق بقيادة قيس الخزعلي، المتهم الرئيس بتدبير محاولة اغتيال الكاظمي العام الماضي، وكذلك كتائب سيد الشهداء وكتائب حزب الله. وكان قادة هذه الفصائل قد وعدوا بمحاسبة الكاظمي".

وأكدت المصادر أن الكاظمي لديه "ضمانات" من قادة الأحزاب الكبيرة في "الإطار التنسيقي"، وتحديداً هادي العامري، بناء على تفاهمات عديدة. 

وبينت أن "الفصائل المسلحة كانت قد تراجعت عن اتهام الكاظمي بالاشتراك في عملية اغتيال (قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني) قاسم سليماني و(معاون قائد الحشد الشعبي العراقي) أبو مهدي المهندس طيلة الأشهر الماضية، لكنها عادت للترويج لهذه التهمة بهدف النيل من الكاظمي وفريقه السياسي والأمني".

والثلاثاء الماضي، قال الكاظمي إنه تعرض إلى ثلاث محاولات اغتيال، لكنه لم يذكر الجهات التي تقف وراء محاولات اغتياله. كما تطرق إلى قضية الأموال المسروقة من مصرف الرافدين قائلاً: "قدمنا مجموعة من مشاريع الإصلاح، وكانت تجابه باعتراضات شديدة من قبل برلمانيين وكتل سياسية لمنع الإصلاح في وزارة المالية، والبقاء على آليات تقليدية لا تلائم العصر. ويحاول البعض أن يحمي الفاسدين واللصوص وتحويل الاتهام إلى الحكومة".

من جانبه، لفت النائب المستقل هادي السلامي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أن "محاسبة الكاظمي لا بد أن ترافقها محاسبة رؤساء الوزراء الذين سبقوه، وتحديداً عادل عبد المهدي، المتهم إلى جانب حكومته بقمع المحتجين خلال الأعوام الماضية، والتسبب بمقتل نحو 800 متظاهر. وبالتالي، فإن فتح ملف المحاسبة لا بد أن يشمل الجميع، وألا يتم استخدام القضاء لتحقيق المصالح الشخصية والحزبية". وأكد أن "الحديث عن محاسبة فريق الكاظمي يهدف إلى إثارة أزمة سياسية".

بدوره، رأى المحلل السياسي غالب الدعمي أن "أطرافاً من الإطار التنسيقي قد تكون جادة في تقديم شكاوى ودعاوى ضد الكاظمي، أو شخصيات قريبة منه، بدافع الانتقام السياسي، لا سيما بعد الخلافات الكبيرة التي دخلت جميع الأطراف الشيعية، عدا التيار الصدري، فيها ضد الحكومة". 

وأشار إلى أن "هذا الأمر سيفتح المجال أمام أطراف أخرى للمطالبة بمحاسبة شخصيات كبيرة في الحكومات السابقة، وهي قريبة من الإطار التنسيقي". واعتبر، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، أن "الحملة الحالية تندرج ضمن التسقيط والتخويف والانتقام، وستنتهي سريعاً بعد الانتهاء من تشكيل حكومة محمد شياع السوداني".

وقال عضو التيار المدني العراقي أحمد حقي إنها "محاولة تنكيل فصائلية بالكاظمي"، معتبراً أن "القضاء لم يكن في صالح أي طرف سياسي للتحاكم منذ عام 2003، كون الملفات المشتركة التي يتورط بها الجميع ستشكل ضرراً لهم بالشارع، لذا فإن التفاهمات السياسية حاضرة دوماً". 

وتوقع حقي، في حديث مع "العربي الجديد"، عودة الكاظمي إلى "رئاسة جهاز المخابرات الذي ما زال يشغله فعلياً منذ تكليفه برئاسة الوزراء عام 2020". 

المساهمون