يطرح انسحاب زعيمة الحزب الجيّد، ميرال أكشنر، من الطاولة السداسية التي تجمع أبرز أحزاب المعارضة في تركيا، بسبب رفضها تبني ترشيح زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كلجدار أوغلو للانتخابات الرئاسية المقررة في 14 مايو/ أيار المقبل، تساؤلات عديدة عن انعكاساته على المعارضة التركية، وعن الفائدة التي يمكن أن يجنيها الرئيس رجب طيب أردوغان في حال تفتت الطاولة السداسية.
كذلك تبرز تساؤلات عن الدور الذي يمكن أن تؤديه أكشنر في الاستحقاق الانتخابي، في ظلّ تكهنات برغبتها في ترشيح نفسها للرئاسة، فيما كانت محرجة سابقاً بسبب إعلانها أنها سترشح نفسها لرئاسة الوزراء وفق النظام البرلماني الذي أعلنت المعارضة أنها ستعمل للانتقال إليه في حال فوزها بالانتخابات البرلمانية والرئاسية.
والطاولة السداسية تضم كلاً من زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كلجدار أوغلو، وزعيمة الحزب الجيد ميرال أكشنر، ورئيس حزب السعادة تمل قره موللا أوغلو، ورئيس حزب دواء علي باباجان، ورئيس حزب المستقبل أحمد داود أوغلو، ورئيس الحزب الديمقراطي غولتكين أويصال، قبيل انسحاب أكشنر.
أعلنت أكشنر سابقاً أنها سترشح نفسها لرئاسة الوزراء
وعلى الرغم من أن الخلافات كانت ترشح بين أكبر أحزاب المعارضة، وهما حزب الشعب الجمهوري، والحزب الجيّد القومي المحافظ، بخصوص المرشح الرئاسي، لم يتوقع أشد المتشائمين ضمن صفوف المعارضة أن يكون انهيار الطاولة سريعاً، وقبل نحو 70 يوماً من الانتخابات.
انهيار الطاولة السداسية للمعارضة التركية
فبعد ساعات قليلة على الاجتماع الـ13 للطاولة السداسية الذي عُقد الخميس الماضي، وتناول اسم المرشح الرئاسي المشترك للمعارضة، فجّرت أكشنر مفاجأة بإعلانها الانسحاب من الطاولة، والتي استمرت بالاجتماع لأكثر من عام على أمل توحيد صفوف المعارضة وهزيمة الرئيس أردوغان الذي يحكم البلاد منذ 21 عاماً.
وكانت الانتقادات قد تصاعدت للطاولة السداسية بسبب فشلها في حسم اسم المرشح الرئاسي خلال الاجتماعات السابقة، وتأجيل هذه المسألة لما قبل الانتخابات بحجة رغبة قادة أحزاب المعارضة بمعرفة موعد الانتخابات بشكل رسمي. وفي الوقت الذي أعلن فيه المجتمعون من الطاولة الخميس الماضي عن تحديد الإثنين 6 مارس/ آذار الحالي موعداً للكشف عن المرشح التوافقي، خرجت أكشنر أول من أمس الجمعة، لتعلن أنها غادرت الطاولة لأنها "طاولة قمار، ولا تعكس إرادة الشعب".
هذه التطورات فاجأت الرأي العام، خصوصاً أن أكشنر أعلنت في كلمتها في مقر الحزب أن "زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كلجدار أوغلو حصل على موافقة الأحزاب الخمسة، لكن ذلك فرضٌ لرأي واحد"، مضيفة أنها طرحت اسمي رئيسي بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو وأنقرة منصور ياواش، مناشدة إياهما الترشح للانتخابات الرئاسية. والأمر الغريب أن رئيسي البلدية هما من حزب الشعب الجمهوري أيضاً.
طرحت أكشنر اسمي رئيسي بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو وأنقرة منصور ياواش، للرئاسة
وتوجهت الأنظار عقب حديث أكشنر إلى عمدتي أنقرة وإسطنبول اللذين التقيا في أنقرة وصدرت عنهما مواقف مشتركة عبر حساباتهما الرسمية على "تويتر" في اليوم نفسه، إذ أكدا دعمهما لرئيس الحزب كلجدار أوغلو. وقال ياواش: "حتى اليوم كنت قد صرحت مرات عدة أني لن أتحرك في خط يخالف زعيم الحزب كمال كلجدار أوغلو وما زلت على الخط نفسه، وآمل أن يواصل تحالف الشعب بكل شركائه في مواصلة الطريق". من جهته، قال إمام أوغلو: "بما أني ابن حزب الشعب الجمهوري ورئيس للبلدية عن تحالف الشعب، لا أشك في أن كمال كلجدار أوغلو هو من يمثل إرادة الشعب وطاولة التوافق، ولا أشك في أن يستمر تحالف الشعب بتوسعه من دون أي نقصان".
وتعتقد أكشنر بحسب تصريحاتها، أن نبض الشارع التركي يقف إلى جانب عمدتي إسطنبول وأنقرة. ولمّح قياديون من حزبها إلى أن مذهب كلجدار أوغلو العلوي قد يكون عائقاً أمام انتخابه من قبل الشعب التركي، فيما أكد كلجدار أوغلو مرات عدة أن إمام أوغلو وياواش مستمران في مهامهما لأن استقالة أي واحد منهما، تعني فقدان البلدية التي يرأسها لما لها من أهمية، وسيطرة حزب "العدالة والتنمية" على مجلسها، ما يعني عودتها للحزب الحاكم.
لكن عمدة إسطنبول حُكم عليه في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، بالسجن لأكثر من عامين. وفي حال تأكيد الحكم من المحكمة الاستئنافية، فإن ذلك سيؤدي إلى حرمانه من ممارسة العمل السياسي. وبالتالي فإن اعتماد اسمه كمرشح وحيد للمعارضة قد يضعها في موقف صعب في حال منعه من المشاركة السياسية.
وتوصف أكشنر بأنها المرأة الحديدية، وهي أول وزيرة في تاريخ تركيا، لكن تاريخها السياسي مليء بالتحولات والتذبذبات وتغيير الأحزاب والتخلي عن رفاقها في الأحزاب السابقة. والحزب الجيّد تأسس في عام 2017 (انشقاق عن حزب الحركة القومية) وتمكن بفضل دعم تلقاه من حزب الشعب الجمهوري من المشاركة في انتخابات عام 2018، ودخول البرلمان، وحصل الحزب على 37 مقعداً وما يعادل 10 في المائة من الأصوات.
أردوغان وتحديات تفتت المعارضة
اليوم ومع انسحاب أكشنر من الطاولة السداسية، يتساءل مراقبون عن إمكان تفتت المعارضة، وهو ما سيكون لصالح أردوغان. ولكنه يطرح أيضاً تحديات أمامه، وهو تشتت أصوات المعارضة بين أكثر من مرشح، ما قد يسهم في عدم إمكانية حسم الانتخابات في المرحلة الأولى، ما يتطلب الذهاب إلى جولة ثانية قد تشهد منافسة صعبة.
ويؤكد قرار أكشنر أن الانتخابات المقبلة لن تجرى بين أردوغان ومرشح واحد عن المعارضة فقط، بل سيكون هناك عدة مرشحين، ما يبعثر أصوات المعارضة أكثر. وفي حال عدم حسم الانتخابات في المرحلة الأولى وعدم حصول أي مرشح على نسبة 50 في المائة زائد واحد، فإن المعارضة ستعود لدعم المرشح الأقرب لأردوغان، وهو ما سيدخل أصوات المعارضة في متاهة أخرى.
ومن المتوقع أن يستثمر أردوغان حالة التشتت رغم تقارب الأصوات بين الجبهتين، خصوصاً أن البلاد لم تستفق بعد من صدمة كارثة الزلزال الذي ضرب جنوب تركيا في 6 فبراير/ شباط الماضي. وفي الوقت الذي سيقود فيه أردوغان حملة جديدة قائمة على حماية البلاد من الزلازل، سيعمل على الاستفادة من تشتت المعارضة.
قد يسهم تشتت أصوات المعارضة بين أكثر من مرشح، في عدم إمكانية حسم الانتخابات في المرحلة الأولى
وتعليقاً على هذه التطورات، قال الكاتب والصحافي إسماعيل جوكتان، لـ"العربي الجديد"، إن "انشقاق الحزب الجيّد وزعيمته من المعارضة كان متوقعاً، لأنها منذ اللحظة الأولى كانت تصرّ على ترشيح اسم خارج المتفق عليه للفوز، وكانت تزعم أن هذا الاسم هو إما رئيس بلدية إسطنبول، أو رئيس بلدية أنقرة، لكن يبدو أنها أخطأت في حساباتها بتجاهلها انتماء الشخصين إلى حزب الشعب الجمهوري، وأن رئيس الحزب عزّز موقعه أخيراً".
وأضاف جوكتان أنه "على الرغم من التصريحات الحادة من قبل أكشنر، لم ترد المعارضة عليها بالأسلوب نفسه، بل دعتها للعودة إلى الطاولة السداسية". ولفت إلى أن "الطاولة تملك بديلاً ربما يكون أقوى من حزب الجيد، وهو حزب الشعوب الديمقراطي الكردي، وكان الحديث يدور حول انضمام هذا الحزب إلى الطاولة لكن أكشنر كانت ترفض هذا الخيار، ولذلك تجنّب كلجدار أوغلو دعوة الحزب الكردي إلى الطاولة، فيما بات الطريق الآن مفتوحاً أمام انضمام الحزب الكردي". لكنه لفت إلى أن "الحكومة التركية والأوساط السياسية القومية في البلاد تنظر إلى حزب الشعوب الديمقراطي كذراع سياسي لحزب العمال الكردستاني، وهذا سيجلب صعوبات إلى الطاولة السداسية في حال ضمّه".
وتوقع جوكتان أن يؤدي موقف أكشنر إلى انعكاسات إيجابية لصالح أردوغان، لكنه رجّح أن "نسبة الأصوات لا تزال قريبة جداً (بين أردوغان والمعارضة). وتابع: "هناك شهران حتى الانتخابات، والرئيس أردوغان سيستثمر الخلاف الناشب بين المعارضة، وفي حال انضمام حزب الشعوب الديمقراطي الكردي إلى الطاولة، سيستثمر قرب هذا الحزب من العمال الكردستاني، لكن ليس في وسعنا القول من الآن إن الخلاف الناشب بين المعارضة سيؤدي إلى فوز أردوغان".
ولفت جوكتان، في حديثه، إلى أن قرار المعارضة التركية ترشيح رئيس حزب الشعب الجمهوري للرئاسة محسوم، وقد اتخذته 5 أحزاب في الطاولة السداسية للمعارضة. وأشار إلى أن "العائق" الوحيد أمام كلجدار أوغلو انتماؤه للطائفة العلوية، وهناك شكوك عميقة في إمكانية قبول بعض الأتراك له". وتوقع جوكتان "استمرار دعم الكثير من ناخبي الحزب الجيد للطاولة السداسية على الرغم من انشقاق أكشنر، لكن المشكلة الأساسية أمام المعارضة هي الحصول على أصوات كردية لمرشح علوي"، برأيه.
من جهته، قال الصحافي يوسف سعيد أوغلو، لـ"العربي الجديد"، إن "الأجواء الحالية تصب في صالح الرئيس أردوغان بشكل عام، ولكن معارضيه لا يزالون يحافظون على النسبة نفسها، فيما ستؤدي التطورات إلى تعدد المرشحين للرئاسة". واعتبر أنه "في حال انضم الشعوب الديمقراطي إلى الطاولة السداسية فإن المعارضة تحتاج وقتاً لترتيب صفوفها فيما ليس هناك متسع من الوقت قبل الانتخابات".
وأضاف سعيد أوغلو: "لن تكون مهمة الرئيس أردوغان سهلة في الاستفادة من تشتت المعارضة، والعامل الأقوى له هو أن كلجدار أوغلو من الطائفة العلوية، ما قد يصعّب مهمته، لكن اجتماع المعارضة على دعم مرشح واحد ضد أردوغان في المرحلة الثانية من الانتخابات، سيجعل مهمة أردوغان صعبة جداً". ولفت إلى أن "العوامل لصالح لأردوغان هي قلة الوقت أمام المعارضة وتعدد المرشحين، وإمكان انضمام الحزب الكردي للطاولة السداسية"، مشيراً إلى أن "الصورة ستتضح أكثر خلال الأسبوعين المقبلين في حال تمكنت المعارضة من ترتيب صفوفها أم لا".