تشكيك في صوابية جلسة سحب الثقة من الحكومة الليبية: هل وقع التزوير؟

21 سبتمبر 2021
طفت الخلافات بين الحكومة ومجلس النواب في ليبيا خلال الفترة الأخيرة (Getty)
+ الخط -

لم يكد مجلس النواب الليبي يصوّت، اليوم الثلاثاء، على سحب الثقة من حكومة الوحدة الوطنية، حتى سارع نواب إلى التشكيك في صحّة انعقاد الجلسة، كونها لم تراع الأصول الإجرائية لجهة النصاب القانوني أو آلية التصويت، متحدثين عن تزوير وتلاعب. يأتي ذلك في وقت رفض فيه المجلس الأعلى التصويت، واعتبره باطلًا وكأنه لم يكن.

وكان المتحدث الرسمي باسم مجلس النواب عبد الله بليحق قد أعلن في وقت سابق أن النواب صوتوا بالأغلبية على قرار سحب الثقة من الحكومة خلال جلسة اليوم الثلاثاء، التي شارك فيها 113 نائباً. 

ونالت حكومة الوحدة الوطنية، المكونة من 29 وزيرا وستة وزراء للدولة وبرئاسة عبد الحميد الدبيبة، ثقة مجلس النواب في 10 من مارس/آذار الماضي، قبل أن تؤدي اليمين الدستورية أمام مجلس النواب بمقره في طبرق، شرق البلاد، في منتصف الشهر ذاته. 

واتهم عضو مجلس النواب عمار الأبلق، في تصريح لــ"العربي الجديد"، رئاسة المجلس بقيادة عقيلة صالح بتزوير عملية التصويت، موضحاً أن "سجل الحضور يؤكد توقيع 113 نائباً، وثلاثون من أعضاء المجلس لم يصوتوا لقرار سحب الثقة". وتساءل "من أين جاءت 89 صوتاً التي قرر على أساسها عقيلة صالح سحب الثقة من الحكومة؟". وشدد على أن "عقيلة صالح لا يزال مصراً على تجاوز الاتفاق السياسي الذي تم تضمينه في الإعلان الدستوري ويطالب بنصاب 120 صوتاً لسحب الثقة من الحكومة ويعمل وفق لوائح داخلية للمجلس تفرض ضرورة توفر 86 صوتا"، مشيراً إلى أن لوائح المجلس الداخلية تم التلاعب بها من خلال تعديلها أكثر من مرة دون توفر نصابها القانوني هي الأخرى. 

في السياق، أشار عضو مجلس النواب جلال الشويهدي إلى ما وصفه بتلاعب من قبل رئاسة المجلس، وقال إنه "وفقاً للوائح المجلس، فإن التصويت لا يكون برفع الأيدي فقط، بل بتوثيق العدد بالأسماء، وهو ما لم يتم، والتصويت تم بطريقة عبثية وعشوائية". وقال لـ"العربي الجديد"، إن الذين صوتوا "هم فقط 78 نائبا لصالح سحب الثقة من الحكومة، ولم يُمنح المعارضون للقرار فرصة للتصويت ضد القرار، وعدد المصوتين الحقيقي لا يوفر النصاب الموصوف في اللائحة الداخلية للمجلس بـ89 صوتا".

وأبدى الشويهدي خشيته من تداعيات قرار سحب الثقة من الحكومة و"توقيته المريب"، متهماً رئيس المجلس عقيلة صالح بالسعي لعرقلة إجراء الانتخابات في موعدها المقرر في ديسمبر/كانون الأول المقبل. 

كما اطلع "العربي الجديد" على بيان موقع من 38 نائبا، يعلنون فيه رفضهم لطريقة التصويت على سحب الثقة من حكومة الوحدة الوطنية، وأنهم لم يصوتوا خلال الجلسة لصالح القرار. وقال محمد آدم، عضو المجلس وأحد الموقعين على البيان: "ننتظر المزيد من التواقيع، فهناك نواب أبدوا رغبتهم في الانضمام للبيان"، مضيفا "لن نسمح لهذا العبث بالمرور". 

تضارب في عدد المصوتين في جلسة سحب الثقة من الحكومة الليبية

وتضاربت الآراء بشكل كبير حيال عدد المصوتين على القرار، ففيما أكد المتحدث الرسمي باسم مجلس النواب عبد الله بليحق أن 89 عضوا من أصل 113 عضوا شاركوا في الجلسة، أعلن عبد المنعم بلكور، عضو مجلس النواب، أنهم 68 عضواً فقط. 

وأوضح بلكور لــ"العربي الجديد"، أن النواب المعارضين للقرار لم يسمح لهم بالتصويت ضد القرار، وتابع "أنا شخصيا سمعت قول مقرر الجلسة وهو يجمع عدد المصوتين بأنهم 68". وأضاف "يبدو أن الورقة قُلبت، فقرأها رئيس المجلس رقما معكوسا"، واصفاً القرار بأنه "رصاصة الرحمة على مجلس النواب وانكشاف العبث الذي تمارسه رئاسة المجلس بأغلب القرارات التي أصدرتها وليس فقط قرار سحب الثقة من الحكومة أو قرار إصدار قانون انتخاب رئيس الدولة للانتخابات المقبلة". 

وحول ملابسات صدور القرار، قال بلكور إن "جلسة اليوم كانت مخصصة لتشكيل لجنة التحقيق مع الحكومة، وعند افتتاح الجلسة طالب عدد من النواب بشكل فجائي بوضع القرار قيد التصويت وسط استجابة مباشرة من رئاسة المجلس"، مشيراً إلى أن عدم الإعلان عن إدراج بند سحب الثقة من الحكومة في جدول الأعمال جاء لكسب أكبر عدد من النواب للمشاركة في الجلسة. 

 

في مقابل الاتهامات بالتزوير، أكّدت عضو مجلس النواب هناء أبوذيب، في حديثها لــ"العربي الجديد"، صحة عملية التصويت على قرار سحب الثقة من الحكومة. وتحفظت أبوذيب على التعليق على تصريحات بلكور والشويهدي، وقالت "رئاسة مجلس النواب ستصدر توضيحا حول كل هذا التشويش". 

وحيال الخطوة التالية لقرار سحب الثقة من الحكومة، نفت أبوذيب سعي المجلس لتشكيل حكومة جديدة، وقالت "القرار سيصدر مفصلا وسيتضمن توضيحا بشأن استمرار الحكومة الحالية كحكومة تصريف أعمال، كصرف المرتبات وما يتعلق بالاحتياجات اليومية للمواطن دون ممارستها لأي أعمال سياسية أو تنفيذية سواء في الداخل أو الخارج". 

سيناريوهات ما بعد سحب الثقة من الحكومة الليبية

ويصف الصحافي الليبي سالم الورفلي القرار بأنه "أدخل البلاد في منعطف سياسي حرج جدا وغموض لا يمكن تكهن أي شيء معه"، مشيراً إلى أن الهدف الوحيد من وراء هذا القرار هو تعطيل العملية الانتخابية التي تحظى بدعم شعبي داخلي ودعم دولي كبير. 

ولفت الورفلي، خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن قرار عقيلة صالح وحلفائه استند إلى أسباب واهية، منها هدر الحكومة للمال العام، وقال "الحكومة لم يصرف لها دينار واحد، فكيف تحاسب ولماذا لم يكن مجلس النواب حريصا على المال العام مع حكومة عبد الثني التي أهدرت الملايين ولم تحاسب، وماذا عن (خليفة) حفتر الذي أهدر الدم مع أرقام ضخمة من المال، ولم يحاسب". 

وتابع "أما قضية عدم توحيد الحكومة لمؤسسات الدولة، فماذا فعل مجلس النواب بشأن المؤسسات السيادية التي لا تزال منقسمة حتى اليوم"، مشيراً إلى أن قرار سحب الثقة غير قانوني، كون المجلس لم يضمن خريطة الطريق التي جاءت بالحكومة للمشهد في الإعلان الدستوري. 

وحول السيناريوهات الممكنة، قال "من الممكن أن يتراجع مجلس النواب عن قراره بضغط داخلي ودولي، لكن سيناريوهات أخرى راجحة أيضا"، وتابع "رجوع البلاد إلى حالة الانقسام السياسي ممكنة في حال تكليف مجلس النواب لحكومة أخرى، وعندها لن يتعامل مع المجتمع الدولي وستتكرر حالة حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا مع حكومة الدبيبة كونها منتخبة من جسم سياسي كونته الأمم المتحدة هو ملتقى الحوار السياسي". 

وإن كان سيناريو عودة الاحتراب ممكنا، إلا أن الورفلي لا يرجح رجوعه بشكل كبير في ظل إصرار المجتمع الدولي على إنهاء كل ظروفه ومسبباته، لكن أرجح السيناريوهات هو الإبقاء على حكومة الوحدة الوطنية كجسم تنفيذي لتصريف الأعمال فقط، مقابل الضغط على مجلس النواب للقبول بالشراكة مع الأطراف الليبية الأخرى للإعداد للانتخابات المقبلة.

المجلس الأعلى للدولة يرفض سحب الثقة من الحكومة

وكان المتحدث الرسمي باسم المجلس الأعلى للدولة محمد بن عبد الناصر قد أعلن عن رفض المجلس لقرار مجلس النواب سحب الثقة من حكومة الوحدة الوطنية، مؤكداً أن المجلس يعتبر أن القرار باطل لمخالفته الإعلان الدستوري والاتفاق السياسي "وكل ما يترتب عليه باطل". 

وحول ملابسات صدور قرار سحب الثقة، أوضح عضو مجلس النواب جبريل أوحيدة أن قضية الحكومة وضرورة الفصل في وضعها لم تغادر جدول أعمال جلسات مجلس النواب، مؤكداً أن مناقشتها مجددا اليوم جاءت بطلب من أغلبية أعضاء المجلس. وحول ما سيحدث بعد هذا القرار، قال أوحيدة، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن رئاسة المجلس ستطرح خلال ما تبقى من جلسة اليوم أو في جلسة أخرى تحويل الحكومة إلى حكومة تصريف أعمال بناء على المادة 194 من اللائحة الداخلية لمجلس النواب. وتنص المادة 194 من لائحة مجلس النواب الداخلية، والخاصة بتنظيم صدور القرارات، على أنه "إذا قرر البرلمان سحب الثقة بأغلبية أعضائه عدت مستقيلة وتستمر في تسيير الأعمال إلى حين تشكيل حكومة جديدة".