دهمت الأجهزة الأمنية التابعة للنظام السوري، أخيراً، أماكن في محافظة درعا جنوب سورية، تؤوي مصانع ومكابس لإنتاج حبوب مخدر الكبتاغون، لكن هذه الخطوات قوبلت بتشكيك بشأن جدية النظام في تفكيك شبكات تهريب المخدرات التي تؤكد الوقائع أنها مرتبطة بشكل مباشر بالأجهزة الأمنية المتعددة التابعة له.
مداهمات واعتقالات تطاول تجار المخدرات
وأكد "تجمّع أحرار حوران"، وهو كما يعرّف عن نفسه "مؤسسة إعلامية مستقلة، تنقل أحداث الجنوب السوري"، في تقرير له أمس الأربعاء، أن عدداً من مُصّنعي ومهربي المخدرات غادروا محافظة درعا بعد ضربتين جوّتين يُعتقد أن الجانب الأردني نفذهما في 8 مايو/أيار الحالي، واستهدفتا مصنعاً لمادة الكبتاغون، أدّتا إلى مقتل تاجر مخدرات معروف (مرعي رويشد الرمثان) يُعتقد أنه كان وراء عمليات تهريب واسعة من سورية إلى الأردن. وقتل الرمثان مع 6 من أطفاله وزوجته في الغارة.
وبحسب التجمع، فقد قامت أجهزة النظام الأمنية منتصف الشهر الحالي بـ"تنفيذ مداهمات، منها ما طاول مزرعة لتاجر المخدرات رافع الرويس بين بلدتي الندى ومعربة في ريف درعا الشرقي، واعتقلت شخصين كانا موجودين فيها. وأشار إلى أن قوى أمنية دهمت مجمع السالم في بلدة خراب الشحم العائد لتاجر المخدرات حمد مهاوش الخالدي المعروف باسم "أبو سالم الخالدي" والمعتقل منذ 4 أعوام في سجون النظام بسبب خلافات مع النظام نفسه على شحنات مخدرات. وبيّن التجمع أنه تمّ اعتقال شقيق الخالدي وشخص آخر متهم بتجارة المخدرات خلال المداهمة التي حصلت في 14 مايو الحالي، مشيراً إلى أن الخالدي "مرتبط بحزب الله اللبناني والفرقة الرابعة"، التي يقودها ماهر الأسد شقيق رأس النظام بشار الأسد، وهي من أبرز الجهات المتهمة بتصنيع وتهريب المخدرات إلى دول عربية وأوروبية.
الحوراني: النظام يكافح تجار المخدرات بتجار آخرين في درعا
وأورد التجمع في تقريره الكثير من المعلومات والتفاصيل المتعلقة بتصنيع المخدرات تحت إشراف شخصيات أمنية وعسكرية تابعة للنظام. ونقل عن قيادي سابق في فصائل المعارضة تأكيده أن مراكز تصنيع عدة "لا تزال قائمة حتى الآن" في محافظة درعا، مشيراً إلى أنه "في مجمع الغزالي السياحي الواقع في بلدة قرفا، على الأوتوستراد الدولي دمشق – عمان، يوجد أحد أهم مكابس حبوب الكبتاغون".
وأكد المصدر أن "عمليات تصنيع وتهريب المخدرات من مجمع الغزالي تتم بإشراف مباشر من العقيد عمر الغزالي، وبحماية كاملة من العميد خردل ديوب، رئيس قسم المخابرات الجوية في مدينة درعا". وبيّن أن هناك 11 مكبساً حديثاً لتصنيع الكبتاغون في درعا، تتوزع في مناطق مختلفة بينها حقل كريم في اللجاة، مؤكداً وجود مكابس صغيرة أو يدوية، يقدر عددها بما لا يقل عن 80 مكبسا موزعة في عموم محافظات الجنوب السوري (درعا والسويداء والقنيطرة).
النظام السوري يستهدف التجّار الصغار
من جهته، بيّن المتحدث باسم التجمع، أبو محمود الحوراني، لـ"العربي الجديد"، أن النظام "يكافح تجار المخدرات بتجار آخرين في درعا". وأضاف أن "المداهمات التي نفذها جهاز الأمن العسكري ضد تجار مخدرات كانت بقيادة عماد أبو زريق، وهو أحد المتهمين بتجارة وتهريب المخدرات وورد اسمه على لوائح العقوبات الأميركية التي صدرت في مارس/آذار الماضي، إضافة لآخرين بينهم مصطفى المسالمة (الكسم) وهو قائد مجموعة تابعة لجهاز الأمن العسكري التابع للنظام في درعا".
وأضاف الحوراني، أن "أجهزة النظام السوري الأمنية أوعزت إلى تجار المخدرات الكبار بمغادرة سورية إلى لبنان، أمثال رافع الرويس"، معتبراً أن النظام "غير جاد على الإطلاق بالقضاء على شبكات تصنيع وتهريب المخدرات في جنوب سورية". ورأى أن النظام "يمكن أن يعتقل بعض التجار الذين لا يملكون تأثيراً واسعاً في المنطقة لأهداف إعلامية"، مضيفاً أن هدفه المناورة.
ووصلت أول من أمس الثلاثاء رسائل نصية يُعتقد أن مصدرها الأردن إلى أشخاص متهمين بالاتجار بالمخدرات في محافظتي درعا والسويداء تحذرهم من مصير مشابه لمصير الرمثان، وتدعوهم إلى تسليم أنفسهم لحرس الحدود الأردني، في خطوة تؤكد جدية عمان بـ"تحييد" متزعمي شبكات تهريب المخدرات في جنوب سورية. وأحبط الجيش الأردني منذ عام 2018 آلاف محاولات تهريب المخدرات من سورية إلى الأردن على طول الحدود البالغة نحو 375 كيلومتراً.
محمد سالم: التجار والمصنعون الكبار هم جزء من النظام ويحظون بحمايته
وفي حديث مع "العربي الجديد"، قلّل إبراهيم الجباوي، مدير المكتب الإعلامي في "هيئة التفاوض" السورية المعارضة (وهو من أبناء محافظة درعا)، من أهمية عمليات المداهمة التي قامت بها الأجهزة الأمنية ضد مصانع ومكابس لإنتاج المخدرات. وقال الجباوي إنّ النظام دهم منازل أفراد من أبناء المنطقة هم ذيول لتجار الكبتاغون، مؤكداً أن التجار الحقيقيين هم من مليشيات إيران وحزب الله وضباط الفرقة الرابعة.
وأعرب مدير المكتب الإعلامي في "هيئة التفاوض" عن اعتقاده بأن العمليات التي قام بها النظام في درعا ضد بعض مصانع المخدرات "تأتي مقابل خطوة الهرولة العربية إلى حضن ملك الكبتاغون (في إشارة إلى بشار الأسد)". وتساءل: "ماذا يفيد القبض على شخص أو أكثر من الأتباع المنفذين في حين أن المصانع لا تزال قائمة ومحمية وملوك المخدرات ما زالوا يعيثون فساداً في البلاد؟".
في السياق، رأى مدير وحدة تحليل السياسات في مركز "الحوار السوري" للدراسات، محمد سالم، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "النظام يمكن أن يقوم بشكل جزئي بمداهمة صغار التجار بهدف إظهار التعاون مع الأردن والسعودية بعد إعادته إلى الجامعة"، مضيفاً أن "التجار والمصنعين الكبار هم جزء من النظام ويحظون بحمايته". وشدّد على أن "ما يقوم به النظام خطوة مخادعة، وادعاء إعلامي بأنه يكافح تهريب المخدرات".
ويعد ملف تصنيع وتهريب المخدرات من المناطق التي تقع تحت سيطرة النظام السوري من الملفات المعقدة التي ربما دفعت دولاً عربية للتطبيع مع النظام مقابل إيقاف التهريب الذي تفاقم منذ عام 2018 حين استعاد النظام السيطرة على الحدود السورية الأردنية ومعبر "نصيب" الحدودي مع الأردن. ويبدو أن النظام يحاول من خلال العمليات المحدودة التي يقوم بها الإيحاء بأنه ملتزم بتعهده للدول العربية بالعمل على إيقاف تدفق المواد المخدرة إلى الأردن ومنها إلى دول الخليج العربي.
كما يحاول النظام التهرب من مفاعيل قانون أقرته الولايات المتحدة الأميركية أواخر العام الماضي ويدخل حيز التنفيذ منتصف العام الحالي وهدفه "مكافحة اتجار الأسد بالمخدرات وتخزينها".
وكانت تقارير نشرتها صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية نهاية عام 2021، وصحيفة "دير شبيغل" الألمانية منتصف العام الماضي، قدرت أن عوائد المخدرات على نظام الأسد وصلت إلى 5.7 مليارات دولار عام 2021 وحده.