يطرح تشغيل السلطات الحكومية اليمنية لـ"مطار المخا" في المدينة الساحلية التي تقع غربي محافظة تعز (جنوب غرب اليمن)، تساؤلات عن أبعاده الاقتصادية والسياسية والأمنية على اليمن الغارق في حرب للعام الثامن، خصوصاً في ظل الأهمية الاستراتيجية للمخا في البحر الأحمر وأمن الملاحة الدولية.
أول رحلة جوية تهبط في مطار المخا
وهبطت أول رحلة جوية في مدرج المطار يوم الخميس الماضي، وهي طائرة تابعة لمنظمة أطباء بلا حدود، بالتزامن مع تدشين المرحلة الثانية من الإنشاءات في المطار، وفق ما ذكرت وسائل إعلام حكومية. وتشمل المرحلة الثانية من مشروع مطار المخا، إنشاء صالة للمسافرين وإقامة برج للمراقبة، وذلك لتنشيط حركة الملاحة الجوية عبر المطار، ليبدأ في استقبال المسافرين عبر الرحلات الجوية التجارية، وفق ما نقلت وكالة "سبأ" الحكومية.
واعتبر عضو مجلس الرئاسة اليمني، العميد طارق صالح، أن مطار المخا الدولي سيفتح منفذاً جديداً للجمهورية اليمنية مع العالم والإقليم. وقال خلال تدشينه المرحلة الثانية من المشروع: "نحن اليوم نفتتح بدعم من الإمارات باباً ومنفذاً جديداً للجمهورية اليمنية التي فرض عليها الحوثي عزلة إقليمية ودولية بسبب انقلابه على الشرعية".
من جهته، قال محافظ تعز نبيل شمسان إن "مطار تعز المخا يعد أكبر مشروع استراتيجي وحيوي تنموي اقتصادي يخدم محافظة تعز وأبناءها ويخفف من وطأة الحصار والمعاناة الإنسانية الناجمة عن الحرب". وأكد أن "المطار أصبح جاهزاً ومجرباً لاستقبال كافة الرحلات الجوية التابعة لمنظمات الإغاثة الدولية، وسيكون مهيأ تماماً للرحلات التجارية بمجرد الانتهاء من أعمال المرحلة الثانية"، بحسب المكتب الإعلامي للمحافظة.
محافظ تعز: مطار تعز المخا يعد أكبر مشروع استراتيجي وحيوي تنموي اقتصادي يخدم محافظة تعز وأبناءها ويخفف من وطأة الحصار
وتخضع مدينة المخا الساحلية لسيطرة قوات المقاومة الوطنية التي يقودها طارق صالح نجل شقيق الرئيس الراحل علي عبد الله صالح، بالإضافة إلى فصائل عسكرية أخرى تنضوي تحت اسم القوات المشتركة، وهي قوات تناهض جماعة الحوثيين وتقاتل في صفوف القوات الحكومية.
وتقع مدينة المخا على البحر الأحمر جنوب غرب اليمن، وتتبع إدارياً مدينة تعز التي تبعد عنها نحو مائة كيلومتر غرباً. كما تبعد عن مضيق باب المندب 75 كيلومتراً شمالاً، والذي يعد أهم الممرات المائية في العالم، وتقع بالقرب من مدينة الحديدة التي يسيطر عليها الحوثيون وتبعد عن مركزها 170 كيلومتراً جنوباً، وفيها أقدم الموانئ في شبة الجزيرة العربية حيث كان يصدّر البن اليمني إلى كافة دول العالم وعرف باسم "موكا".
ولعقود ماضية ظل الشريط الساحلي في المدينة منفذاً لتهريب البضائع والممنوعات، وحتى المهاجرين الأفارقة الذين يسعون للوصول إلى السعودية. في 2017، أعلنت القوات الحكومية سيطرتها على مدينة المخا، وكان ذلك تحوّلا كبيرا في مسرح الحرب اليمنية حينها.
وخلال السنوات الماضية من الحرب في البلاد، مثّلت مدينة المخا أهمية استراتيجية لعدد من المصالح الدولية التي تركز على حماية الملاحة الدولية وطرق الشحن من التهديدات المحتملة التي قد تطاولها جراء الحرب المستمرة في البلاد.
منفذ لتجاوز حصار الحوثيين
ورأى الصحافي اليمني عبد السلام القيسي أن "أهمية مطار المخا في كونه منفذا جديدا لتعز يتجاوز حصار الحوثيين المفروض على المحافظة ذات الكثافة السكانية، والحديدة أيضاً، وأهم ما في الأمر ارتباطه بإعادة تشغيل ميناء المخا، وتعبيد طريق المخا - تعز، وهذا يربط تعز بالخط الساحلي الممتد إلى العاصمة المؤقتة عدن".
وقال القيسي لـ"العربي الجديد" إن "المخا تتحوّل إلى مدينة ذات مركزية اقتصادية، وتدشين منفذ جوي سيسهم في مساعدة محافظة تعز المحاصرة وتخفيف المعاناة وفتح بوابة إلى العالم وتخليصها من كماشات كثيرة تحول بينها وبين المرور بحراً وجواً بمشروعي الميناء والمطار".
وأضاف: "المدينة تُخلق من جديد في بنيتها التحتية التي شيّدت بوجود المقاومة الوطنية، وهناك مشاريع كثيرة جعلت المطار مشروعاً هاماً يجب أن ينجز، لجلب المستثمرين ورجال المال والأعمال بتجاوز معرقلات المرور في خطوط الحرب عبر الجغرافيا اليمنية".
ويحاصر الحوثيون مدينة تعز منذ العام 2016، عبر المنافذ الرئيسية التي تربطها بالمحافظات اليمنية التي تسيطر عليها جماعة الحوثي، ويضطر السكان للتنقل بطرق وعرة وطويلة تتسبّب بكثير من الحوادث المروعة، بالإضافة إلى التكلفة الباهظة لنقل البضائع واحتياجات المدينة.
وفي محافظة تعز يوجد مطار دولي لكنه خارج الخدمة منذ اندلاع الحرب ويقع تحت سيطرة الحوثيين، التي حوّلته إلى منطقة عسكرية خالية. ولا يعمل في اليمن حالياً سوى ثلاثة مطارات فقط للرحلات التجارية، وهي مطار عدن ومطار سيئون وكلاهما تحت سيطرة الحكومة اليمنية، بالإضافة إلى مطار صنعاء الذي دُشنّت رحلات منه في منتصف مايو/أيار الماضي، ضمن بنود الهدنة المنتهية، بعد ست سنوات من إغلاقه.
خطوة في سياق الصراع على الموانئ والممرات
وفي مقابل الحديث عن التنمية والخدمات، فإن كافة الخطوات في ظل الحرب المستمرة لا يمكن إبعادها عن الصراع على الموانئ البحرية والممرات الدولية. ويرى مراقبون ان خطوة تأسيس مطار المخا، تدخل ضمن خطط أطراف إقليمية لاسترضاء أطراف يمنية وتمكينهم في مناطق ذات أهمية استراتيجية.
وقال رئيس مركز المخا للدراسات، عاتق جارالله، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "هناك حاجة أمنية ربما تتعلق بالزيارات الدولية لمدينة المخا، وهذا المهبط سيمثل نوعاً من التسهيل في التحرك"، متابعاً "كما أن هناك محاولة لتوطين قوات طارق صالح وتجهيزها بكل المتطلبات، من مطار ومعسكرات وربما بعض التجهيزات في الميناء، لأن هذا يمثل عائداً مالياً للمدينة ودعماً لوجستياً وربما حتى سياسياً".
جارالله: هناك محاولة لتوطين قوات طارق صالح وتجهيزها بكل المتطلبات، من مطار ومعسكرات وربما بعض التجهيزات في الميناء
واعتبر أنه "ليس للمطار أي علاقة بالتنمية أو توفير الخدمات للمحافظة، بل هو سياسي بامتياز، يأتي في إطار دعم الصراع في اليمن، وتمكين الأطراف اليمنية كل في منطقة سيطرته"، متابعاً "لو كان الأمر متعلقاً بالتنمية لكنا شهدنا تحركاً في الموانئ والمطارات المغلقة في عدد من المحافظات اليمنية، ولذا لا يمكن قراءته إلا أنه يأتي كأداة لتمكين بعض الأطراف".
ورأى جار الله "أنه يراد لمناطق الساحل الغربي اليمني، أن تُعزل كمحافظة غريبة عن تعز، وقد لمح لذلك أكثر من مسؤول، والهدف بدرجة أساسية خنق مدينة تعز التي تُعتبر الحامل السياسي والثقافي للمشروع الوطني الجمهوري".