تشغيل سد النهضة... محاولات مصرية لتخفيف وقع الصدمة

22 فبراير 2022
أصدرت مصر بياناً مقتضباً بشأن تشغيل سد النهضة (الأناضول)
+ الخط -

لم تجد القاهرة والخرطوم سوى التمسك باتفاق إعلان المبادئ الموقع مع أديس أبابا في العام 2015، والذي لا يلزم إثيوبيا بأي شيء، للرد على إعلانها رسمياً، أمس الأول الأحد، عن انطلاق عملية توليد الطاقة من سد النهضة.

وعلى الرغم من غياب قضية سد النهضة عن وسائل الإعلام المملوكة للمخابرات العامة، ونشر البيان المقتضب لوزارة الخارجية، أول من أمس، فإن مسؤولين سابقين حاولوا التقليل من تأثير خطوة بدء تشغيل السد السلبي على مصر والسودان.

وبعد ساعات من بيان وزارة الخارجية المصرية المقتضب، وصف وزير الري السوداني المكلف ضو البيت عبد الرحمن في تصريح، أمس الإثنين، "بدء إنتاج الكهرباء من سد النهضة بأنه خطوة أحادية وخرق إثيوبي لإعلان المبادئ لعام 2015".

دبلوماسي مصري: كان من المفترض أن تنتفض الدولة، بكل مكوناتها الحكومية والشعبية

وكانت وزارة الخارجية المصرية قد أكدت، رداً على إعلان أديس أبابا رسمياً، أول من أمس الأحد، عن بدء توليد الطاقة من السد، أن "إقدام إثيوبيا على الشروع في توليد الكهرباء من سد النهضة، من دون التوصل لاتفاق قانوني مع دولتيّ المصب، يمثل خرقاً لاتفاق المبادئ".

وأكد دبلوماسي رفيع المستوى، وخبير بارز في القانون الدولي، مصريان، أنه لم يعد هناك سبيل أمام الإدارة المصرية لمنع إثيوبيا من التحكم أحادياً بتشغيل سد النهضة سوى المبدأ الخامس من اتفاقية "إعلان المبادئ"، الموقعة بين مصر والسودان وإثيوبيا في عام 2015. وينص هذا المبدأ على "التعاون في الملء الأول وإدارة السد"، وهو المبدأ الذي لا يلزم إثيوبيا قانوناً بأي شيء.

وقال الدبلوماسي المصري، في حديث خاص لـ"العربي الجديد"، إنه "على الرغم من فداحة الحدث الذي سيسجله التاريخ، والذي وقع في 20 فبراير/ شباط 2022، عندما أعلنت أديس أبابا عن بدء توليد الطاقة من سد النهضة، الذي سيؤدي إلى أضرار كارثية على دولتي المصب (مصر والسودان)، اكتفت الحكومة المصرية بإصدار بيان من 4 أسطر فقط".

وأكد أنه "كان من المفترض أن تنتفض الدولة، بكل مكوناتها الحكومية والشعبية، من أجل إيصال رسالة واضحة وقوية لكل دول العالم بأن إثيوبيا تخرق كل الأعراف والمواثيق الدولية، وتتسبب في أضرار أمنية وبيئية وإنسانية جسيمة لمصر والسودان".

غياب قضية سد النهضة عن وسائل الإعلام المصرية

 

إعلامياً، غابت قضية سد النهضة عن معظم وسائل الإعلام المصرية، المملوكة مباشرة للمخابرات العامة، التي اكتفت بنشر بيان وزارة الخارجية المصرية فقط، دون الخوض في أي تفاصيل فنية أو سياسية خاصة بالأزمة.

وبينما اختفت التغطية الخاصة بأزمة سد النهضة في الإعلام المصري بعد الإعلان الإثيوبي، ظهرت بعض الأصوات في وسائل الإعلام القليلة المتبقية خارج منظومة إعلام المخابرات تخفف من وقع صدمة الإعلان عن تشغيل سد النهضة.

وقال وزير الري الأسبق الدكتور محمد نصر علام، في تصريحات صحافية، إن إعلان بدء توليد الكهرباء من سد النهضة "يستهدف الداخل الإثيوبي"، واعتبر أن تشغيل توربين واحد فقط من إجمالي توربينين انتهت أديس أبابا من تركيبهما يعد "فشلاً كبيراً للحكومة الإثيوبية".


محمد نصر علام: إعلان بدء توليد الكهرباء من سد النهضة يستهدف الداخل الإثيوبي


وأضاف علام أن "السعة الحالية لسد النهضة، مع تشغيل توربين واحد فقط، لن تمكِّن إثيوبيا من توليد أكثر من 50 ميغاوات فقط. والحديث عن إنتاج 375 ميغاوات يشار بها إلى السعة القصوى لقدرة التوربين، ومن غير الممكن حالياً الوصول إليها".

علام قلل من تأثير الخطوة السلبي على مصر والسودان، وقال إن هناك "تأثيراً إيجابياً، وهو أن المياه التي خزنتها إثيوبيا خلال العامين الماضيين ستعود إلينا"، وأضاف: "السؤال هنا لإثيوبيا: لماذا حجزت المياه كل هذه المدة دون استخدام، ومن ثمّ فقد جزء من المياه نتيجة للتبخر والتسرب دون أن يستفيد منها حتى الشعب الإثيوبي؟"، لكنه، في الوقت ذاته، لم ينكر مخاوفه من تفاقم أزمة السد في المستقبل.

وأوضح وزير الري السابق أن "استخدام المياه يعني تفريغ جزء من بحيرة تخزين سد النهضة، ومن ثمَّ تجفيف الممر الأوسط، الذي تمر منه المياه حالياً باتجاه مصر والسودان، ما يعطي إثيوبيا فرصة للتعلية تمهيداً للملء الثالث، وهو ما يزيد المشهد تعقيداً، في ظل وضع عالمي مأزوم، وما فيش حد فاضي لحد".

الوضع في أوكرانيا يضر بموقف مصر

 

وكان دبلوماسي مصري سابق وخبير في الشؤون الأفريقية قد قال، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إن "انشغال الولايات المتحدة والغرب بالوضع في أوكرانيا، يضر بموقف مصر في قضية سد النهضة".

وأوضح أن "القاهرة كانت تعول كثيراً على دعم غربي في هذه القضية، يتمثل في الوساطة بينها وبين أديس أبابا. لكن الوضع الملتهب على الحدود الأوكرانية الروسية، وشعور الغرب بالخطر الشديد، يجعل قضية سد النهضة هامشية بالنسبة للمعسكر الغربي".

وكان من ضمن المتابعات القليلة للإعلان الإثيوبي في الإعلام المصري التصريحات التي وردت على لسان المساعد الأسبق لوزير الخارجية السفير محمد حجازي. وأكد حجازي، خلال مداخلة مع الإعلامي أحمد موسى، أن إثيوبيا "كسرت القواعد المتفق عليها، ومنها مبدأ بناء الثقة وأمان السد، وخرقت التزاماتها في اتفاقية إعلان المبادئ الخاصة بالسد".

الانشغال الغربي بالأزمة الأوكرانية يجعل قضية سد النهضة هامشية (ميناسي وينديمو هايلي/الأناضول)

وأوضح حجازي أن "السنغال ستستضيف في 17 مارس/ آذار المقبل منتدى المياه العالمي. وستكون مشاركتنا فاعلة في هذا الأمر، ولن تكون قضية سد النهضة بعيدة عن النقاش"، وأكد أن مصر "تعطي مساحة للحلول والرؤى الخاصة بالمصالح، لكن أي اضطراب في المنطقة لن يكون خاصاً بإثيوبيا، وهو سينعكس على الجميع".

واعتبر أن "آليات عمل مجلس الأمن توصي بالآليات الإقليمية (يقصد الاتحاد الأفريقي)، وإن فشلت بعدها يتم اللجوء لمجلس الأمن. وواردة جداً العودة لمجلس الأمن إذا لم تتمكن الرئاسة السنغالية من التوصل لاتفاق بين الأطراف. وأظن أن الرئاسة السنغالية تحمل بعض الخير".

الخبير البارز في القانون الدولي أكد، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن "التعويل على دور لمجلس الأمن الدولي لن يؤدي إلا إلى فشل جديد، يضاف إلى المرتين السابقتين، عندما توجهت مصر بالقضية إلى المجلس".

وقال الخبير إنه حتى البيان الرئاسي الصادر عن مجلس الأمن الدولي، في سبتمبر/ أيلول الماضي، والذي حث مصر وإثيوبيا والسودان على استئناف المفاوضات، بدعوة من رئيس الاتحاد الأفريقي، بهدف وضع صيغة نهائية لاتفاق مقبول وملزم للأطراف، وعلى وجه السرعة، بشأن ملء وتشغيل سد النهضة ضمن إطار زمني معقول، لا يحوز على الإلزامية والحجية القانونية لقرارات أو توصيات مجلس الأمن.

وأوضح أن البيان الرئاسي "يعبر عن التصور التوافقي لأعضاء المجلس تجاه مطلب دولة، أو دول النزاع"، وأضاف أن "البيان الرئاسي لا يتجاوز البيان السياسي الذي يصدر عقب مؤتمر دولي، أو اجتماع متعدد الجنسيات، يعكس أماني سياسية غير إلزامية للدول مصدرة البيان، كما أنه لا ينسخ (يلغي) قراراً لمجلس الأمن، والعكس صحيح".


خبير مصري: التعويل على دور لمجلس الأمن الدولي لن يؤدي إلا إلى فشل جديد


وقارن الخبير بين "قرار مجلس الأمن بشأن أفغانستان الذي صدر بالإجماع، وبيان مجلس الأمن الرئاسي الخاص بسد النهضة، والذي صدر أيضاً بالإجماع. فالأول ملزم ونافذ في مواجهة كافة الدول الأعضاء وغير الأعضاء في الأمم المتحدة، والثاني ليس ملزماً لعضو واحد في المنظمة أو خارجها بالطبع".

وأشار إلى المرة الأولى التي تم فيها عرض القضية على مجلس الأمن الدولي، والتي وصفها بالمحاولة "الفاشلة" أيضاً، حيث لم يصدر أي قرار بشأن مشروع تقدمت به تونس لأعضاء المجلس يدعو إلى التوصل لاتفاق ملزم بين إثيوبيا والسودان ومصر بشأن تشغيل السد خلال ستة أشهر.

وأوضح الخبير أن "جميع الدول الـ15 الأعضاء بالمجلس رفضت إصدار قرار، وأكدت على ضرورة إعادة المفاوضات تحت رعاية الاتحاد الأفريقي بشكل مكثف لتوقيع اتفاق قانوني ملزم يلبي احتياجات الدول الثلاث، ويؤدي إلى تخفيف التصعيد الذي يؤثر مباشرة على المنطقة والقارة الأفريقية".

إعلان إثيوبيا لا يلغي الوضع القانوني لقضية السد

 

وأكد أن "إعلان إثيوبيا عن بدء تشغيل سد النهضة لا يلغي الوضع القانوني للقضية، والذي لم تلتزم فيه إثيوبيا بتعهداتها التي وردت في اتفاقية إعلان المبادئ الموقعة عام 2015، وبخاصة المبدأ الخامس، كما لا ينفي الحقوق التاريخية لمصر والسودان في مياه النيل، إلا أنه أصبح أمراً واقعاً يجب التعامل معه بجدية".

وينص المبدأ الخامس من الاتفاقية، الخاص بالتعاون في الملء الأول وإدارة السد، على "تنفيذ توصيات لجنة الخبراء الدولية، واحترام المخرجات النهائية للتقرير الختامي للجنة الثلاثية للخبراء حول الدراسات الموصى بها في التقرير النهائي للجنة الخبراء الدولية خلال المراحل المختلفة للمشروع".

وتهدف التوصيات إلى "الاتفاق على الخطوط الإرشادية وقواعد الملء الأول لسد النهضة، والتي ستشمل كافة السيناريوهات المختلفة، بالتوازي مع عملية بناء السد، والاتفاق على الخطوط الإرشادية وقواعد التشغيل السنوي لسد النهضة، والتي يجوز لمالك السد ضبطها من وقت لآخر، وإخطار دولتي المصب بأي ظروف غير منظورة، أو طارئة، تستدعي إعادة الضبط لعملية تشغيل السد"، وهو ما لم تلتزم به إثيوبيا، حسب ما يقوله الخبير.

المساهمون