تواصل المنظمات الوطنية التونسية مشاوراتها التي أعلنت عنها بشأن المبادرة الوطنية لإنهاء الأزمة السياسية، وهي الاتحاد العام التونسي للشغل، والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، وعمادة المحامين التونسيين، على أن تتوسع مستقبلاً لتشمل منظمات أخرى، من بينها منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وفق ما كان أكده لـ"العربي الجديد" المتحدث الرسمي باسم الاتحاد العام التونسي للشغل والأمين العام المساعد سامي الطاهري.
ومع استمرار المبادرة، تطرح أسئلة عدة في الساحة التونسية بشأن ما إذا كانت ستشمل الرئيس قيس سعيّد أم لا؟ وهل ستكون تحت سقف 25 يوليو/ تموز، خصوصاً أن المعارضة لا ترَى حلاً يتضمن قيس سعيّد أصلاً، أم قد تتجاوزه؟ وهل سيقبل الأخير بالحوار والتنازل عن مشروعه أو جزء منه؟ وما هي آفاق هذه المبادرات المتعددة في الساحة؟
سامي الطاهري صرّح لـ"العربي الجديد": "نحن نتمنى أن يكون الحوار في نطاق التواصل مع أجهزة الدولة، ولكن إذا كان الرئيس رافضاً، فلن نقبل بالبقاء في وضعية المتفرج، وبالتالي نحن نرغب في أن يقبل بالحوار، ولكن هذه المرة لن يكون كما حدث سنة 2020، عندما قدمنا له مبادرة وافق عليها ثم أضاع سنتين، ونحن في 2023 ولم نتقدم أي خطوة".
وحول الرفض المحتمل للرئيس للمشاركة في الحوار، وإمكانية المضي فيه من دونه، قال الطاهري: "من المتوقع جداً ذلك إذا كان هو مصراً على عدم إجراء أي حوار".
وكان عميد المحامين التونسيين حاتم المزيو أكد في "يوم الغضب" الذي أحياه المحامون، الخميس الماضي، أنه "وقّع الاتفاق على تقديم المبادرة إلى رئيس الجمهورية"، معبراً عن "الأمل في أن يتفاعل الرئيس سعيّد معها إيجاباً".
وأضاف المزيو، في تصريحات صحافية: "نأمل في أن يتفاعل الرئيس إيجابياً مع المبادرة حتى تكون الإصلاحات من خلالها إصلاحات تشاركية، تتضمن توافقا بين مكوّنات المنظمات الوطنية ومؤسسة رئاسة الجمهورية"، مشيراً إلى أنّه "تم الاتفاق على تكليف لجنة لإعداد محاور المبادرة وصياغتها، ثم سيعلن عنها بصفة رسمية".
وبدا الرئيس قيس سعيّد وكأنه يجيب بطريقة غير مباشرة على هذه التحركات والطلبات، عندما أعلن بوضوح، الإثنين، أنه يستعد للدور الثاني من الانتخابات التشريعية، أي استمراره في خريطة طريقه كما تحدّدت منذ البداية، ما يمكن أن يقلّص من حظوظ تجاوبه مع هذه المقترحات الجديدة.
مبادرة إنقاذ شاملة
وأوضح المتحدث باسم منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية (إحدى المنظمات المدعوة للمشاركة في مبادرة الاتحاد) رمضان بن عمر، لـ"العربي الجديد"، أن "المبادرة التي تناقشها المنظمات الوطنية والمدنية تختلف عن مبادرة الحوار الوطني لعام 2013، التي كانت ذات بعد سياسي بحت، لأن الأزمة التونسية اليوم متعددة الأبعاد حالياً، ويتداخل فيها السياسي والاجتماعي والاقتصادي، ما يتطلب برأينا مبادرة إنقاذ شاملة، تنخرط فيها مختلف القوى الفاعلة في البلاد، وتلتزم أيضاً بتطبيقها".
وأضاف بن عمر أن "الإعلان الرسمي عن المبادرة التي يقودها الاتحاد العام التونسي للشغل سيطرح حلولاً شاملة لكل هذه المجالات، من أجل تفادي الانهيار الذي يحدق بالبلاد، وقد يكون الإعلان عنها قبل أو بعد الدور الثاني من الانتخابات".
وبخصوص إصرار سعيّد على الدور الثاني من الانتخابات، قال المتحدث باسم منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية إن "المبادرة ليست مرتبطة بالمواعيد الانتخابية، ولكنها ستعمل على طرح حلول يتعيّن على الرئيس سعيّد التفاعل معها".
وحول مدى إمكانية تفاعله مع هذه المبادرة، اعتبر بن عمر أن "قيس سعيّد سيتحمل تبعات ذلك، لأن الأزمة خانقة، والبلاد لا يمكنها أن تنتظر أكثر"، لافتاً إلى أن "الرئيس يمسك بالسلطات الكاملة منذ قرابة السنتين، ومع ذلك لم يقدّم حلولاً، ولم يضع البلاد على سكة الإصلاح"، معتبراً أنه "يتمسك بمساره السياسي الذي انفرد في وضعه وتنفيذه، رغم أن كل المؤشرات تؤكد أن هذا المسار فقد داعميه".
"دور سعيّد انتهى"
بدوره، رأى عضو "جبهة الخلاص" ورئيس "حزب العمل والإنجاز" عبد اللطيف المكي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "الرئيس ميؤوس من استجابته لأي دعوة للحوار، ولكن أعتقد أنه قد يكون على المنظمات أن تعرض رغم ذلك مبادرتها أمام الرأي العام، وتعلن تقديمها للرئيس حتى إن رفضها".
وتابع المكي: "الرئيس يعتبر أن أي مبادرة فيها حوار حقيقي ستلغي مساره، وبالتالي لن يقبلها طبيعةً، ولن يقبل مآلاتها".
وأفاد رئيس "حزب العمل والإنجاز" بأن "هذه المبادرة يراد لها أن تكون تحت سقف 25 يوليو، ولكن لن يقبل بها سعيّد، لأنه يريد أن يبقى ممسكاً بكل السلطات"، مشيراً إلى أن "الحوار لن ينجح إذا لم يكن دامجاً للجميع، ومستعيداً للديمقراطية، ومحافظاً على الشرعية، وهذا الحوار لن ينجح لأن سعيّد لن يقبل به، ولا بالإشراف عليه، ولا بقبول نتائجه".
وأضاف: "قيس سعيّد يقود البلاد إلى أزمة وانفجار اجتماعي واقتصادي وسياسي، والحلّ الوحيد في حوار يجمع كلّ الأطراف والقوى، على أن يعيد الكلمة للشعب عبر انتخابات وحكومة إنقاذ وطني". وشدد على أن "المبادرات الصحيحة هي التي تعتبر أن دور سعيّد انتهى، وهو في الحقيقة من أنهى دوره من خلال مساره الخاطئ".
أمّا الأمين العام السابق لـ"التيار الديمقراطي" غازي الشواشي فقال: "من الواضح أن مبادرة هيئة المحامين واتحاد الشغل ورابطة حقوق الإنسان تحت سقف 25 يوليو، ولها إشكال مع قانون المالية والوضع الاقتصادي، وستُقدم لقيس سعيّد كما أعلن العميد، وبالتالي ستبقى رهينة موافقته".
ولفت الشواشي، في حديث إلى "العربي الجديد"، إلى أن قيس سعيّد "لا يؤمن بالحوار، وسبق أن رفضه عندما طرح عليه في السابق منذ أكتوبر/تشرين الأول 2020، ورفض كذلك أغلب الدعوات، حتى تلك التي أطلقها اتحاد الشغل في نوفمبر/تشرين الثاني من العام نفسه، وبالتالي فهو مضيعة للوقت، وربما يكون ضرورة في مرحلة أولى لإقامة الحجة على قيس سعيّد أمام الرأي العام".
وتابع: "الطاهري قال إنه لو رفض سعيّد الحوار فسنواصل ونذهب إلى سيناريوهات أخرى ولن نتوقف، وهي في كل الحالات محاولات مهمة للخروج من الأزمة، ولكن أي مبادرة أو خريطة طريق لا تضم الأطراف السياسية والمدنية الفاعلة سيكون مآلها الفشل".
وشدد الأمين العام السابق لـ"التيار الديمقراطي" على أن "تونس للجميع، وليست حكراً على أطراف، والديمقراطية تشاركية أو لا تكون، ولكن فرض مخرجات على أطراف وإقصاء أخرى سيجد تعطيلاً ويغيّب الإجماع، وحتى الجهات الأجنبية تؤكد ضرورة أن تكون الحلول تشاركية".
من جهته، اعتبر الأمين العام لـ"الحزب الجمهوري" عصام الشابي، أن "صياغة مبادرة وطنية وتوجيهها إلى رئيس الجمهورية هي بمثابة الحرث في البحر، وتوجيه رسالة إلى العنوان الخطأ". وأضاف، في تدوينة عبر صفحته في "فيسبوك"، أن "تونس لم تعد تتحمل مزيداً من إضاعة الوقت والجري وراء السراب".