تسويات وهمية جنوب سورية: تمرير وقت لما بعد الانتخابات

24 فبراير 2021
تسمح "التسوية" بالتجول من دون اعتقال الأشخاص (محمد أبازيد/فرانس برس)
+ الخط -

يجهد النظام السوري، بكل السبل، لتمرير إعادة انتخاب رئيسه بشار الأسد دون أي منغصات. وإن كان نجح إلى اليوم بتعطيل الحل السياسي، إلا أنه لا يأمن ما قد يخبأ له في العديد من المناطق، كحال الجنوب السوري، الذي يعد قنبلة موقوتة، جراء ازدياد السخط عليه، مع تدهور الأوضاع المعيشية والانتهاكات الأمنية وانتشار السلاح وتعدد أطراف الصراع، ما يهدد مسرحية الانتخابات الرئاسية، صيف العام الحالي. ولعل إحدى تلك المحاولات إشغال الجنوب بما يسميها "تسويات" للعسكريين والمطلوبين أمنياً بعمر 6 أشهر، تؤمن صمت شريحة واسعة من المجتمع مقابل أمل والخلاص من الملاحقات.
واللافت في تلك "التسوية"، التي تبناها الروس، وإن كان عرابها الحقيقي شعبة المخابرات العامة، وبدأت في درعا نهاية العام الماضي وفي السويداء أخيراً، أنها تعد من يوافق عليها بفترة سماح تمتد إلى 6 أشهر، يزود خلالها بورقة خاصة تسمح له بالتجول في مناطق النظام دون أن يتم اعتقاله، على أن يلتحق المنشقون والمستنكفون بعدها بقوات النظام. كما تعد بأن يتم إنهاء الإجراءات الأمنية بحق المدنيين، على أن يتعهدوا بعدم التظاهر وعدم التعرض لقواته. وتعد فترة الـ6 أشهر كافية لإنجاز الانتخابات دون أي مظاهر تنديد بها، خاصة أن النظام يشل حياة شريحة واسعة من المجتمع بهذه الإجراءات.

الحوراني: بين الحين والآخر يخرج علينا النظام بتسوية ما لكن جميعها تفتقد المصداقية

"من جرب المجرب كان عقله مخرب" مثل شعبي بدأ به أبو عبدالله رفاعي، من درعا، حديثه مع "العربي الجديد". وقال "لم يصدُق النظام مع السوريين يوماً. وحتى في النشرة الجوية التي كان يبثها التلفزيون الرسمي، كان يضطرنا لمتابعة النشرة الجوية على التلفزيون الأردني. وفي 2018 أجرى أهالي درعا تسوية مع الأفرع الأمنية التابعة للنظام، إلا أننا اكتشفنا أنه قسم درعا إلى معتقلات كبيرة، الريف الشرقي تحت سيطرة الأمن العسكري، والريف الغربي الشمالي متداخل ما بين المخابرات الجوية والفرقة الرابعة ومليشيات مدعومة من حزب الله اللبناني وإيران". وأضاف "لم يكن لتلك التسويات أي منفعة، فأي شخص ينتقل من منطقة إلى أخرى، أو يراجع دائرة رسمية، عرضة للاعتقال، حتى أصبح عدد المعتقلين بالمئات ومنهم من فقد حياته بالمعتقل، في حين لم يف الروس والنظام بتعهداتهم، وخاصة إطلاق سراح آلاف المعتقلين. وحتى رئيس شعبة المخابرات الجوية جميل حسن قال لنا في 2018: يجب أن تنسوا المطالبة بالمعتقلين قبل 2014".
ودرعا التي وضع أبناؤها أمام خيارات التهجير أو التسويات اختاروا البقاء. وكان كل اعتقادهم بأن الروس لن يسمحوا للنظام بالتنكيل بهم، وأن يديروا هم شؤونهم المحلية. وبالفعل نشر النظام حواجز عسكرية بين المدن والبلدات، إلا أنه لم يوفر فرصة لاستفزاز الأهالي، وفي حال أي رد يبدأ بجلب التعزيزات والتهديد باقتحام المنطقة فيأتي الروس، وباسم التسوية، لوضع الأهالي أمام خيارات أحلاها مر، فإما التهجير أو التسوية وتسليم المزيد من السلاح الفردي، ما يعطي النظام المزيد من الهيمنة.

تقارير عربية
التحديثات الحية

وتتعدد "التسويات والنتيجة ذاتها"، بحسب الناشط الإعلامي أبو محمد الحوراني، في الريف الغربي من محافظة درعا. وقال "بين الحين والآخر يخرج علينا النظام بتسوية ما. مرة تسوية للمنشقين، ومرة للمدنيين، وأخرى للمطلوبين أمنياً، وحتى أن هناك تسوية لمن يعمل في الفصائل التابعة لروسيا أو النظام. لكن جميعها تفتقد المصداقية، فالكثير ممن وافق على هذه التسويات فوجئ بعد بضعة أسابيع بعودة الإجراءات الأمنية بحقه. لكن كثيرا من الأشخاص مجبرون على القيام بهذه التسوية لما تشكله من فرصة لإنجاز بعض القضايا الرسمية، من استخراج بطاقة شخصية إلى معاملات البيع والشراء وغيرها من الأمور التي ربطها النظام بالحصول على موافقات أمنية". ولفت، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن "الثقة اليوم معدومة بين الأهالي والنظام، فالغالبية الساحقة من المنشقين لم يجروا التسوية الأخيرة، إذ سبق أن أجروا تسوية في 2018، ومنهم من غُيب، ومنهم من عاد للخدمة، إلا أنهم سرعان ما انشقوا من جديد، بسبب عدم وفائه بتعهداته، بل ومعاملته الانتقامية".
وبين الحوراني أن "الناس تعيش على أمل أن يكون هناك حل قريب في سورية، مع اقتراب الانتخابات الرئاسية. حيث إن الغالبية تنتظر رحيل الأسد، في وقت أصبحت تميل إلى أن تكون مناطقهم محميات لهم من بطش النظام". وتوقع أن "رشح الأسد نفسه خروج العديد من التظاهرات ضده بكل أرجاء سورية، وليس درعا فقط. وقد بدأت التحركات المناهضة لتلك الانتخابات حالياً، مثل الكتابات المناهضة للانتخابات، بالرغم من أنه يكيل الوعود للأهالي مع اقتراب الانتخابات، من التسويات إلى إطلاق سراح المعتقلين، إلى تأمين الخدمات الأساسية المعيشية، والتي إلى اليوم لم يتحقق شيء منها".
وليس الوضع في السويداء، ذات الغالبية من طائفة الموحدين الدروز، وجارة درعا من الجهة الشرقية، أفضل، حيث يحاصر النظام عشرات آلاف الأشخاص من أبنائها المستنكفين عن الخدمة العسكرية والملاحقين أمنياً لنشاطهم السياسي أو المدني، بعد أن منعت الفصائل المحلية، وعلى رأسها "حركة رجال الكرامة"، الأجهزة الأمنية من اعتقال أي من أبنائها على خلفية هذه الأسباب. ويزيد تسارع انهيار الوضع الاقتصادي من الاحتقان الشعبي، الأمر الذي يمكن أن يُلمس بأحاديث الناس في الشارع، وإن كان ذلك ظهر بشكل أوضح أخيراً في ردود الفعل على تعرض شيخ العقل لدى الموحدين الدروز حكمت الهجري، لما وصف بالإهانة من قبل رئيس فرع الأمن العسكري في المنطقة الجنوبية لؤي العلي. فتم تمزيق صور الأسد وشتمه ومطالبته بتقديم اعتذار للشيخ والطائفة، وهذا ما دفع الأسد للاتصال بالهجري.

معروف: الملف الضاغط على الأهالي اليوم هو الموافقات الأمنية

وبدأ الروس بطرح تشكيل لجنة تسوية، شبيهة بلجنة درعا نهاية العام الماضي، على الوجهاء ومشايخ العقل، لكن لم يكن ما تسرب عن معظم تلك اللقاءات مشجعا، بحسب الناشط أبو جمال معروف (اسم مستعار لأسباب أمنية). وقال، في حديث مع "العربي الجديد": "قيل لهم حينها هذه التسوية كسابقاتها لن تنجح، لأن الأسباب الطاردة للشباب من الخدمة العسكرية ما زالت قائمة، من سوء التعامل وظروف الخدمة إلى الوضع الاقتصادي. لذلك سيتم حصاد ذات النتائج، فقد سبق أن التحق الكثير من أبناء المحافظة بالخدمة في العام 2019، ولكن ما هي إلا أشهر قليلة حتى عاد الجميع. واليوم الثقة معدومة".
وأضاف معروف "الملف الضاغط على الأهالي اليوم هو الموافقات الأمنية، حيث يوجد أعداد كبيرة محرومة من إجراء أي معاملة رسمية، لا بيع ولا شراء ولا استئجار. وقد يكون ذلك بسبب منشور على وسائل التواصل الاجتماعي، في حين لدينا شريحة كبيرة من الفاعلين بالعمل المدني والسياسي يضيق النظام عليهم، عبر الإجراءات الأمنية بهدف شل حركتهم ومنعهم من السفر، وغالبية هؤلاء مطلوبون للأمن العسكري". ولفت إلى أن "كثيرا منهم، وبعد الواسطة والرشاوى، أغلق ملفهم لبضعة أسابيع فقط، ثم تمت إعادة طلبهم أمنياً، أو إعطاؤهم إذن سفر لمرة واحدة لدفعهم للخروج دون عودة". ورأى أن "النظام يساوم شريحة واسعة من المناهضين له لتمرير فترة الانتخابات بهدوء، عبر بدء اللجنة بعملية التسويات في وقت سابق من الشهر الحالي، بغض النظر عن التهم الموجهة للشخص أو التقارير التي بحقه، إن كان فاراً من الخدمة، أو مستنكفاً عنها، أو لديه موقف سياسي معارض، أو ناشطا مدنيا، أو حتى ارتكب أعمالاً غير مشروعة. جميعهم يوقعون على ذات التعهد بعدم الخروج في تظاهرات مناهضة للنظام، أو التعرض للشرطة والقوات النظامية. وفي المقابل يحصل الشخص على ورقة تسمح له بالتنقل داخل مناطق النظام دون أن يتعرض للاعتقال لمدة 6 أشهر. وحتى اليوم ينتظر الأشخاص موافقة مكتب الأمن الوطني على تلك التسوية".
من جانبه، قال حسام.ف، أحد الشبان الذين تقدموا إلى التسوية في السويداء، في حديث مع "العربي الجديد": "لست بحاجة إلى ورقة للسياحة في مناطق السلطة، إنني بحاجة للحصول على موافقة أمنية لإنجاز معاملة إرث. فبسبب وضعي الأمني، مصالح عائلتي كاملة معلقة، ولدي التزامات عقارية معلقة أيضاً. أحتاج لتسوية لأنجز هذه الأمور، ومن بعدها فليعد الإجراء، لا مشكلة لدي". ورأى أن "النظام يعمل حالياً لتسويق إجراء الانتخابات، وما فترة الستة أشهر الممنوحة إلا لتعليق الأشخاص وعائلاتهم بأمل الخلاص من الضغوط الأمنية. أنا سبق وأجريت تسوية مع الأمن، إلا أن الإجراء الأمني تجدد بحقي بعد أقل من 6 أسابيع".
بدوره، أفاد مصدر مقرب من الأجهزة الأمنية بأن "مصير الأشخاص الذين يجرون التسوية غير معروف، حيث يقتصر الأمر على إعطاء ورقة سماح تنقل لمدة 6 أشهر، بانتظار أن يصل قرار الأمن الوطني بحقهم، بالموافقة أو الرفض، أو عدم اتخاذ أي إجراء، أي بقاء الحال على وضعه. لا شيء مضمون ولا أحد بالأصل لديه معلومات مؤكدة عن نية النظام". ولفت إلى أن "المجتمع اليوم غير واثق بالتسويات بسبب الأخطاء السابقة وعدم التنسيق بين الأجهزة الأمنية".

المساهمون