عادت الخلافات الإسرائيلية الداخلية إلى الواجهة في ذروة الحرب على قطاع غزة، بعد تسريب مسودّة قرار للمحكمة العليا، حول قانون إلغاء "حجة المعقولية"، أحد قوانين خطة التعديلات القضائية التي تخوضها حكومة الاحتلال الإسرائيلي بهدف تقويض القضاء.
وتواترت منذ الليلة الماضية، الأصوات التي تحذّر من تصاعد الخلافات والعودة إلى الانقسام الكبير الذي شهدته إسرائيل قبل الحرب، بل ذهب بعضهم للتحذير من "حرب أهلية"، وهي أصوات سادت المشهد الإسرائيلي قبل الحرب، خاصة في التظاهرات الضخمة التي شهدت مواجهات مع الشرطة.
يأتي ذلك عقب كشف القناة 12 العبرية، الليلة الماضية، نية المحكمة العليا إلغاء القانون الذي صنّفه الكنيست ضمن قوانين الأساس، وعليه ستكون المرة الأولى منذ إقامة إسرائيل، التي تشطب فيها المحكمة قانون أساس.
وأشارت القناة إلى أن "قضاة المحكمة الـ15 انتهوا مؤخراً من صياغة القرار بعد التقدّم بالتماسات ضد القانون، وأن 8 من بينهم على رأسهم رئيسة المحكمة المنتهية ولايتها إستير حيوت، أيدوا شطب القانون، فيما عارض سبعة قضاة القرار".
وكان الكنيست الإسرائيلي قد صوّت على قانون إلغاء حجة المعقولية في نهاية شهر يوليو/ تموزالماضي، بهدف حرمان المحكمة من إمكانيات التدخّل في قرارات الوزراء، حتى لو كانت غير منطقية ولاواقعية، وتشتمل على تضارب مصالح ومفاسد.
وكانت تظاهرات واسعة شارك بها مئات الآلاف، قد خرجت في تل أبيب ومناطق أخرى على مر الشهور التي سبقت الحرب على قطاع غزة، من أجل الضغط على الحكومة لعدم المضي في خطة التشريعات القضائية التي وصفها البعض بأنها ستقود إلى حكم ديكتاتوري وتهدد الديمقراطية والحريات.
ويُعتبر تسريب قرار المحكمة العليا سابقة خطيرة، الأمر الذي قد يقود إلى تحقيقات، وأشار موقع "واينت" (موقع صحيفة يديعوت أحرونوت) على الإنترنت، اليوم الخميس، إلى أن الأجواء داخل المحكمة العليا مشحونة جداً بين القضاة، وأنهم قد يخضعون لآلة "كشف الكذب" من أجل التعرّف على هوية مسرّب القرار.
وتشير التقديرات إلى أنه حتى لو لم يكن أحد القضاة قد سرب المسوّدة مباشرة إلى وسائل الإعلام، فربما سربها إلى أحد السياسيين الإسرائيليين، والذي قام بدوره بتسريبها إلى الإعلام من أجل إحراج المحكمة العليا وجهاز القضاء، بينما ذكرت صحيفة "هآرتس"، اليوم الخميس، أن المحكمة العليا قد تسارع في أعقاب التسريبات إلى نشر قرارها.
ويخدم التسريب عملياً مركبات الائتلاف الحاكم التي شرّعت القانون وتعمل من أجل التصدي لإلغائه من قبل المحكمة، ما سيمنحها قبل صدور القرار بشكل رسمي، مساحة للضغط على المحكمة وافتعال خلافات إضافية وتأجيج الأوضاع الداخلية.
وطوال الفترة السابقة، رفض رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ووزير القضاء ياريف ليفين، ووزراء آخرون التصريح بأنهم سيلتزمون بقرار المحكمة.
وتعقيباً على التسريب، قال وزير القضاء ياريف ليفين، عرّاب خطة التشريعات القضائية وقائدها: إن "مواطني إسرائيل ينتظرون من المحكمة العليا عدم نشر قرارها المثير للجدل حتى بين قضاتها، خلال الحرب".
وأضاف: "فيما يحارب جنودنا إلى جانب بعضهم البعض على الجبهات المختلفة، وفي الوقت الذي يتألم فيه الشعب بأسره، بسبب خسارة حياة الكثيرين، ممنوع تمزيق شعب إسرائيل بالخلافات".
وناشد ليفين المحكمة العليا "التصرف بمسؤولية وعدم خلق انقسام عميق في أوساط الإسرائيليين".
واعتبر وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، أن "شطب قانون أساس لأول مرة في تاريخ الدولة وبأغلبية ضئيلة، هو أمر مؤسف ويعمّق الانقسام أكثر".
أما رئيس لجنة القانون والدستور البرلمانية، سيمحا روتمان، فاعتبر أن إصدار قرار قضائي غير مسبوق يغير أسس دولة إسرائيل بفارق صوت واحد، هو عمل يفتقد لأدنى مستويات المسؤولية الوطنية، قائلا: "أدعو المحكمة العليا للامتناع عن خلق انقسام، الشعب في غنى عنه".
من جانبها، قالت رئيسة حزب العمل المعارض، ميراف ميخائيلي: إن " تسريب قرار المحكمة بشأن إلغاء حجة المعقولية يشكل مساً خطيراً بسلامة الإجراء القضائي، وكذلك تأطير اليمين للقضية بحديثه عن انقلاب قضائي آخر.. جميعنا نعلم أنه لا يوجد هنا أي انقلاب وإنما تطبيق لأسس الديمقراطية الإسرائيلية وقيام المحكمة بواجبها المهني (..)، كان من الأفضل ألا يكون هذا القانون موجوداً من الأساس، وسيكون من الجيد إلغاؤه".
وكتبت النائبة في الكنيست الإسرائيلي، كارين الهرار، التي تمثل المعارضة في لجنة اختيار القضاة، أن "مطالبة ليفين المحكمة بالامتناع عن نشر قرارها القضائي تدل على قلة فهم أساسية في ما يتعلق بعمل قضاة المحكمة العليا، هم ليسوا سياسيين وواجبهم هو الحكم في الدعاوى دون توجيه من أي جهة ولا حتى من قبل وزير القضاء.. متوقّع من الوزير احترام أي قرار حتى لو لم يتفق معه".
بدورها، توجّهت "الحركة لجودة الحكم" وهي من بين الجهات التي قدّمت طعناً ضد القانون، إلى المستشارة القضائية للحكومة غالي بهراف ميارا، بطلب فتح تحقيق جنائي بشأن التسريب.
وادّعت الحركة بأن تسريب المسودة يأتي في إطار "تحريك تهديدات باتجاه القضاة ومحاولة التأثير على مواقفهم المهنية، مضيفة: "نتحدث عن أسلوب مافيا (عصابات) خطير، يناسب الأنظمة الظلامية ولا يناسب دولة ديمقراطية تحترم استقلالية المحكمة والقضاة".