تساؤلات في تونس عن إثارة ملف تسليم آخر رئيس وزراء في عهد القذافي: عدالة أم تصفية حسابات؟
طفت على السطح من جديد، في تونس، قضية تسليم رئيس الوزراء الليبي الأسبق البغدادي علي المحمودي من طرف السلطات التونسية إلى ليبيا في العام 2012، وسط شكوك حول الدواعي من وراء إثارة ملف آخر رئيس حكومة ليبية في عهد الراحل معمر القذافي مجدداً.
وطلبت وزيرة العدل التونسية ليلى جفال، في وقت سابق، من الوكيل العام لمحكمة الاستئناف بتونس، الإذن لوكيل النيابة في المحكمة الابتدائية بفتح تحقيق قضائي للكشف عن ملابسات تسليم المحمودي وبدء التحقيقات مع مسؤولين في الدولة، مثيرة تساؤلات حول توظيف الملف سياسيا في الصراعات الدائرة حاليا بين الرئيس التونسي قيس سعيّد ومعارضيه، خصوصا الرئيس الأسبق منصف المرزوقي وحركة "النهضة"، اللذين كانا في الحكم في ذلك الوقت.
وسيشرع قاضي التحقيق بالمحكمة الابتدائية في تونس، المتعهد بالبحث في الملف، في الاستماع لشهادات عدد من المسؤولين السابقين، ومن بينهم المرزوقي، ووزير الدفاع الأسبق عبد الكريم الزبيدي، والمستشار الأسبق برئاسة الجمهورية سمير بن عمر، ورئيس الديوان سابقا برئاسة الجمهورية عدنان المنصر، ووزيرا العدل السابقان الأزهر القروي الشابي ونور الدين البحيري، ورئيس الحكومة الأسبق حمادي الجبالي، وغيرهم.
وذكرت تقارير متطابقة أنه جرى، الثلاثاء، الاستماع إلى شهادة رئيس الجمهورية المؤقت بعد الثورة فؤاد المبزع.
ملف لاتهام الخصوم السياسيين؟
ومنذ تسليمه في 2012، تحولت قضية المحمودي من دوائر التقاضي الدبلوماسي والقانوني إلى ملف خلافي سياسي داخلي في تونس، حيث جرى استعماله لاتهام الخصوم السياسيين فيما بينهم.
ويتهم كل فصيل سياسي خصمه بتسليم المحمودي والتورط في الملف، بالعلم أو بالمشاركة، بشكل جعل كل الطبقة السياسية التي تداولت على الحكم مباشرة بعد 2011 محل شكوك وتشويه، سواء المسؤولون الذين ينتسبون لأحزاب "نداء تونس" أو "النهضة" أو "المؤتمر من أجل الجمهورية"، وغيرها من الأحزاب التي شاركت في الحكم، وكانت قريبة من سلطة القرار خلال تلك الحقبة.
وقال المحامي والمستشار الأسبق برئاسة الجمهورية سمير بن عمر، في تصريح لـ"العربي الجديد": "أشعر بالارتياح لتعهد القضاء بهذا الملف باعتباره سيسمح بكشف كل ملابسات تسليم البغدادي المحمودي، وسيمكن من توضيح كل الترهات التي نشرت طيلة السنوات الماضية حول هذه القضية".
وتابع "إن الاتهامات الموجهة للمنصف المرزوقي بخصوص هذا الملف لا علاقة لها بالحقيقة، وسيثبت القضاء ذلك، فلا علاقة للرئيس المرزوقي بعملية التسليم ولم يكن على علم بها ولم يتم إعلامه بها".
وفيما أشار بن عمر إلى أن" هناك توظيفا سياسيا في هذا الملف وأخرجت من طبيعتها القانونية"، شدد بالقول إن "عملية التسليم شابتها تجاذبات سياسية ومزايدات".
وأكد المتحدث ذاته أن "الحكومة التي اتخذت قرار التسليم هي حكومة الباجي قايد السبسي في سنة 2011، وهناك قرار قضائي في التسليم، وقد تم رفض قرار الطعن الذي قدمه المحمودي، وبالتالي، كل ما يقال حول القضية هو من قبيل المزايدات".
وحول اتهام المرزوقي من قبل سياسيين في ملف المحمودي، بيّن بن عمر أن "الرئيس المرزوقي يتعرض باستمرار إلى كل أشكال التشويه والأكاذيب والافتراءات، وتصاعدت حدة الأكاذيب والمغالطات بعد 25 يوليو/ تموز بسبب مواقفه من الإنقلاب".
وتمت عملية تسليم المحمودي في يونيو/ حزيران 2012، خلال حكومة حمادي الجبالي، أحد أبرز قيادات حركة "النهضة" التونسية والذي استقال منها بسبب خلافات داخلية.
يذكر أن المحمودي أعلن وقتها إضرابا عن الطعام في سجنه بتونس احتجاجا على قرار السلطات التونسية تسليمه إلى ليبيا.
وتم التسليم رغم عدم موافقة المرزوقي، بل إنه أعلن وقتها أن التسليم "لن يتم ما لم تستقر الأوضاع في ليبيا، وضمان توفير محاكمة عادلة للمحمودي".
المحمودي يستعد لمقاضاة تونس
وفي سياق متصل، يستعد المحمودي لتقديم شكوى أمام المحكمة الجنائية الدولية ضد تونس، على خلفية تسليمه من طرف الحكومة التونسية في 2012 إلى مجموعات مسلحة، بحسب محاميه.
ونقلت تقارير إعلامية عن المحمودي الذي يعيش في الإمارات أنه ينأى بنفسه عن التجاذبات السياسية في ليبيا، ويجهّز ملفا لتقديمه إلى القضاء الليبي وإلى محكمة الجنايات الدولية ضد السلطات التونسية.
وليست هذه المرة الوحيدة التي يثار فيها ملف تسليم مسؤول سياسي أجنبي من تونس إلى بلد آخر، فقد وقعت أكثر من أربعين منظمة حقوقية تونسية، في أغسطس/ آب من العام الماضي، بيانا مشتركا، نددت فيه بتسليم تونس الناشط السياسي الجزائري سليمان بوحفص إلى بلاده، في ما اعتبرته "سابقة خطيرة" بتسليم لاجئ ملاحق بسبب مواقفه السياسية، وطالبت بتوضيح ملابسات ما حدث للرأي العام.
وأشارت المنظمات إلى أن السلطات التونسية "خرقت مجددا التزاماتها الدولية بحماية اللاجئين"، وأن "اختفاء" الناشط السياسي في تونس جاء في "ظروف غامضة". وينتمي بوحفص لمنظمة "حركة استقلال القبائل" التي تعرف بـ"ماك" والتي تعتبرها الجزائر منظمة "إرهابية"، ومحكوم عليه بالسجن بعد إدانته بـ"الإساءة إلى الإسلام" في 2016.