تساؤلات حول قدرة جامعة الدول العربية على حلّ الأزمات

09 مارس 2023
الأمين العام للجامعة، أحمد أبو الغيط، تونس 2019 (ياسين القايدي/الأناضول)
+ الخط -

أعادت تصريحات مندوب ليبيا الدائم لدى جامعة الدول العربية، وسفيرها في القاهرة عبد المطلب ثابت، بشأن "حاجة الجامعة العربية الماسة إلى الإصلاح"، تسليط الضوء على أزمة تعيشها المنظمة التي تحتفل في 22 مارس/ آذار الحالي، بالذكرى 78 لتأسيسها.

وعادة ما كانت ترتبط دعوات "إصلاح جامعة الدول العربية" بوجود خلافات بين الأعضاء لا سيما مع مصر، دولة المقرّ، والتي سعت دول أخرى إلى انتزاع الميزات التي تحوزها باعتبارها دولة التأسيس. حتى إن بعض الدول طالبت مرات عدة بنقل مقر الجامعة من القاهرة، وتدوير منصب الأمين العام، لكي لا يصبح حكراً على المصريين.

وانطلقت أمس الأربعاء، أعمال الدورة 159 لمجلس جامعة الدول العربية في القاهرة على مستوى وزراء الخارجية لبحث ملفات عدة، بينها تطورات فلسطين.

وكان المندوب الليبي الذي ترأس بلاده الجامعة العربية على المستوى الوزاري خلال الدورة 158، قد قال في اجتماع على مستوى المندوبين، عقد في القاهرة يوم الإثنين الماضي، إن "ما صاحب رئاسة ليبيا للدورة من أحداث، يظهر وبشكل عاجل حاجة الجامعة إلى تسريع خطوات إصلاحها وتطوير أنظمتها وتحديث آليات تفسير ومتابعة القرارات الصادرة عنها، إذا ما أريد لها أن تكون كما أراد لها ميثاقها؛ بيتاً لكل العرب تحترم فيه حقوق الدول الأعضاء على قدم المساواة وتحصن فيه قرارات الجامعة ومخرجاتها من التأثر بالمواقف السياسية".

حسين هريدي: لا يوجد إجماع عربي حول مفهوم إصلاح الجامعة العربية

وفي مارس 2021، وصف وزير الدولة السعودي للشؤون الأفريقية، أحمد قطان، قبيل انعقاد مجلس جامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية العرب، في مقر الأمانة العامة في القاهرة، جامعة الدول العربية بأنها "منظمة بمن دون أنياب وعليها أن تدرس كيف أصبحت للاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي قوة ومكانة، وتحاول أن تعمل على تحقيق هذا الهدف مهما كلفها من مال"، كما انتقد "رواتب موظفيها"، و"استنزاف أكثر من مليار ونصف المليار دولار".

وتتحدث مصادر في الجامعة عن أن تكرار المطالبات بالإصلاح في هذا التوقيت بالذات، ربما يخفي وراءه خلافات سياسية متكررة بين دولة المقر، مصر، ودول أخرى معلنة كما الحال مع ليبيا؛ وأخرى تتحدث عنها الكواليس السياسية والإعلامية، كما الحال مع السعودية والجزائر، على حد قولها.

إصلاح الجامعة العربية أمرٌ صعب

ويرى مساعد وزير الخارجية المصري السابق السفير حسين هريدي أن جامعة الدول العربية "فقدت قدرتها على أداء دور في القضايا العربية"، معرباً عن اعتقاده بأن مسألة إصلاح الجامعة في ظل الوضع العربي الحالي أصبحت "أمراً صعباً".

ويقول هريدي في تصريحات لـ"العربي الجديد" إنه "لم يعد لجامعة الدول العربية دور ملموس في القضايا السياسية التي تواجه الدول العربية، ولا أعتقد أنه يمكن في الظروف العربية الراهنة الحديث عن وجود إجماع عربي حول مفهوم إصلاح هذا التنظيم الإقليمي العربي".

وكانت مسودة "إعلان الجزائر" التي تمّت مناقشتها من قبل وزراء الخارجية العرب، خلال الاجتماع التشاوري الذي عقد نهاية أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، قد تضمنت 20 بنداً أساسياً، من ضمنها بند يخص إصلاح الجامعة العربية بعد إصرار الجزائر.

ويقول عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية وأستاذ القانون الدولي العام أيمن سلامة إن جامعة الدول العربية "لا تحوز رصيداً إيجابياً أو ترحيباً شعبياً من المواطن العربي، خصوصاً في الآونة الأخيرة، ومنذ انهيار الاتحاد السوفييتي السابق في عام 1991، ومنذ تحول طبيعة النزاعات المسلحة إلى نزاعات غير دولية".

ويضيف سلامة أنه "في سورية وقبل تحول النزاع المسلح هناك إلى نزاع دولي، لم تستطع جامعة الدول العربية أن تحرك ساكناً في ذلك البلد، واكتفت فقط بتعليق عضويته في المنظمة. وأيضاً في السودان وتونس وليبيا واليمن والصومال وجزر القمر، سواء كانت نزاعات مسلحة أو سياسية أو انهيارات اقتصادية كما في الحالة اللبنانية".

ويؤكد سلامة أن الجامعة العربية "لا يمكن لها أن تتحجج بأنها لا تستطيع أن تتدخل في الشؤون الداخلية السيادية للدول العربية". ويوضح أن "هذه النزاعات المسلحة الأهلية في داخل الدول مثل الحالة الليبية وأيضاً في السودان وفي جزر القمر والصومال والعراق، تهدد السلم والأمن الدوليين، ومداها يتخطى الحدود الإقليمية لهذه الدول".

ويعتبر سلامة أن "التشرذم السياسي في تونس والانهيار الاقتصادي في لبنان، فضلاً عن الإخفاق في اختيار رئيس للجمهورية هناك، لم تحرك فيه جامعة الدول العربية ساكناً".

ويلفت إلى أن "التنظيم والتركيب الهيكلي وآليات عمل جامعة الدول العربية لم يحقق أي ديناميات في الواقع الميداني، وبعبارة أخرى، فإن هذه الآليات والمبادرات والهياكل لجامعة الدول العربية تكاد تكون مجرد مسائل تنظيرية وليست فاعلة في وحدة الأمة العربية".

لم تحرك الجامعة ساكناً في سورية أو اليمن أو السودان أو ليبيا

إلى ذلك، يؤكد عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية أن "الكوارث الطبيعية التي حدثت منذ أكثر من عام في سلطنة عمان (إعصار شاهين) ثم في سورية هذا العام، كشفت عن عجز جامعة الدول العربية في الاستجابة الفورية في تقديم المساعدات الإنسانية من قبل هيئات الجامعة".

وحول إمكانية إصلاح الجامعة العربية، يرى سلامة أنه "من الضروري النظر في تعديل آلية التصويت، وهل ستتطلب هذه الآلية الإجماع في القضايا كافة أم يكفي فقط الأغلبية في قضايا معينة". وبرأيه، فإنه "يجب أيضاً أن تكون التوصيات والقرارات التي تتخذها لجان المتابعة لتنفيذ توصيات القمم العربية، إلزامية تنفيذية حتى لا تصير القرارات التي تصدر عن القمم مجرد حبر على ورق".

وخلال الاجتماع التشاوري الذي سبق "إعلان الجزائر" اقترحت الجزائر بنداً حول "إصلاح الجامعة العربية وتحيين منظومة العمل العربي المشترك بهدف الاستجابة إلى الحاجيات الملحة والاستحقاقات الرئيسية للمنطقة العربية"، وهو بند كان محل إجماع بين وزراء الدول العربية الذين أكد معظمهم الحاجة إلى إجراء مراجعة عملية لمنظومة العمل العربي المشترك ومؤسسات الجامعة، وإدراج المجتمع المدني ضمن مؤسسات الجامعة.

لكن الصيغة النهائية المتعلقة ببند إصلاح الجامعة لم يتم حسم صيغتها النهائية الخاصة بآليات متابعة تنفيذ القرارات والبحث عن صيغة تخص الطابع الإلزامي لتنفيذها، وتطوير عمل البرلمان العربي، عبر تعديل مواد في نظامه الأساسي.

ووصف مندوب الجزائر الدائم بالجامعة العربية حميد شبيرة، في تصريح صحافي آنذاك، مسألة إصلاح الجامعة العربية بأنها "ملف مهم أصرت الجزائر على طلب إدراجه". وهذه هي المرة الثانية التي تدعو فيها الجزائر لمشروع إصلاح الجامعة العربية، بعد مشروع تطويري كانت قد قدمته في قمّة الجزائر عام 2005.

وفي السياق، يقول مساعد وزير الخارجية السابق وعضو المجلس المصري للشؤون الخارجية وعضو "الجمعية المصرية للأمم المتحدة"، السفير رخا أحمد حسن: "كانت هناك محاولات جادة عدة لتعديل ميثاق جامعة الدول العربية، من بينها المشروع المتكامل الذي تقدم به الأمين العام السابق عمرو موسى، وكان يهدف إلى تحويل جامعة الدول العربية إلى منظمة شأنها كشأن باقي المنظمات الإقليمية والدولية، وأن تكون القرارات الصادرة عنها ملزمة بأغلبية بسيطة، نسبة 50 في المائة + 1، باستثناء القرارات المهمة والحساسة تكون لها نسبة أغلبية خاصة".

ويضيف حسن: "نية الإصلاح موجودة، وهو ما لمسناه في عدد من البيانات والتصريحات مثل بيان الجزائر الأخير، الذي دعا إلى أن تصير الجامعة العربية كسائر المنظمات الإقليمية، لكن المشكلة تتمثل في عدم توفر الرغبة والإرادة".

ثغراتٌ تحول دون الإصلاح

ويوضح حسن أن "هناك عدداً من الثغرات داخل جامعة الدول العربية تحول دون محاولات الإصلاح الحقيقية، منها: القرارات داخل جامعة الدول العربية التي لا تُلزم من يرفضها أو يتحفظ عليها من الدول، وهذا دليل على أن الدول العربية لا تأخذ بالأغلبية، ولذلك نادراً ما يؤخذ بالتصويت لأن هناك افتقاراً لروح العمل الجماعي".

ويلفت في هذا الإطار إلى أن "الجامعة العربية لا تزال متمسكة بميثاق إنشائها بأنها (جامعة للدول)، فلكل دولة إرادة مستقلة وسيادة خاصة بها، وترفض الدول التنازل عن جزء من تلك الإرادة أو السيادة لصالح المجموع، مثلما يحدث في الاتحاد الأوروبي أو حتى الاتحاد الأفريقي".

أيمن سلامة: من الضروري النظر في تعديل آلية التصويت داخل الجامعة

ويقول الدبلوماسي المصري إنه "لا توجد معيارية ثابتة لآلية التصويت، ومثال سورية خير دليل. فقرار وقف عضوية سورية في الجامعة العربية جاء بأغلبية الأصوات، ولذلك عند عودة عضويتها مرة أخرى يجب أن تكون بأغلبية الأصوات (نفس الآلية)، وهو ما لم يحدث بسبب اعتراض عدد محدود من الدول". كما "لا توجد إرادة لدى الدول الأعضاء، بإعطاء تفويض للجامعة لكي تقوم بدور الوساطة في كل الأزمات العربية، كالأزمة اليمنية أو السورية أو التوترات في السودان"، بحسب قوله.

ويرى حسن أنه "من المفترض أن الجامعة العربية لديها خبرة في ما يُعرف بالدبلوماسية الوقائية، وهو دور وساطة تلعبه الجامعة للحيلولة دون تحول النزاعات إلى صراعات مسلحة، وأن تحافظ على حالة من الوفاق بين الدول العربية".

ويعتبر الدبلوماسي المصري أن "هناك أزمة في تمويل الجامعة أيضاً، فالدول لا تسدد الاشتراكات المطلوبة، وهنا لا نتحدث عن الدول الفقيرة التي لا تستطيع السداد، لكن حتى الدول الغنية تتلكأ في الدفع، كما أنه ليست هناك ميزانية للطوارئ، لذلك تغيب روح التضامن بين الدول".

ويتساءل الدبلوماسي المصري: "ما هو دور الجامعة العربية في كل من الأزمة الليبية أو اليمنية أو حالات الاحتقان بين المغرب والجزائر؟"، مؤكداً "وجود حالة إحجام وتقاعس من الدول الأعضاء، تحول دون تحول الجامعة إلى منظمة قوية، لها دور فعال في تصفية الأجواء، ووحدة الصف العربي في مواجهة التحديات".


 

المساهمون