تساؤلات حول غياب ميركل عن دعم مرشح حزبها لمنصب المستشارية
بعد 16 عاماً من المسيرة المهنية الناجحة للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، تسلّمت فيها قيادة المستشارية في ألمانيا الاتحادية لأربع ولايات متتالية؛ يبدو أن حزبها "المسيحي الديمقراطي"، ورغم عودته لتصدّر الاستطلاعات على "حزب الخضر" بفارق بسيط، قد ينتهي به الأمر في المعارضة، بعد الانتخابات البرلمانية العامة المقررة في سبتمبر/أيلول المقبل. وباتت تُطرح تساؤلات عن الدوافع وراء غياب ميركل، التي ستغادر الحياة السياسية في الخريف المقبل، عن المشهد الانتخابي الحالي وعدم دعمها زعيم حزبها والمرشح لمنصب مستشار، رئيس وزراء ولاية شمال الراين فستفاليا، أرمين لاشيت، في الحملة الانتخابية.
وفي هذا السياق، تبرز التقارير الإعلامية أن المستشارة لن تكون جزءاً من الحملة الانتخابية للبوندستاغ، ولا تخطط للظهور العلني وبشكل رئيسي فيها، ويعود السبب إلى كون لاشيت يدخل السباق كمرشح لا يحظى بتأييد شعبي كبير لمنصب مستشار عن الاتحاد المسيحي؛ على عكس ميركل التي استطاعت أن تكسب الود والثقة خلال مسيرتها السياسية وسنوات حكمها، حتى أن بعض الاستطلاعات بيّنت أن الكثير من الناخبين كانوا يصوتون لشخص ميركل.
إلى ذلك، فإن دوائر الحزب العريق تفيد بأن المستشارة لن تشارك كما العادة، رغم أن لاشيت يريد مواصلة مسارها السياسي المعتدل. وفي السياق، تلفت التقارير إلى أن "المسيحي الديمقراطي" يعتزم خوض حملة انتخابية ناجحة، وعلى خلفاء ميركل التأقلم بمفردهم مع الواقع المستجد، وهو غيابها عن المشهد السياسي والانتخابي، وهنا تبرز شبكة "إن تي في" الإخبارية، أن المستشارة وخلال حملة الانتخابات الأوروبية عام 2019 لم تظهر سوى مرة واحدة، وقد أوضحت في عدة مناسبات أنه يتعين على خلفائها في الحزب التعامل بمفردهم مع الحملات الانتخابية، وأنها لا تريد التدخل، ويبدو أن هذا ينطبق على لاشيت، رغم أن "الاتحاد المسيحي" يواجه خطر فقدان منصب المستشار لصالح "حزب الخضر"، الذي زادت نسبه، وفق استطلاعات الرأي، بشكل ملحوظ بالمقارنة مع الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي جرت عام 2017.
وعن التقديرات بتوجه "الاتحاد المسيحي" إلى المعارضة؛ فإن الأمر يعود إلى إمكانية جدية بتشكيل تحالف "إشارات المرور" بعد الانتخابات، بقيادة "حزب الخضر"، يضم إلى جانبه كلاً من الأصفر "الليبرالي الحر" والأحمر "الاشتراكي الديمقراطي"، حيث من المتوقع أن يكون لهم أغلبية واضحة في البوندستاغ المقبل، كما أن ثمة احتمالات تفيد بأن مرشحة "الخضر" لمنصب المستشارية، أنالينا بربوك، ستحاول تشكيل ائتلاف حكومي بدون "المسيحي الديمقراطي".
وإزاء ذلك، برزت تحليلات تفيد بأن المستشارة لن تترك حزبها يضيع في متاهات سياساته الحزبية الضيقة والمنافسة بين مسؤوليه، وقد تعمد، كما جرت العادة قبل أي استحقاق، إلى التعبير عن رؤيتها لمسار الأمور، وبالتالي شد العصب والتحشيد، وهذا ما ظهر في الكثير من المحطات والمؤتمرات الحزبية، وأهمها تزكية وزيرة الدفاع أنغريت كرامب كارنبور لزعامة الحزب، قبل أن تقرر الأخيرة، وقبل نهاية ولايتها، الاستقالة، إلى دعمها الزعيم الحالي للحزب والمرشح لمنصب المستشار، أرمين لاشيت، عندما خاض قبل أشهر منافسة محتدمة على الزعامة مع أكثر الشخصيات الحزبية المناوئة لميركل؛ فريدريش ميرز، ليفوز لاشيت بالمنصب في الدورة الثانية، بعد أن صوت له العديد من مؤيدي المرشح الثالث والخاسر في الجولة الأولى رئيس لجنة الشؤون الخارجية عن "المسيحي الديمقراطي" في البوندستاغ، نوربرت روتغن.
ومع تراجع عصر "أحزاب الشعب"، وبالتالي توزع الأصوات على العديد من الأحزاب الأخرى التي تمكنت من ضمان المزيد من الاستقرار في هياكلها؛ اعتبرت الباحثة في العلوم السياسية سوزانه شوتماير، في مقابلة مع موقع قناة "إن تي في" الإخبارية، أن المجتمع اليوم بات منظماً بشكل مختلف تماماً عما كان عليه في بدايات الجمهورية الاتحادية، مشيرة إلى أن عامل المنجم الذي كان يصوت مثلاً للحزب "الاشتراكي الديمقراطي" حتى نهاية حياته لم يعد موجوداً، والأحزاب باتت منفتحة أمام جميع الطبقات الاجتماعية، وهناك اختلافات بين جميع الفئات، من خلال ثقافتهم ووضعهم الاجتماعي والاقتصادي، كما تطور المجتمع بكل ألوانه بين المناطق الحضرية والريفية، وفئاته المهنية وأنماط الحياة بين الناس، ويكاد يكون من المستحيل الحفاظ على مفهوم "حزب الشعب"، لأنه أصبح من الصعب، وبشكل متزايد، إيجاد حلول وسط داخل الحزب بين المصالح المتنوعة والمتغيرة بسرعة، عدا عن دخول عوامل وأساليب متطورة في إدارة الناخبين وتحشيدهم، وأهمها وسائل التواصل الاجتماعي، وصولاً إلى القضايا المستجدة، والتي باتت تؤرق المواطن.
وأعربت شوتماير عن اعتقادها بأن اتحاد المستشارة ميركل سينال مرة أخرى خلال الانتخابات البرلمانية العامة المقبلة النسبة الأعلى من الأصوات؛ لأن الظروف القديمة والمبادئ المحافظة لـ"الاتحاد المسيحي" سوف تغلّف الانتقادات الحالية التي تطاول مرشحه أرمين لاشيت، لكن الفوز لن يكون ساحقاً، ورأت أن زمن نيل 30 بالمائة من الأصوات بسهولة من خلال الناخبين الموالين قد ولى إلى غير رجعة، والتقدم على "حزب الخضر" سيكون طفيفاً مع شرط أساسي، وهو إنهاء التباينات الداخلية مع الشقيق الأصغر "الحزب الاجتماعي المسيحي" في بافاريا، بزعامة ماركوس زودر.
تابع آخر أخبار العربي الجديد عبر Google News
