تساؤلات حول الصمت الدولي من تمديد قيس سعيد "الحالة الاستثنائية" في تونس

26 اغسطس 2021
الداخل التونسي متخوف من قرار سعيد تمديد الحالة الاستثنائية (الأناضول)
+ الخط -

بعد أن كان الملف التونسي يتصدر الاهتمام الدولي، لا سيما بعد قرارات الرئيس قيس سعيد، التي وُصفت بـ"الانقلابية"، في 25 يوليو/ تموز الماضي، والقاضية بتجميد عمل البرلمان، وإقالة رئيس الحكومة هشام المشيشي، يقف العالم اليوم في حالت فتور بعد أن مدد سعيد الحالة الاستثنائية، مشيحاً نظره عن هذا القرار لصالح الملف الأفغاني، الذي خطف الأنفاس بسرعة الأحداث التي شهدتها كابول، رغم مخاوف الداخل التونسي على الديمقراطية.

وعند انتهاء مهلة الـ30 يوماً الاستثنائية التي كان قد حددها سعيد، أول من أمس الثلاثاء، عاد ومددها مرة أخرى، ولكن هذه المرة "إلى أجل غير معلوم"، ما أثار ردود فعل غاضبة في الداخل التونسي إلى جانب غضب منظمات حقوقية عالمية، محذرة من هذه الخطوة التي وصفتها بـ"الخطيرة والمفتوحة على المجهول".

ولم تخل المواقف الدولية رغم قلتها، بينها ما عبّر عنه السيناتور الأميركي الديمقراطي كريس مورفي، رئيس اللجنة الفرعية للعلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي للشرق الأدنى وجنوب آسيا وآسيا الوسطى ومكافحة الإرهاب، الذي أعرب عن خيبة أمله الكبيرة بعد قرار الرئيس التونسي تمديد الإجراءات الاستثنائية.

وأوضح السيناتور الأميركي، في بيان نشر أمس الأربعاء، أن "الولايات المتحدة وحلفاءنا الديمقراطيين قد شجعوا تونس على العودة إلى المسار الديمقراطي لأسابيع، من أجل الحفاظ على التحول الديمقراطي التاريخي للبلاد".

ورأى أنه "بدلاً من تعيين رئيس وزراء جديد واستعادة الديمقراطية البرلمانية، أعلن الرئيس التونسي قيس سعيد عزمه على تمديد الإجراءات الاستثنائية إلى أجل غير مسمى".

وأكد كريس مورفي أن "تونس تواجه الكثير من التحديات على غرار معالجة الفساد، والتعامل مع كورونا وتنمية الاقتصاد، والتي لا يمكن مواجهتها إلا عندما يشارك الشعب التونسي بشكل كامل في هذه العملية".

ودعا السيناتور الأميركي سعيد إلى "إنهاء حالة الجمود السياسي هذه في أقرب وقت ممكن، وإعادة البلاد إلى المسار الديمقراطي الذي تحتاجه للنجاح".

وقبله بيوم، علق المقرر الدائم بالبرلمان الأوروبي ورئيس لجنة العلاقة مع البرلمان الأفريقي وعضو لجنتي العلاقات الخارجية والأمن والدفاع، مايكل غالار، على قرار سعيد، قائلاً: "تلقيت برعب قرار تجميد البرلمان التونسي إلى أجل غير مسمى".

وأضاف السياسي الألماني غالار، في فيديو على حسابه الرسمي بموقع "تويتر"، أن "تمديد التجميد ضربة موجهة لقلب الديمقراطية"، داعياً "اللجنة الأوروبية إلى اتخاذ الإجراءات الضامنة لاحترام الدستور بشكل سريع".

وشدد على أن "العودة للإطار الدستوري تستوجب حواراً وطنياً، بدل القرارات الأحادية اللادستورية". 
دلالات المواقف الدولية
في السياق ذاته، أوضح المحلل السياسي طارق الكحلاوي، الذي تولى رئاسة المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "التعليقات والمواقف الدولية حول قرار التمديد تختلف من جهة لأخرى، بحسب أهمية الجهة التي تصدر عنها، برغم أن من بينها من كانت لهجته شديدة جداً، غير أن من عبروا عن مواقفهم إلى حد الآن ليسوا صناع قرار".

ولفت الكحلاوي إلى أن "البرلمان الأوروبي على أهميته، ولكنه ليس صانع قرار، لأن هذه المواقف تتحدد أساساً على مستوى حكومات الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي والسلط التنفيذية، خصوصاً الأطراف ذات العلاقة المباشرة بالواقع التونسي، فرنسا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا".

وأردف أن "المهم هو معرفة رد فعل هذه الحكومات بالأساس"، مضيفاً أن "السؤال المطروح في الحقيقة هو عن هذا الصمت الرسمي لهذه الأطراف بشأن ما يحدث في تونس؟". 

وفيما يتعلق بالموقف الأميركي، قال الكحلاوي إن "الكونغرس الأميركي بمجلسيه، الشيوخ والنواب، وبشخصياته يؤثر في اتخاذ القرار".

ولفت إلى أنه "من المهم معرفة موقف البيت الأبيض ومستشار الأمن القومي، جيك سوليفان، الذي يلعب دوراً مهماً في هذه المرحلة، بالعودة إلى الزيارة التي أداها نائبه إلى تونس، والرسالة التي سلمت للرئيس التونسي من الرئيس الأميركي جو بايدن، وهي تعكس وجود قلق أميركي". واستدرك قائلاً إن "الباعث على التساؤل الآن هو عن سبب الصمت الأميركي بعد قرار التمديد". 

وذكر الكحلاوي أن "السياق الدولي مؤثر ومهم بالنظر إلى المحور الغربي، الأوروبي والأميركي، وتأثيره مهم في المسألة المالية في تونس، وفي صندوق النقد الدولي، وفي تحديد مصير موازنة البلاد".

وتابع أن اللافت هو "عدم صدور موقف أميركي، والتأني في صدور موقف رسمي أوروبي (فرنسا وإيطاليا وألمانيا وبريطانيا)"، مرجحاً أن "قلق هذه الأطراف حالياً سببه غموض الرئيس سعيد، وهذا هو المشكل الأساسي والرئيسي".

ووصف المحلل مواقف هذه الدول من تونس بـ"الحذرة" و"عدم الرغبة في تسليط ضغط قوي عليها في هذه المرحلة".

موقف الجزائر
وفي الشأن، أشار المحلل السياسي، طارق الكحلاوي، إلى أنه "من المهم أيضاً متابعة موقف الجزائر، الذي أوضحه وزير خارجيتها، رمطان لعمامرة، في ندوة صحافية، وعبر فيها عن رفض الجزائر للضغوطات المسلطة أو الممكنة على تونس من الجانبين الأوروبي والأميركي، وحتى من دول عربية"، وقال: "ينبغي كذلك الانتباه إلى الحضور المصري الذي أصبح له تأثير، ولو نسبيا، في تونس".


وفسر الكحلاوي أن "العلاقة ما بين الطرف الجزائري وقيس سعيد قائمة على الصراحة والوضوح، وتدعو إلى التهدئة والتعقل، وهناك دعم واضح".

ورأى أن "الجزائر لا ترغب في رؤية سياسة إماراتية في تونس، بمعنى سياسة المواجهة، بل تشجع على الحوار والدفع في اتجاه ما يمكن أن يسمى بالديمقراطية السيادية (المنهج الروسي) على خلاف الديمقراطية الليبرالية"، مبيناً أن "خيار الرئيس سعيد من شكل الديمقراطية التونسية لم يتضح بعد".
مشروع سعيد "الغامض"
وفي تعليق على هذه المواقف والتطورات الدولية من تونس، قال مدير مكتب المغرب العربي للشبكة الأورومتوسطية لحقوق الإنسان، رامي الصالحي، إن ''ما يقوم به سعيد من إيغال في الغموض والفردانية والاستفزاز واعتماد خطابات تحريضية، وبعض المصطلحات الفاشية، ليس في مصلحة مشروعه الغامض، ولا في مصلحة تونس داخلياً وخارجياً''.

وأضاف الصالحي، في تدوينة على صفحته في "فيسبوك": ''إن كان قادراً (رئيس الجمهورية) على الصمود إلى حدّ الآن على السّاحة الوطنية، فهو لن يصمد كثيراً على السّاحة الدولية، ليس حبّاً من هذه البلدان في تونس وفي شعبها، ولكن حماية لمصالحها ولو على حساب سيادتنا الوطنية''، وفق قوله.

وأضاف: "لا يجب إغفال المعطى الدولي في قراءة المرحلة القادمة. لا السعودية ولا غيرها من البلدان العربية ولا حتى الأوروبية تتحرك خارج السقف الأميركي، إلا في حالات نادرة جداً ويكون فيها الرهان قوياً. وهو ليس واقع الحال في تونس، فهي ليست هدفاً في حد ذاتها، ولا تمثل رهاناً كبيراً، هي فقط قاعدة لما هو أهمّ".

واستطرد: "للأسف التدخل الأجنبي سيكون مضاعفاً، لا سيما في علاقة بالسوق المالية الدولية، وخطابات الاستهلاك الداخلي ليست سندات صرف، ومن لا يزال ينتظر تدني أسعار المنتوجات والخدمات يؤسفني إعلامه أنها في تصاعد".

المساهمون