فجأة، تسارعت الإشارات واحتدم الجدل في واشنطن حول ما إذا كان قد آن أوان الانتقال بحرب أوكرانيا من الميدان إلى الطاولة، أو على الأقل فتح الباب في هذا الاتجاه. ففي أقل من أسبوع، جرت تحركات واتصالات، وظهرت مواقف وطروحات مؤيدة ومعترضة في هذا الخصوص، بقيت بنتيجتها كفة الدعوة للدبلوماسية راجحة، وبمباركة ضمنية من إدارة الرئيس جو بايدن التي دخلت على هذا الخط منذ أواخر الأسبوع الماضي.
رفع 30 نائباً ديمقراطياً، أمس الإثنين، كتاباً إلى الرئيس بايدن يتمنون فيه عليه بأن يُقرن دعمه العسكري لأوكرانيا بمضاعفة الجهود الرامية إلى العثور "على إطار واقعي لوقف إطلاق النار"، كمدخل للبحث عن مخرج للحرب المكلفة. مبادرة هذه المجموعة أثارت أسئلة عن خلفياتها، لا سيما أنها تقاطعت مع موقف الخصم السياسي اللدود للديمقراطيين كيفن مكارثي، زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس النواب، الذي لوّح قبل أيام بإعادة النظر في تمويل الحرب لو فاز حزبه في الانتخابات النصفية.
مثل هذا التلاقي الديمقراطي – الجمهوري يؤشر إلى بدايات الضغوط المحلية المضادة للحرب، ولو أنه تلاقٍ جزئي ومبني على حسابات مختلفة، علماً أن معظم أعضاء الحزبين في مجلسي الشيوخ والنواب ما زالوا مع استمرار الدعم العسكري والاقتصادي لأوكرانيا.
ولفت منسق الاتصالات الاستراتيجية في مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض جون كيربي، في تعليق على كتاب النواب، إلى أن أي خيار دبلوماسي "لا بدّ أن يكون لأوكرانيا رأيها المركزي فيه"، وأن القرار بشأنه "متروك للرئيس (الأوكراني فولوديمير) زيلينسكي".
واعتمدت وزارة الخارجية هي الأخرى نفس التعليق، مع تمرير إشارات حول ترحيبها الضمني بدعوة النواب، وعدم الاعتراض عليها. وقال الناطق باسم الخارجية نيد برايس عن الحوار: "يعرف شركاؤنا في أوكرانيا أنه السبيل لإنهاء الحرب"، لكن المشكلة، كما يرى، "أننا لم نرَ بعد أي إشارة من موسكو إلى أنها مستعدة للدبلوماسية"، لكن عندما يتغير الحال "وتقتنع أوكرانيا بذلك، فسوف نقف إلى جانبها" في الحوار؛ وكأنه يقول إن قرار الحوار في موسكو والباقي علينا.
سبقت ذلك إشارة مماثلة صدرت عن وزير الخارجية أنتوني بلينكن، يوم الجمعة الماضي، عندما نوّه بـ"عقلانية بوتين". ثم تعزز هذا التفسير بالمكالمة الهاتفية التي أجراها وزير الدفاع لويد أوستن مع نظريه الروسي سيرغي شويغو بعد انقطاع طويل، والتي أعقبها اتصال آخر بعد 24 ساعة، أجراه شويغو مع أوستن، "لتحذير واشنطن من قنبلة إشعاعية تزمع أوكرانيا استخدامها ضد القوات الروسية"، كما كشف البنتاغون.
الإدارة تقول إن قصة القنبلة ذريعة لتصعيد روسي حذرت من تبعاته. لكن السياق يرجح أنها قنبلة دخان لحجب فحوى الاتصالات الأخيرة بين موسكو وواشنطن، والتي كشفت على ما يبدو دخول الكونغرس المفاجئ على خطها من مدخل فتح النقاش بشأن تغيير دينامية الحرب، خصوصاً تحرك النواب الديمقراطيين الذي يستبعد أن يكون قد جرى من غير تنسيق مع الإدارة، التي يتزايد الحديث في واشنطن عن "همومها الأوروبية"، ومخاوفها من تراخي التماسك الأطلسي، خلال الشتاء المقبل، تحت ضغوط الطاقة والتضخم، فضلاً عن الالتزامات الأوكرانية. بالإضافة إلى ذلك، فإن الأوضاع والمناخات السياسية الأوروبية، مثل الإيطالية، تنذر بتململ من الحرب، إن لم يكن بالابتعاد عنها.
ما شهدته الأيام الأخيرة وضع احتمال التفاوض على طاولة البحث. التواصل مع موسكو بعد ما يشبه القطيعة، معطوفاً على عريضة الكونغرس وتلميحات الإدارة، كله يحمل على الاعتقاد بأن احتمالات الانعطاف بالحرب نحو التسوية، ولو ليس في القريب العاجل، باتت مرغوبة؛ وربما كان التسخين والتلويح بالنووي من مستلزمات العبور إلى البديل السياسي.