وصول وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، الأحد، إلى إسرائيل في ذات الوقت تقريبا مع وقوع تفجير في منشأة نطنز النووية الإيرانية، وحصول ذلك عشية الجولة الثانية من محادثات فيينا النووية الإيرانية، كل ذلك أثار تساؤلات حول ما إذا كان تزامن هذه التطورات صدفة أم أن هناك رابطا في ما بينها.
الخلفية والمعطيات وعملية نطنز حملت على عدم استبعاد، بل ترجيح الاحتمال الثاني، خاصة وأن هناك خلافا شبه مكشوف بين الإدارة الأميركية الجديدة وحكومة بنيامين نتنياهو حول العودة إلى اتفاق 2015 النووي.
وليس من غير مدلول أن يقوم وزير الدفاع الأميركي، وليس وزير الخارجية أنتوني بلينكن، بأول زيارة إلى إسرائيل، وفي هذا الوقت بالذات، خاصة وأنه ليس هناك في المنطقة الآن ما يستدعي التشاور العسكري المستعجل على هذا المستوى بين الحليفين.
ولم يتحدث الوزير الأميركي في تصريحه عن زيارة من هذا النوع، بل تعمّد التشديد على مدى "صلابة وثبات التزامات أميركا نحو إسرائيل"، كما قال، وكأنه كان في مهمة لتطمين هذه الأخيرة بخصوص عزم إدارة بايدن على ترميم اتفاق 2015 النووي الإيراني، والذي رفع منسوب التوتر بينهما.
وقد انعكس شيء من هذا التوتر في البيان الصادر عن الخارجية الأميركية الأسبوع الماضي، في أعقاب المكالمة الهاتفية بين الوزير أنتوني بلينكن ونظيره الإسرائيلي، حيث خلا من أي إشارة إلى موضوع محادثات فيينا.
وجاء التفجير في نطنز ليعزز هذا الترجيح. ففي معظم التقديرات أن العملية تحمل البصمات الإسرائيلية، استنادا إلى السوابق من التفجيرات والاغتيالات النووية الإيرانية، والتي كان آخرها اغتيال العالم النووي محسن فخري زاده.
ومثل كل مرة، دارت التكهنات حول أكثر من سيناريو يتراوح بين التخريب السيبراني لمحطة الطاقة، وبين التسلل ووضع متفجرات داخلها. ويميل الاعتقاد إلى الثاني إذا صحت الرواية بأن المحطة جرى تدميرها، وبما يتطلب عدة أشهر لإعادة تشغيلها.
وثمة من تساءل ما إذا كانت إسرائيل، في حال كانت تقف وراء العملية، قد أبلغت واشنطن مسبقا بالضربة، والتي تعتبر في هذه الحالة وكأنها موجهة للتخريب على محادثات فيينا.
وفي هذا السياق، حرّكت إسرائيل جماعاتها في واشنطن للضغط على الإدارة الأميركية، بهدف زرع العراقيل في طريق أي اتفاق محتمل مع إيران.
43 سناتورا رفعوا كتابا يحذر البيت الأبيض من رفع أي عقوبات على طهران قبل التوصل إلى اتفاق مقبول معها، وفي ذلك محاولة لقطع الطريق على مقايضة تطرحها الإدارة تقوم على رفع مسبق لقسم من العقوبات مقابل عودة إيران إلى تطبيق التزاماتها بموجب اتفاق 2015.
كذلك، بدأ بعض المنظمات والجهات اليهودية الأميركية في التحرك بهذا الاتجاه، من زاوية ربط العودة إلى المفاوضات مع إيران بتغيير الإدارة أولوياتها وتحويلها من الشرق الأوسط إلى الصين، بحيث يكون ذلك بمثابة "إشارة خاطئة لإيران تشجعها على زعزعة الاستقرار في المنطقة"، وبما يهدد إسرائيل، حسب "المؤسسة اليهودية للأمن الوطني".
بدايات تدل على أن إسرائيل وقواها الأميركية المؤثرة تمهد لحملة مشابهة لتلك التي شنتها ضد إدارة باراك أوباما حول النووي الإيراني، والتي بلغت آنذاك حد مجيء نتنياهو إلى واشنطن متجاوزا البيت الأبيض لإلقاء خطاب تحريضي على الاتفاق، أمام جلسة مشتركة لمجلسي الكونغرس الشيوخ والنواب.
والمعروف أن الكونغرس من الحزبين لا يقلّ حماسا هذه الأيام ضد الاتفاق مع إيران إلا إذا جاء صارما بشروطه وقيوده، ولا يستبعد بالتالي أن يلجأ نتنياهو إلى المزيد من تحريض الكونغرس، مرة ثانية بصورة أو بأخرى، ضد الرئيس بايدن في محاولته النووية الإيرانية، بالرغم من اختلاف الظروف، خاصة وأن البيت الأبيض كشف، حتى الآن، عن تهيبه من أي مواجهة، وتراجع عن معظم وعوده الفلسطينية لحسابات إسرائيلية، منها رغبته في تجنب المزيد من التأزم مع الكونغرس الذي يحتاجه لتمرير مشروعه الأكبر والأهم لتجديد البنية التحتية الأميركية.