تزاحم في وعود الانتخابات المحلية التركية

25 مارس 2024
من الحملات الانتخابية في إسطنبول، فبراير الماضي (إرديم شاهين/Epa)
+ الخط -
اظهر الملخص
- الأحزاب التركية تتنافس في الانتخابات المحلية بوعود تركز على تحسين الخدمات العامة وحل أزمات المدن، خصوصًا إسطنبول بقضايا الازدحام والاستعداد للزلازل، وتتبادل الانتقادات حول الوعود غير المحققة والحالة الاقتصادية.
- حزب "العدالة والتنمية" وحليفه يعدان بمشاريع لتخفيف الازدحام في إسطنبول، بينما يواجه مرشح المعارضة، أكرم إمام أوغلو، انتقادات بعدم تنفيذ وعود سابقة، مع التركيز على تحسين الخدمات والاستعداد للزلازل.
- المعارضة تسلط الضوء على إنجازاتها وتواجه عراقيل في تمويل المشاريع، محاولة استمالة الناخبين بوعود تخص الخدمات العامة والاقتصاد، في حين تتأثر الحملات بالعوامل السياسية والحزبية، مع تأكيد على أهمية إسطنبول.

تتزاحم الوعود الانتخابية التي يقدمها مرشحو الانتخابات المحلية التركية قبل الاستحقاق المقرر في 31 مارس/آذار الحالي، وتتركز الوعود على الخدمات العامة وحل أزمات المدن والولايات. وبما أن لبّ الصراع هو في مدينة إسطنبول، فإن مرشحيها يركزون على مسألة الازدحام والاستعداد للزلازل.

وشكّل هذان الموضوعان العنوان العريض للمرشحين في إسطنبول. وفي الوقت نفسه، عمل المرشحون على الطعن في وعود لم تحققها الأحزاب خلال الفترة السابقة التي امتدت من العام 2019 إلى الآن.

والتركيز على الحالة الاقتصادية أيضاً كان حاضراً في حملات الانتخابات المحلية التركية فضلاً عن استغلال كل مرشح هفوات خصمه في هذه المرحلة الحساسة، واصطياد كل حزب أخطاء الحزب الآخر، وهو أمر معتاد في الحملات الانتخابية.

وعود التحالف الحاكم

حزب "العدالة والتنمية" وحليفه حزب "الحركة القومية" يركزان في حملتيهما الانتخابية على أن البلديات تعمل بشكل متسق مع الحكومة المركزية التي يسيطر عليها الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي يقود التحالف الجمهوري، ويتعهد بحل المشاكل المتراكمة في الولايات والمدن.

ففي إسطنبول، تركز الحملة لدى المرشح مراد كوروم على تخفيف الازدحام المروري الزائد في السنوات الأخيرة، من خلال مشاريع سكك حديدية وخطوط مترو وأنفاق جديدة، وزيادة الاعتماد على خطوط النقل البحري، وتوسيع الطرق.

ومن بين المشاريع، نفق مواصلات جديد تحت الأرض بين شطري إسطنبول الآسيوي والأوروبي، في وقت يُنتقد فشل رئيس البلدية الحالي مرشح حزب الشعب الجمهوري المعارض أكرم إمام أوغلو في حل مسألة الازدحام وعدم تنفيذ مشاريع وعد بها في حملته في الانتخابات المحلية السابقة، ومنها إنشاء خط مترو سريع.


يراهن الشعب الجمهوري على إمكانياته في إدارة البلديات

وكانت لتصريحات إمام أوغلو في حوارين صحافيين قبل أيام، أفاد فيها بأنه نسي وعوداً قطعها لدى سؤاله عنها، مساحة لسخرية التحالف الحاكم واستهداف له، ما أسفر عن حالة من السجال المتواصل بين السياسيين وتفاعل في وسائل التواصل الاجتماعي.

كما عمل التحالف الجمهوري على استغلال مشاهد لأموال كبيرة عائدة لمقربين من إمام أوغلو وحزب الشعب الجمهوري، في محاولة التأثير على الناخبين والنيل من الشعب الجمهوري، وهو ما تحقق فيه النيابة العامة حتى الآن.

والشق الثاني من الوعود في إسطنبول هو التحول العمراني، وهدم المنازل غير المقاومة للزلازل وبناء أخرى جديدة، وهو أكبر تحد لسكان المدينة، وبما أن كوروم كان وزيراً سابقاً للبيئة والعمران، فإنه يتقدم بقوة في هذا المجال، في وقت لم ينجح إمام أوغلو فيه بالتقدم في هذا الملف على الرغم من وعوده، وبرر ذلك بأن الوقت كان قليلاً.

في الولايات الأخرى، يركز التحالف الحاكم على استعادة بناء المناطق المنكوبة من الزلازل خصوصاً ولايات هاتاي وقهرمان مرعش وملاطية وغيرها، وعلى تحسين الخدمات في ولاية إزمير ذات الغالبية العلمانية ومعقل حزب "الشعب الجمهوري"، عبر مشاريع تنظيف الخليج الساحلي، ومشاريع مواصلات ونظافة.

وفي أنقرة، استكمال الخدمات المتعلقة بالمواصلات، خصوصاً أن رئيس البلدية الحالي مرشح الشعب الجمهوري منصور ياواش لم تسجل له مشاريع في المواصلات خلال سنوات حكمه الخمس.

كما شملت البرامج والوعود الانتخابية خدمات مساعدات النساء العاملات وذوي الأطفال من خلال مراكز رعاية خاصة، ودعم المسنين بالأموال وتقديم مزايا مختلفة، كما انتقدت الحكومة سعي إمام أوغلو السابق للانتخابات الرئاسية، وعدم وجوده في إسطنبول خلال أزمات مرت بها.

وعود المعارضة

على جبهة المعارضة، يركز المرشحون على ما حققوه من إنجازات في 5 سنوات، في مقابل سنوات طويلة من حكم "العدالة والتنمية"، تحديداً في إسطنبول وأنقرة، والحديث عن عراقيل يتعرضون لها من قبل حكومة أردوغان، وعدم الموافقة على تمويل المشاريع، مثل مشروع مترو أنفاق في إسطنبول يصل إلى منطقة بيليك دوزو، حيث أكد إمام أوغلو أن مكتب الاستثمار في الرئاسة التركية لم يقر المشروع حتى الآن.

إلى جانب ما سبق، تركز الحملات الخاصة على تقديم مشاريع في المواصلات والانتقال العمراني والاستعداد للزلازل، فضلاً عن مشاريع تضمن مختلف فئات الشعب. في إسطنبول، تعهد إمام أوغلو بدعم دفع إيجارات المتقاعدين المحتاجين، وكذا الحال في أنقرة وفي إزمير وبقية الولايات، حيث التركيز على الخدمات، وسط رهان الشعب الجمهوري على إمكاناته في إدارة البلديات.

وإضافة لما سبق، تسعى المعارضة للضغط على التحالف الحاكم من بوابة الاقتصاد والغلاء وارتفاع الأسعار والتضخم، وتتحدث عن سوء إدارة موارد البلاد، في حين تستغل هفوات مرشحي التحالف الحاكم، ومنها حديث كوروم في برنامج تلفزيوني عن قيادته السيارة بسن الشباب قبل حصوله على إجازة القيادة، إضافة لمسألة عرقلة المشاريع، واتهامات متبادلة بنسخ وسرقة المشاريع وطرحها.


سمير صالحة: العامل السياسي والحزبي موجود في الانتخابات المحلية

ويستفيد إمام أوغلو في طرحه بمخاطبة مختلف فئات الشعب، ويحاول استمالة الناخب الكردي في حملته ودعايته، خصوصاً أنه أعرب في إحدى جولاته عن عزمه تعلم اللغة الكردية، وهذا ما يسجل له في كسب صوت الناخب الكردي الذي قد يكون حاسماً في إسطنبول.

وطاولت الانتقادات البارزة، التي وجهتها المعارضة للتحالف الحاكم، كلمة أردوغان في ولاية هاتاي الشهر الماضي، التي تحدث فيها عن نقص الخدمات نتيجة أن "الإدارة المحلية تحت سلطة حزب آخر"، وهو ما فُسّر على أن الحكومة تعاقب البلديات التي تحكمها المعارضة بعدم التعاون بما يكفي في المشاريع، واستغلت المعارضة هذا الأمر في انتقاد الحكومة.

تأثير الانتخابات المحلية التركية

من جهته، اعتبر أستاذ العلاقات الدولية سمير صالحة، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "التركيز هو على البلديات بما أنها انتخابات محلية، وطريقة خدمة المواطن، من البنية التحتية والمواصلات وخدمات المياه وغيرها من الخدمات الحياتية اليومية".

وأضاف: "لكن علينا أن نقبل حقيقة أن الحملات الانتخابية مرتبطة دائماً بالحراك الحزبي والسياسي، فلا يمكن في تركيا الفصل بين الانتخابات المحلية التركية وبين الانتخابات البرلمانية أو الرئاسية، فدائماً ما يكون تأثير العامل الحزبي والسياسي موجود، والدليل أن أردوغان يشارك مباشرة في هذه الحملات، ويتجول في المدن وينتقد المعارضة وسياساتها وتصرفاتها".

ولفت إلى أن "المعارضة تقدّم في كثير من الأحيان الشق السياسي والحزبي وتوجه انتقادات لسياسات الحكومة أكثر من التركيز على عامل الانتخابات المحلية".

وأشار صالحة إلى أن "لإسطنبول خصوصيتها في الانتخابات المحلية التركية، ومشكلة أكرم إمام أوغلو أن رئاسته بلديتها جاءت بعد فترة زمنية طويلة أمضاها الحزب الحاكم في هذه الرئاسة، وهي مشكلة أساسية لإمام أوغلو، في سياق محاولة تقديم إنجاز بطابع استراتيجي خدماتي في المدينة، كتأسيس البنى التحتية والمواصلات ومشاريع النقل وسدود المياه في إسطنبول. كل هذه المشاريع المهمة حققها حزب العدالة والتنمية، وأكرم إمام أوغلو يحتاج إلى مدة زمنية إضافية لإثبات أنه نجح بالتخطيط للخدمات".

وعلى الجبهة الأخرى، قال صالحة "بالنسبة لمرشح العدالة والتنمية مراد كوروم، فلديه أكثر من فرصة مهمة، الأولى أن المعارضة مفككة، ولا يوجد ثقل شعبي موحد هذه المرة في المعركة الانتخابية في إسطنبول، النقطة الثانية أن العدالة والتنمية ما زال يتحالف مع الأحزاب الصغيرة باستثناء حزب الرفاه الجديد. كما أن هناك نقطة مهمة بالنسبة لكوروم وهي أن لديه خبرة وتجربة في العمل الوزاري، وكان المشرف المباشر على إعادة إعمار المدن التركية التي دمرها زلزال 6 فبراير/شباط 2023".

جلال دمير: الدعاية الانتخابية تختلف في كل ولاية، لأن لدى كل منها وضعاً خاصاً

بدوره، رأى الصحافي جلال دمير، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "الدعاية الانتخابية تختلف في كل ولاية، لأن لدى كل منها وضعاً خاصاً، ففي بعض الولايات يكون مثلاً حزب العدالة والتنمية قوياً، وفي ولايات أخرى تكون الأحزاب الأخرى أقوى. كما أن للجو السياسي في تركيا وطبيعة المرشحين وضعاً خاصاً، ففي ولايات شرق تركيا تكون الشخصية المرشحة أهم من الحزب، وفي ولايات أخرى تكون الأحزاب فوق المرشحين".

وأضاف دمير: "إسطنبول مدينة مهمة جداً عالمياً وعلى مستوى تركيا، لذلك الأجواء فيها حامية جداً، وأبرز ما يتقدم به إمام أوغلو هو وجود فئة معينة ترفض حزب العدالة والتنمية، وهذا يعزز فرصه، بعد تخصيصه مبالغ ضخمة لدعايته الانتخابية. ومع ذلك، يُتهم إمام أوغلو بعدم الاهتمام بالمدينة، وبأنه كان مهتماً بالسياسة أكثر والانتخابات الرئاسية ولم ينفذ وعوده".