يرمي النظام السوري بثقله من أجل إخضاع الجنوب السوري لسلطته، بمساعدة من الجانب الروسي، الآمر الناهي في ما يتعلق باتفاقيات تسوية تُبرم منذ ثلاث سنوات بين فصائل المعارضة السورية والنظام، الذي تسعى قواته لتجريد أهالي مدن وبلدات محافظة درعا من أسلحتهم الفردية، ملوّحة بالاقتحام في حال عدم الاستجابة لمطالبها. وذكر "تجمّع أحرار حوران" أن قوات النظام أضافت أسماء جديدة على قوائم من أبناء مدينة الصنمين في ريف درعا الشمالي من أجل تسليم أسلحتهم الفردية بحلول غد الخميس.
وكانت قوات النظام قد نشرت، السبت الماضي، قائمة بأسماء 97 من أبناء الصنمين من أجل تسليم سلاحهم، مهددة إياهم بمداهمة منازلهم وتنفيذ حملات اعتقال بحقهم، إذا لم يخضعوا لشروطها. وبحسب "التجمع" فقد ورد في اللوائح اسم لشخص قُتل قبل خمس سنوات على طريق كفر شمس - الصنمين، بينما تعود الأسماء المتبقية في اللوائح إلى مقاتلين سابقين في صفوف فصائل المعارضة السورية التي كانت تسيطر على المدينة.
سليمان القرفان: أهالي درعا البلد لن يسلموا السلاح
وتتموضع الصنمين في منتصف المسافة ما بين دمشق ودرعا، حيث تبعد عن المدينتين شمالاً وجنوباً بنحو 50 كيلومتراً. وتقع في محيط الصنمين العديد من الألوية العسكرية التابعة إلى الفرقة التاسعة، التي كانت ارتكبت مجازر بحق المدنيين خلال سنوات الثورة التي بدأت في ربيع 2011. وكان النظام قد أبرم منتصف عام 2018 اتفاقيات تسوية مع فصائل المعارضة السورية في محافظتي درعا والقنيطرة المتجاورتين، إلا أنّه لم يلتزم بهذه الاتفاقيات.
على الصعيد ذاته، تواصل قوات النظام محاصرة حي درعا البلد القريب من مدينة درعا، مركز المحافظة التي تحمل ذات الاسم، منذ 24 يونيو/ حزيران الماضي، وذلك بعد إغلاق الطرق الرئيسية الواصلة بينها وبين مدينة درعا. ويعد الحصار الأسلوب المفضّل لدى النظام السوري وداعميه من أجل إخضاع المناطق الخارجة عن سيطرته، واستخدمه في ريف دمشق لسنوات، وفي أحياء داخل العاصمة، وفي حمص وريفها الشمالي، بالإضافة إلى حلب. ولا يكترث النظام بحياة السوريين داخل المناطق المحاصرة، والتي تضم نساء وأطفالاً ومرضى لا يقوون على مقاومة النقص في الغذاء والدواء. وجاء هذا الحصار على منطقة درعا البلد بعد رفض الوجهاء والأهالي فيها تسليم السلاح الفردي، في ظل تلويح بالسماح لمليشيات إيرانية باقتحام درعا البلد، ما يعني القيام بعمليات انتقام واسعة النطاق، بما فيها التصفيات الميدانية. وتنتشر في محافظة درعا العديد من المليشيات الإيرانية، التي تتخذ من مقرات الفرق العسكرية التابعة للنظام غطاء لها.
وقالت مصادر مطلعة إن الجانب الروسي يؤدي دوراً ضاغطاً على اللجان المركزية في محافظة درعا للرضوخ لمطالب النظام، الذي يسعى إلى تجريد أهالي جنوب سورية من كل أنواع السلاح، تمهيداً لفرض هيمنة كاملة، كالتي كانت قبل الثورة السورية. وتعد درعا البلد المعقل البارز للثورة والمعارضة في عموم الجنوب السوري، الذي يرفض سكانه حتى اللحظة تقديم تنازلات للنظام والجانب الروسي، الذي تحوّل من "ضامن" لاتفاقيات التسوية التي أجريت في 2018، والتي تسمح ببقاء السلاح الفردي مع المقاتلين، إلى مساند لقوات النظام السوري. وتدلّ الأحداث والمعطيات على أنّ هذه الاتفاقيات كانت مدخلاً للنظام للفتك بالمدنيين ومقاتلي المعارضة الذين رفضوا الذهاب إلى الشمال السوري، وفق تلك الاتفاقيات التي لم تعرف محافظة درعا أي استقرار منذ إبرامها، حيث حرص النظام على تعميم الفوضى واعتقال المئات من أبناء المحافظة المعارضين له، والقيام بعمليات اغتيال، أبرزها اغتيال أدهم الكرّاد على طريق درعا - دمشق أواخر العام الماضي.
وكانت أغلب مدن وبلدات محافظة درعا قد رفضت مطالب روسية بتأييد الانتخابات الرئاسية التي أجراها النظام لتثبيت بشار الأسد في السلطة لدورة جديدة مدتها 7 سنوات، وهو ما يؤكد أن ما تقوم به قوات النظام من حصار لدرعا البلد، والتهديد باقتحام مدينة الصنمين، يأتي ضمن سلسلة إجراءات عقابية من النظام وداعميه الروس.
إبراهيم جباوي: النظام يسعى لتركيع أبناء المنطقة الجنوبية
وهذا ما يؤكده "نقيب المحامين الأحرار" في درعا سليمان القرفان، الذي يرى أن "النظام والروس يسعون لمعاقبة أهالي درعا لرفضهم مسرحية الانتخابات الرئاسية التي أجراها النظام أخيراً". وقال، لـ"العربي الجديد"، إنه في حال نجح النظام في نزع السلاح من أيدي أهلنا في درعا البلد سينتقل إلى باقي مناطق المحافظة. وأضاف: "أعتقد أن أهالي درعا البلد لن يوافقوا بأي حال من الأحوال على تسليم السلاح، وسيتحملون الحصار والجوع، وإذا تحركت باقي المناطق في المحافظة، فإن مخطط النظام والمحتل الروسي سيبوء بالفشل، وستبقى درعا عصية على الطرفين.
إلى ذلك، من المتوقع أن يواصل النظام السوري الضغط العسكري والحصار على المدن والبلدات الخارجة عملياً عن سلطته في عموم محافظة درعا. وكان قد حاول، في مارس/ آذار الماضي، إخضاع ريف درعا الغربي، الذي يضم عدة بلدات، منها مزيريب واليادودة وطفس، إلا أنه فشل في ذلك. وفي ريف درعا الشرقي لا تزال بلدة بصرى الشام خارجة عن سيطرة النظام، كونها المعقل الرئيسي للقيادي السابق في فصائل المعارضة السورية أحمد العودة، الذي انضم بعد عام 2018 إلى الفيلق الخامس التابع للجانب الروسي.
من جانبه، أشار القيادي في فصائل المعارضة في جنوب سورية العميد إبراهيم جباوي، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن "النظام السوري يلجأ إلى التصعيد العسكري قبيل كل جولة من جولات أستانة" التي تبدأ اليوم الأربعاء وتستمر حتى غد الخميس. وأوضح أن السلاح الفردي لدى أبناء الجنوب السوري موجود وفق اتفاقيات التسوية التي أبرمت برعاية روسية منذ نحو ثلاث سنوات. وأضاف: "الجانب الروسي اعتبر نفسه ضامناً لهذه الاتفاقيات، ولكن الوقائع على الأرض تؤكد أنه ليس كذلك، بل هو محتل". وأشار إلى أن النظام، بمساندة من داعميه الروس والإيرانيين، "يسعى إلى تركيع أبناء المناطق الخارجة عن سيطرته، ومنها المنطقة الجنوبية". وتابع: "اعتقد النظام أن هذه المنطقة باتت تحت سلطته بعد اتفاقيات التسوية، لكنه اكتشف أن جذوة الثورة لا تزال متقدة في جنوب سورية".