استمع إلى الملخص
- تزامنت العزلات مع دعوات للسلام من الرئيس أردوغان وزعيم حزب الحركة القومية، لكن المعارضة ترى تناقضًا بين هذه الدعوات والإجراءات القمعية.
- يعتقد المحللون أن الحكومة تسعى للضغط على الحركات الكردية وتعزيز علاقاتها مع الأحزاب المقربة من حزب العمال الكردستاني لتحقيق توازن سياسي.
للمرة الثانية خلال أسبوع، تقرر الحكومة في تركيا عزل رؤساء بلديات من أحزاب المعارضة، في وقت تمد يدها للسلام مع الأكراد في البلاد، حيث أعلنت وزارة الداخلية، اليوم الاثنين، عزل رؤساء بلديات ماردين وباتمان، ومنطقة هالفتي في ولاية شانلي أورفة.
حالة عزل رئيس البلدية وتعيين الوصي هي الثالثة من نوعها بعد الانتخابات المحلية التي جرت في 31 مارس/آذار، واستمرار لمسيرة عزل رؤساء البلديات الأكراد بتهمة إقامة علاقات مع حزب العمال الكردستاني في السنوات السابقة. وكانت أول حالة عزل في يونيو/حزيران الماضي لرئيس بلدية هكاري من حزب "ديم" الكردي.
والأسبوع الماضي، عزلت وزارة الداخلية رئيس بلدية أسنيورت في إسطنبول أحمد أوزار عن حزب الشعب الجمهوري، وهو مرشح توافقي مع حزب "ديم" الكردي، لتكون أول حالة عزل تستهدف حزب الشعب الجمهوري وبلدية كبيرة في إسطنبول.
وأعلنت وزارة الداخلية، الاثنين، عزل كل من رئيس بلدية ماردين أحمد تورك وتعيين والي المدينة تونجاي آك كويون وصيا قانونيا، ورئيسة بلدية ماردين غوليستان سونوك وتعيين والي المدينة أكرم جان آلب وصيا قانونيا، ورئيس بلدية منطقة هالفتي في ولاية شانلي أورفة محمد قره يلان، وتعيين قائم مقام المنطقة هاكان باش أوغلو وصيا قانونيا.
وجاء في بيان الداخلية أن سبب عزل أحمد تورك هو حصوله على حكم قضائي بالسجن عشر سنوات بقضية أحداث كوباني، وتواصل دعوى بحقه بتهمة الدعاية لمنظمة محظورة (الكردستاني)، واستمرار التحقيق معه في قضية عضويته بمنظمة مسلحة محظورة بولاية ماردين.
وفي ما يخص رئيسة بلدية باتمان، أفادت الداخلية بأنها حصلت على حكم بالسجن ست سنوات وثلاثة أشهر في قضية العضوية ضمن منظمة مسلحة محظورة من محكمة في ولاية باتمان تعود للعام 2023، وتواصل تحقيقات أخرى في الولاية حول العضوية بمنظمة محظورة، والدعاية لها.
أما رئيس بلدية هالفتي، فلديه أيضا حكم بالسجن أكثر من ست سنوات للعضوية بمنظمة محظورة، كما يواجه تحقيقات في ولاية شانلي أورفة تتعلق بالعضوية في منظمة محظورة.
وجاءت القرارات المفاجئة بعد مدة قصيرة من خطابات وتصريحات غير مسبوقة للرئيس رجب طيب أردوغان وحليفه زعيم حزب الحركة القومية دولت بهتشلي تدعو للاستقرار في البلاد وحل القضايا المتعلقة بالأكراد.
وعقب القرارات، صدرت تصريحات شديدة اللهجة من أحزاب المعارضة. وقال حزب "ديم" في بيان صدر عنه: "إن الدفاع عن إرادة الشعب في جميع الظروف وحماية الحكومات المحلية للشعب هو سبب وجود حزبنا، لقد سممت هذه الأساليب والهجمات كافة أنواع الحلول، كما خلقت المزيد من الشكوك حول صدق الحكومة".
وأضاف: "وبينما ننتظر أن تمد يد الحل والسلام، فقد مدت اليد إلى إرادة الشعب، وبينما نتوقع أن تُحل المشاكل من خلال الحوار والمفاوضات، فقد وُضع الفخ لتوقعات وآمال الشعب للحل، لن نستسلم أبدا، ولن نتخلى أبدا عن الكفاح".
رئيس حزب الشعب الجمهوري في تركيا أوزغور أوزال أيضا كان له منشور عبر منصة إكس، قال فيه: "أحذركم، الكلام على وشك الانتهاء، سنفعل كل شيء للكفاح مع الشر، عندما يُذكر السلام في تركيا، أول ما يتبادر إلى ذهني هو أحمد تورك، إحدى أهم شخصيات الحوار في السياسة".
وأضاف: "نحن نتعامل مع طرف مختل عقليا، شرير القلب، قذر وقح يستولي على بلديات لم يتمكن من الفوز بها في الانتخابات، من دون أن يأخذ أي درس مما حدث منذ أيام، من دون أن يلتفت إلى ما حدث". وكذلك، صدرت تصريحات من رئيسي بلدية إسطبنول أكرم إمام أوغلو وأنقرة منصور ياواش، أدانت بشدة عملية العزل والتعيين.
وخلال الشهر الماضي، شهدت المسألة الكردية تطورا كبيرا في تركيا بحديث الرئيس أردوغان، عند بداية العام التشريعي الجديد للبرلمان، عن تعزيز الجبهة الداخلية للبلاد في مواجهة الأخطار الإقليمية بناء على تداعيات الحرب على غزة ولبنان وخطر امتدادها إلى دول أخرى مثل سورية وإيران.
وفي نفس اليوم، صافح زعيم حزب الحركة القومية نواب حزب "ديم"، وتبعت ذلك تصريحات إيجابية من الجانبين، ليطلق بهتشلي دعوة غير مسبوقة لزعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان لإعلان حل الحزب وترك السلاح مقابل العفو عنه من عقوبة السجن المؤبد التي يقضيها في جزيرة إمرلي.
ومع تفاعل الأحزاب مع هذه الدعوة، ودعم الرئيس أردوغان لها، استهدفت عملية مسلحة نفذها "الكردستاني" مركز الصناعات العسكرية الجوية والفضائية التركية توساش في أنقرة. ورغم دعوات التهدئة من الأطراف وعدم ارتباط ذلك بمرحلة التطبيع بين الأحزاب، فوجئت الأوساط السياسية بعمليات العزل التي جرت اليوم والأسبوع الماضي، ما يضع التحالف الجمهوري أمام تناقضات ما بين مد يد السلام والضرب بالعصا من جهة أخرى.
وتعقيبا على التطورات، قال الكاتب والمحلل السياسي فراس رضوان أوغلو، لـ"العربي الجديد"، إن "الصراع القديم المتجدد في تركيا بين الحكومة بقيادة حزب العدالة والتنمية والحركة القومية ضد المنتخبين من بعض رؤساء بلديات الأكراد مرتبط بشكل أساسي بالعلاقة مع حزب العمال الكردستاني"، مرجحاً أن تكون قرارات العزل "نوع من أنواع الضغط أكثر على الحركات الكردية، وتحديدا التي لا تؤيد أو أنها محايدة في التأييد للسلام مع الحكومة التركية".
ورأى أوغلو أن الحكومة تحاول من خلال التقارب مع مجموعة أحزاب مقربة من حزب العمال الكردستاني، مثل حزب ديم، محاربة الصقور الذين يرفضون مثل هذه الخطوة وإلقاء السلاح. وأضاف: "ربما في نفس الوقت تحاول الضغط على الفئة الأخرى من خلال إثبات من له تواصل مستمر مع الكردستاني، لكن المشكلة هي في تفسير مسألة طريقة التواصل مع الكردستاني وكيفيته. هناك علاقة موجودة بحزب العمال الكردستاني لكن ربما بطريقة تنظيمية أو مدنية أو انتمائية. ربما ليس عن طريق حمل السلاح فقط".
وختم: "الحكومة تسير على مسارين، الأول له علاقة في مرحلة ما بعد التفجير، أي ملاحقة أي شيء له علاقة مع صقور "الكرستاني"، أما المسار الثاني فتحاول من خلاله إيصال رسالة مفادها: نحن هنا ويدنا مفتوحة للجميع لمن يريد السلام".