قال مصدر مطلع في "الجيش الوطني السوري" المعارض، فضّل عدم ذكر اسمه، إن الجانب التركي أبلغ قادة الفصائل بتأجيل العملية العسكرية إلى أجل لم يحدد بعد، خلال الاجتماع الذي جرى، مساء السبت، في منطقة حوار كلس على الحدود السورية التركية.
ويبدو أن الرفضين الإقليمي والدولي لأي تغيير على خريطة السيطرة على طول الشمال السوري، قد دفعا أنقرة إلى تأجيل عمليتها العسكرية المعلنة شماليّ سورية، بهدف توسيع "المناطق الآمنة" لإعادة عدد كبير من اللاجئين السوريين في تركيا من جهة، ودفع "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) بعيداً عن حدودها مع سورية من جهة أخرى.
وأكد المصدر المذكور، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن تأجيل العملية قد جاء فجأة بعد تحديد مسار العملية ومراحلها خلال اجتماع جرى قبل يوم من التأجيل للعملية التي من المفترض أن تصل في مرحلتها الأولى منطقة درع الفرات في ريف حلب الشمالي جغرافياً بمنطقة نبع السلام في شرق الفرات.
عين العرب: أولوية تركية
ويعني ذلك أنها ستنطلق من منطقة عين العرب/ كوباني، الحدودية مع تركيا، وتفصل مناطق سيطرة "الجيش الوطني" المدعوم من أنقرة عن بعضها، ما يجعل السيطرة عليها أولوية تركية.
ووفق المصدر، وفي مرحلة ثانية، كان المقرر أن تتوجه العملية ضد قوات النظام السوري في ريف حلب الغربي، في مناطق قبتان الجبل وعينجارة والفوج الـ 46 التي تتمركز فيها مليشيات إيرانية إلى جانب قوات النظام.
استمرت عين العرب/ كوباني، ذات الغالبية الكردية، هدفاً للجيش التركي، إلا أن التفاهمات الإقليمية والدولية حول سورية حالت دون ذلك، قبل أن يبدّل الغزو الروسي لأوكرانيا معادلات الصراع في سورية، مع تراجع اهتمام موسكو بالملف السوري، ما يعطي أنقرة فرصة للتمدد أكثر شماليّ سورية، مستغلة ربما حاجة الغرب لموافقة تركية على توسيع نطاق حلف شمال الأطلسي (الناتو).
تقع مدينة عين العرب (كوباني باللغة الكردية)على الحدود السورية التركية شرق نهر الفرات، وتتبع إدارياً مدينة حلب، وتبعد عنها نحو 160 كيلومتراً. ويتبع مدينة عين العرب المئات من قرى مختلطة عربية كردية. وكانت المدينة قد تعرضت لهجوم واسع النطاق من تنظيم "داعش" أواخر عام 2014، إلا أن وحدات "حماية الشعب" الكردية تصدت للهجوم بمساعدة من فصائل سورية معارضة، ومن طيران التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة.
وعين العرب من أهم المناطق الكردية في سورية، تخضع لسيطرة وحدات "حماية الشعب" الكردية عمليا منذ عام 2012.
رفض كردي
وبحسب "الأناضول"، أشار الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الاثنين الماضي، إلى أن بلاده "ستبدأ قريباً باتخاذ خطوات تتعلق بالجزء الباقي من الأعمال التي بدأناها لإنشاء مناطق آمنة على عمق 30 كيلومتراً، على طول حدودنا الجنوبية (مع سورية)".
وقد يكون عدم حصول أنقرة على ضوء أخضر من قبل الولايات المتحدة، دفع الجانب التركي إلى التريث قبل إطلاق العملية، وغالباً ما ترفض جميع التيارات السياسية السورية الكردية أي عمل عسكري تركي في سورية.
"المجلس الوطني الكردي" أكّد أن أي تدخل يعقّد الأزمة السورية أكثر.
وقال المنسق العام لـ"حركة الإصلاح الكردي"، العضو في "الهيئة الرئاسية للمجلس الوطني الكردي" فيصل يوسف، في حديث مع "العربي الجديد"، إن المجلس "يؤكد أن الوضع في عموم البلاد بحاجة لمعالجة واهتمام من قبل المجتمع الدولي، عبر الإسراع في تنفيذ القرارات الدولية المتعلقة بالحل السياسي، ولا سيما القرار ٢٢٥٤".
وأضاف أن أي تدخل عسكري جديد سيزيد من محنة الشعب السوري ويعقّد الأزمة أكثر، ولا يسهم في استقرار المواطنين، بل يدفعهم نحو الهجرة والنزوح. ويمثل أمامنا ما جرى في عفرين وسري كانيي (رأس العين)، وتل أبيض من نزوح ولجوء وانتهاكات تمارس بحق الأهالي نتيجة لذلك.
وتابع بأنّ من المهم والضروري للحكومة التركية أن تعالج قضاياها الداخلية في إطار حدود دولتها، وأن تدفع نحو الحل السياسي في سورية لبناء دولة تعبّر عن جميع أبنائها وتحترم حقوق مواطنيها، وتحافظ على احترام الدول المجاورة وسيادتها وبناء العلاقات التي تخدم رفاه شعوب المنطقة وتقدمها.
وبحسب قيادي في "سورية الديمقراطية"، فضّل عدم ذكر اسمه، لأنه غير مخول بالحديث العلني، فإن هذه القوات "تستعد لمواجهة محتملة مع الجيش التركي وفصائل المعارضة السورية"، مضيفاً في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن كل الاحتمالات ممكنة في الشمال السوري خلال الأيام القليلة المقبلة.
يسود التوجس المشهد الكردي في سورية خشية عملية عسكرية تركية جديدة شبيهة بتلك التي طاولت منطقة عفرين مطلع عام 2018، وأدت الى نزوح آلاف المدنيين الكرد إما باتجاه منطقة تل رفعت في ريف حلب الشمالي أو إلى حيّ الأشرفية والشيخ مقصود في مدينة حلب، وإلى بلدات في شرق نهر الفرات.
وتعتبر أنقرة قوات "قسد" نسخة سورية من حزب العمال الكردستاني، وتتعامل معها على أنها مصدر خطر على الأمن القومي التركي. وتتلقى هذه القوات دعماً كبيراً من التحالف الدولي، لكونها الذراع البرية لمواجهة تنظيم "داعش" الذي ما زال يحتفظ بخلايا و"ذئاب منفردة" في منطقة شرقي الفرات، وخاصة في ريف دير الزور الشرقي.
يعتقد رئيس وحدة تحليل السياسات في مركز "الحوار السوري"، محمد سالم، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "يمكن تركيا القيام بعملية إن كانت المناطق المستهدفة واقعة تحت النفوذ الروسي غرب الفرات أو شرق الفرات، إذا لم تعارض موسكو وحيدت نفسها عن الصراع كما حدث في حالة عفرين في عام 2018".
وتابع: "لكن هذا لم يحدث حتى الآن، على العكس، موسكو أرسلت رسائل بدت تحذيرية من خلال تفجير صواريخ جو جو في سماء "شرق الفرات" أخيراً، ورافقت المروحيات الروسية دوريات "قسد" في أجواء مناطق النفوذ الروسي شمال شرقيّ سورية.
الأمن القومي التركي
وترى تركيا أن العملية حاجة ملحّة للأمن القومي، لسببين: الأول يتعلق بحماية حدودها الجنوبية والمحاذية لسورية في ظل انتشار المجموعات الكردية، وتحديداً "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، فيما يكمن السبب الثاني برغبة أردوغان في إعادة مليون لاجئ سوري من بلاده إلى شمال سورية، أو المنطقة الآمنة التي يريد إنشاءها هناك بتوسيع نطاق النفوذ والسيطرة التركية مع المعارضة في الشمال.
وكلا السببين، أو نتائجهما، سيعززان موقع أردوغان وحزبه "العدالة والتنمية" خلال الانتخابات التركية في صيف العام المقبل، ولا سيما في ظل وجود احتقان في الشارع التركي من طول أمد الأزمة السورية وبقاء اللاجئين السوريين في البلاد، وأيضاً مما سببته الحرب من تهديدات أمنية على الحدود.
لكن لم يحدد موعد نهائي لإطلاق العملية، في ظل رفض دولي لها، ما قد يفسر انخفاض حدة تصريحات الحكومة التركية حيالها في اليومين الماضيين.