بدأ السجال علنياً بين مجلس النواب والمفوضية العليا للانتخابات في ليبيا بشأن من هو المسؤول عن إعلان تأجيل الانتخابات، المقررة يوم 24 ديسمير/كانون الأول الحالي، فيما لا تزال الاتصالات تجرى في الكواليس بجهود دولية وأممية لحسم الخلاف.
وفي مقابل تأكيد عدد من النواب، في تصريحات مختلفة خلال الساعات الماضية، مسؤولية مفوضية الانتخابات عن الإعلان عن تأجيل الانتخابات، كونها من ضمن مهامها الأصلية في إدارة العملية الانتخابية، قال رئيس المفوضية عماد السائح إن المفوضية ليست لديها أي "مُشكلة فنية" في إجراء الانتخابات بموعدها المحدد.
وقال السائح لوكالة "الأناضول"، أمس الأحد إن "من أصدر أمر التنفيذ هو مَن يُصدر أمر الإيقاف، وهو من يقرر يوم الاقتراع، فما بالك بقرار التأجيل"، في إشارة واضحة إلى مجلس النواب من دون أن يسميه.
لكن عضو مجلس النواب محمد سعد أكد تصريحات النواب بشأن مسؤولية المفوضية عن إجراء الانتخابات وتأجيلها، وقال "دور المجلس ينتهي عند حد إصدار القوانين، وهو ما وفره".
وتساءل سعد، في حديث لـ"العربي الجديد": "إذا لم تكن لدى المفوضية أي مشكلة فنية في إجراء الانتخابات، فلماذا لم يعلن عن بدء عملية الاقتراع الآن؟".
ولفت إلى أن "عملية الاقتراع بعد صدور القوانين هي من المسائل الفنية الموكلة للمفوضية".
خطة لإنقاذ العملية الانتخابية
ووسط هذا السجال، ينتظر أن تعلن المستشارة الأممية ستيفاني وليامز عن خطة لإنقاذ العملية الانتخابية اليوم الاثنين، وفقاً لتصريحات رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري الجمعة الماضي.
ونفى سعد أن يكون هناك اتفاق على مستوى الرئاسة بين مجلس النواب والمفوضية على الإعلان عن تأجيل الانتخابات، مشيراً إلى أن الاتفاق كان نتيجة تواصل المفوضية مع عدد من النواب بعيداً عن رئاسة مجلس النواب بعد توريط المجلس في الأمر.
وبعدما أفادت مصادر ليبية متطابقة عن اتفاق بين النواب والمفوضية على إبلاغ وليامز بعدم قدرتهم على تأجيل الإعلان عن تأجيل الانتخابات أكثر من يوم الاثنين المقبل، أضافت تلك المصادر، في تصريحات جديدة لـ"العربي الجديد"، أن رئاسة المجلس أرجأت كل الخطوات المتعلقة بعقد جلستها الخاصة بالنظر في تقرير اللجنة النيابية المكلفة بالتواصل مع المفوضية إلى ما بعد يوم 24 ديسمبر الذي يوافق الجمعة المقبلة، ورجحت أن تعقد يوم الاثنين المقبل، في خطوة للتأكيد عن إخلاء مسؤولية عن تأجيل الانتخابات.
ولفت الناشط السياسي الليبي من طبرق صالح المريمي إلى خلفيات تسببت في الأزمة الحالية المتعلقة بتخلي كل الأطراف عن مسؤوليتها حيال الانتخابات، معتبراً أنها أزمة ضربت كل مؤسسات الدولة المعنية بالانتخابات.
وقال المريمي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "أصل هذه الأزمة هو سيطرة أشخاص بعينهم على قرار المؤسسات وتحويلها إلى وسائل للوصول إلى مكاسب خاصة".
وأردف بالقول إنه "كان واضحاً من البداية وجود حلف أو اتفاقات بين رئيس مجلس النواب عقيلة صالح ورئيس المفوضية عماد السائح، بل ورئيس مجلس القضاء محمد الحافي، بدليل إصرارهم على العمل وفقاً لقوانين انتخابية صدرت بشكل غير قانوني وغامض، وأصموا آذانهم عن كل الاعتراضات".
واستدرك قائلاً "إن هذا الحلف لم يتوصل إلى النتائج المرجوة، ما عجل باندلاع الخلاف بينهم، وهو السبب في تخلي كل منهم عن مسؤوليته حيال الانتخابات".
وذكر المريمي أن "الخلاف ظهر علناً بإصدار 72 نائباً موالين لعقيلة صالح بياناً في الخامس من الشهر الحالي، طالبوا فيه المفوضية بعدم الإعلان عن القائمة النهائية للمترشحين".
وأكد الناشط السياسي الليبي من طبرق صالح المريمي أنه "من هنا بدأت حرب صالح على السائح والحافي، فقائمة المترشحين تتوفر على منافسين كبار لهم، وربما للواء المتقاعد خليفة حفتر أيضاً، لذا اتجهوا لعرقلة صدورها بمطالبة السائح والحافي للمساءلة قبل الذهاب خطوة للأمام بتشكيل لجنة برلمانية، لتكون المواجهة في طرابلس قريباً من المفوضية ومجلس القضاء".
وعاد مجلس القضاء للواجهة محدد بتصريحات لرئيسه محمد الحافي مساء أمس الأحد، أكد خلالها أن النويري خاطبه ببطلان قانون تعديل هيكل مجلس القضاء.
في هذا الشأن، أكد المريمي أن خطاب النويري للحافي مؤشر جديد على عمق الانقسامات، وقال: "النويري، الذي عبر عن مفاجأته بتناقل وسائل الإعلام نص القانون من دون علمه، جاهر الآن بصدامه مع عقيلة صالح، الذي يعتبر المسؤول عن تسريب القانون عبر وسائل الإعلام من دون الإعلان عنه رسمياً بهدف تهديد الحافي".
وبالنسبة للأزمة المؤسساتية التي تعيشها البلاد، رأى المريمي أن المنتظر ليس تأجيل الانتخابات، بل إن الحقيقة هي الإعلان عن فشلها، مرجحاً زيادة الضغوط الدولية لإنقاذ الانتخابات من الانهيار.
وظهر الأمس، عقدت وليامز اجتماعاً مغلقاً في طرابلس، حضره رئيس المفوضية عماد السائح ورئيس مجلس النواب المكلف فوزي النويري ووزير الداخلية بالحكومة خالد مازن.
وقالت وليامز إن هذا الاجتماع يأتي في إطار المشاورات الواسعة التي تجريها في مدن مختلفة مع المؤسسات والجهات السياسية والأمنية الفاعلة، لدعم عملية انتخابية حرة ونزيهة وذات مصداقية.
وفيما أنهت وليامز جولة طويلة ضمت طرابلس ومصراتة وبنغازي، التقت خلالها عدداً من المسؤولين بالإضافة لعدد من الشخصيات المترشحة للانتخابات الرئاسية، من بينهم رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة وخليفة حفتر ووزير الداخلية الأسبق فحتي باشاغا.
سيناريوهات تأجيل الانتخابات الليبية
في الأثناء، ينتظر أن يصل إلى طرابلس، اليوم الاثنين، السفير الأميركي ريتشارد نورلاند.
ووفقاً لوسائل إعلام ليبية، فإن زيارة نورلاند تستهدف لقاء رؤساء المجلس الرئاسي والحكومة ومجلس النواب، لـ"بحث إزاحة الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المنتظرة إلى موعد آخر حسب خريطة الطريق".
ونقل الإعلام الليبي، عن مصادر، أن السفير الأميركي "سيعلن نتائج زيارته في مؤتمر صحافي".
وتداولت أوساط ليبية عديد السيناريوهات بشأن شكل تأجيل الانتخابات، منها تقديم إجراء الانتخابات البرلمانية وتأجيل الرئاسية، وهو ما يتوافق مع مضمون خطة وليامز التي كشف عنها المشري خلال تصريحاته الجمعة الماضي.
وأضاف المشري أن عملية التأجيل لن تتجاوز يونيو/حزيران المقبل، لاستناد وليامز إلى خريطة الطريق الموقعة في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، والتي حددت عمر المرحلة التمهيدية للانتخابات بـ18 شهراً.
وينبه أستاذ العلوم السياسية في الجامعات الليبية عيسى الغزوي إلى أن التدخل الخارجي في العملية الانتخابية من أسباب تعثرها ووصولها إلى طريق مسدود، متسائلاً "ما الذي حدا بالسفارة الأميركية إلى دعوة السائح للقاء سفيرها في تونس في هذا التوقيت الحساس؟ كما أعلنت قبل أيام، وما الذي تم نقاشه؟ إن لم يكن كيفية التأجيل ومدته".
ولا يرى الغزوي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن شكل الانسداد الذي وصلت إليه العملية الانتخابية، إلى حد انسلاخ كل الأطراف من مسؤوليتها حيالها، سيمكن وليامز أو أي طرف دولي من فرض أي رؤية لإنقاذ العملية الانتخابية.
ويمضي قائلا: "ليس أمام الجميع إلا القبول بواقع الأمر، وهو أن الإعلان عن تأجيل الانتخابات هو إعلان عن فشلها وانهيار كل الآمال"، مؤكداً أن "على الجميع الآن العمل على التوافق على خطة جديدة لما بعد انهيار الانتخابات، وتلافي الانجراف إلى أتون فوضى جديدة".