الترسيم البحري اللبناني – الإسرائيلي: الإدارة الأميركية "متفائلة" رغم عراقيل اللحظة الأخيرة

09 أكتوبر 2022
يتولى هوكشتاين الآن "الاتصال مع الفريقين لحل الفروقات المعلقة" (حسين بيضون)
+ الخط -

رغم الملابسات المحيطة بمفاوضات الساعات الأخيرة لترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل عبر الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين، تبدو إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن متفائلة أكثر من أي وقت مضى بقرب التوصل إلى اتفاق يغلق هذا الملف. خطابها في الأيام الأخيرة، تميّز بثقة مبطّنة بأن المفاوضات في طريقها إلى خواتيمها المرجوة.

فيما سبق كانت الخارجية الأميركية تكتفي بالإشارة إلى الزيارات المكوكية التي يقوم بها الوسيط هوكشتاين بين الطرفين، من دون تعليق حول مهمته أو إطلاق التوقعات بشأنها.

الآن اختلفت النغمة. "المفاوضات دخلت في طورها النهائي"، كما قال نائب الناطق باسم الخارجية الأميركية فيدانت باتل، أمس الجمعة. بل ذهب في التأكيد الضمني إلى حدّ القول إن الإدارة "ملتزمة بالوصول إلى حلّ ولدينا اعتقاد راسخ بأن تحقيق اتفاق دائم، ممكن وهو في متناول اليد".

كلام جديد من النوع التمهيدي لولادة اتفاق، وفي ذات الوقت يعكس إصرار الإدارة على حسم الموضوع وبسرعة. ولذلك يتولى هوكشتاين الآن "الاتصال مع الفريقين لحل الفروقات المعلقة".

في العادة كان الوسيط يعود إلى واشنطن بعد كل جولة يلتقي فيها الجانبان، مع الوعد باستئناف جولاته لمعالجة الخلافات التي صارت الآن بمنزلة الفروقات، والاختلافات التي جرى تفسيرها بأنها تتعلق بالصيغة وليس الجوهر، من نوع الاستفسارات والتوضيحات والرد عليها باستيضاحات مقابلة.

الترجيح أنّ هذه الدوامة افتعلتها حكومة الاحتلال الإسرائيلي بقيادة يئير لبيد لشراء الوقت تمريراً لانتخابات قريبة محتدمة معركتها مع رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق بنيامين نتنياهو، الذي يبدو أنّ حملته ضد صيغة الترسيم قد تعزز وضعه. لكن مطالب لبيد (الذي يفضله بايدن) قد تؤدي إلى ترحيل الاتفاق إلى ما بعد الانتخابات الإسرائيلية (مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل)، وكذلك قبل حصول الشغور الرئاسي المتوقع في لبنان (ولاية الرئيس ميشال عون تنتهي في 31 أكتوبر/ تشرين الأول). وهذا من شأنه لو فاز نتنياهو، تفويت فرصة على الرئيس بايدن لتسجيل إنجاز دبلوماسي يوازيه البعض بـ"الخطوة الأولى في شق طريق التطبيع بين لبنان وإسرائيل".

ومن هنا استعجال الإدارة الأميركية وتفاؤلها باتفاق صار في "متناول اليد" لو حصل قبل الانتخابات. لكنه تفاؤل يصطدم على ما يبدو بتكتيك شراء الوقت والتأجيل الذي يعتمده لبيد كي لا يعطي نتنياهو ورقة ضده. وفق هذه القراءة من المتوقع أن تنزل الإدارة بثقلها على الجانب اللبناني الضعيف لحمله على تدوير زوايا استيضاحاته، وبما يرضي لبيد لجهة حرمان خصمه نتنياهو من أي ممسك ضده بشأن الترسيم.

وعلى هذا الأساس يُعتقد أنّ هوكشتاين يقوم الآن بتحرّكه المكثف "لحل الفروقات" بين لبنان وإسرائيل؛ أي عملياً لانتزاع المزيد من التنازلات من لبنان الذي يزعم اليمين الأميركي وجوقته في الكونغرس (مثل السناتور الجمهوري تيد كروز) والإعلام وحتى في بعض مراكز الدراسات المحافظة (مثل مؤسسة هدسون)، أنّ الرئيس بايدن مارس "الضغوط" على إسرائيل "لتقديم التنازلات" إلى الجانب اللبناني "وحزب الله". تحريض يردده الجمهوريون خدمة لنتنياهو كما لمرشحيهم في الانتخابات النصفية (8 نوفمبر/ تشرين الثاني) المتزامنة تقريباً مع الانتخابات الإسرائيلية.

موضوع الترسيم البحري بين لبنان وإسرائيل قفز أخيراً إلى واجهة الاهتمامات تحت ضغط الوقت

موضوع الترسيم البحري بين لبنان وإسرائيل قفز أخيراً إلى واجهة الاهتمامات تحت ضغط الوقت. الانتخابات المتزامنة، الأميركية والإسرائيلية واللبنانية، فرضت الاستعجال على الإدارة وفي ذات الوقت تسببت بالارتباك.

تحقيق المشروع يؤمن لبايدن أكثر من مكسب، ولا سيما تيسير مصدر جديد – إسرائيلي – لتزويد أوروبا المتعطشة للطاقة، بكمية ولو ضئيلة من الغاز الطبيعي. وهو بديل قد يسعف البيت الأبيض في الضغط على شركات الطاقة الأميركية لوقف أو على الأقل لخفض صادراتها من النفط والغاز المحليين إلى الخارج، وبالذات إلى أوروبا، وبما يساعد في تحويل هذه الصادرات إلى السوق المحلي بحيث تساهم في خفض الأسعار على المستهلك الأميركي.

وفضلاً عن ذلك، للترسيم بُعده الجيوسياسي كونه يتعلق بسلعة استراتيجية في زمن العطش العالمي الراهن للطاقة، الذي تسببت به حرب روسيا في أوكرانيا. وفي ذلك مكسب ينزل في رصيد بايدن المستعجل على إنجازه، والذي قد يصطدم بحسابات الانتخابات الإسرائيلية، وبما قد يفرض تأجيل الترسيم. ومن هنا تشبث الإدارة بتحقيقه بأي ثمن قد يدفعه لبنان.

المساهمون