لاقت الدعوة التي أعلنت الأمم المتحدة، اليوم السبت، عن إطلاقها بخصوص بدء مشاورات لحوار سياسي بين أطراف الأزمة السودانية استعداداً للتعاطي معها من جانب قوى "إعلان الحرية والتغيير"، مقابل تحفظ من جانب تجمع المهنيين السودانيين.
وأكدت الحرية والتغيير استعدادها للتعاطي إيجاباً مع أي جهد دولي يساعد في تحقيق غايات الشعب السوداني في مناهضة الانقلاب وتأسيس دولة مدنية ديمقراطية. لكنها قالت إنها لم تتلق حتى الآن أي تفاصيل حول مبادرة البعثة الأممية حول السودان، وأكدت أنها ستدرسها حال تلقيها بصورة رسمية، وستعلن موقفها للرأي العام في حينها.
وأوضحت في بيان لها، اليوم السبت، أنها اطلعت على بيان الممثل الخاص للأمين العام في السودان، والذي بادر فيه بالدعوة لمشاورات أولية حول عملية سياسية بين الأطراف السودانية، تتولى الأمم المتحدة تيسيرها، مشيرة إلى أن مكتبها التنفيذي ناقش الموضوع وخلص إلى تجديد قوى الحرية والتغيير موقفها المعلن الذي لا تراجع عنه، وهو مواصلة العمل الجماهيري السلمي لهزيمة انقلاب 25 أكتوبر وتأسيس سلطة مدنية كاملة تقود الانتقال الذي يستكمل مهام ثورة ديسمبر المجيدة، ويؤدي لانتخابات حرة ونزيهة بنهاية المرحلة الانتقالية.
وأضاف البيان أن السودان دولة ذات عضوية في الأمم المتحدة، والبعثة الأممية لديها تفويض بموجب قرارات مجلس الأمن لدعم الانتقال المدني الديمقراطي في السودان. مشيرة إلى أن ذلك الانتقال عصف به الانقلاب. وعليه، فإن تعاطي البعثة مع الوضع الراهن يجب أن يتوافق مع قرارات مجلس الأمن التي نصّت على دعم عملية الانتقال والتقدم نحو الحكم الديمقراطي والسلام وحماية حقوق الإنسان وتعزيزها.
وقال الناطق الرسمي باسم "الحرية والتغيير"، جعفر حسن، لـ"العربي الجديد"، إنهم" يرحبون بأي تدخل من جانب الأمم المتحدة للخروج من المأزق الحالي بشرط أن يكون الحوار من أجل تقويض الانقلاب العسكري في 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وألا يكون الحوار بأي شكل من الأشكال هو مناسبة فقط لشرعنة الانقلاب وفرضه كأمر واقع"، مؤكداً أن كل الأطراف فقدت الثقة تماماً بالمكون العسكري الحالي.
وأوضح حسن أن "نجاح الحوار رهين بحوار داخلي بين القوى التي أنجزت الثورة السودانية قبل 3 سنوات، على أن يسبق ذلك الحوار مساعي الأمم المتحدة، بهدف توحيد الرؤية السياسية لمواجهة الانقلاب بأي من المستويات".
وشدد على ضرورة أن يشمل "الحوار الداخلي قوى الحرية والتغيير، والأجسام المهنية، ولجان المقاومة والمجموعات النسوية، وغيرها، مع تشكيل جبهة عريضة، تفضي إلى إزاحة الانقلاب من المشهد".
تشبث باللاءات الثلاث
في المقابل، تشبث الناطق الرسمي باسم "تجمع المهنيين السودانيين"، مهند مصطفى، في تصريح لـ"العربي الجديد" برفضهم المطلق للحوار مع المكون العسكري والالتزام بعهدهم السابق ولاءاتهم الثلاث "لا تفاوض، لا مشاركة، لا شرعنة"، مشيراً إلى أن "البعثة الأممية التي دعت للحوار كانت مهمتها الأساسية هي حماية الوثيقة الدستورية وفشلت في تلك المهمة، بالتالي لن تنجح في أي مهمة أخرى".
وأضاف مصطفى أن "واجب الأمم المتحدة الملحّ الآن هو حماية حقوق الإنسان في السودان، في ظل الانتهاكات الجسيمة من قتل واغتصاب واعتقالات، ومنع المصابين من الوصول إلى المشافي ودهس المتظاهرين بالسيارات العسكرية وكل ما تقوم به السلطات الانقلابية تجاه المحتجين السلميين"، منتقداً بشدة صمت الخبير الأممي أداما ديينغ، الذي عينه مجلس حقوق الإنسان لمراقبة أوضاع حقوق الإنسان في البلاد "التي ترقى الجرائم فيها إلى تصنيفها كجرائم ضد الإنسانية"، على حد تعبيره.
وفيما أشار إلى أن حديث البعض عن أن وجود الأمم المتحدة وإشرافها على الحوار يعطيه ضمانات دولية، أوضح مصطفى أن "الضامن الوحيد هو الشارع السوداني القادر على فرض إرادته وهزيمة الانقلاب وفرض المسار الديمقراطي، خصوصاً أن الوثيقة الدستورية الموقعة قبل سنوات شهد عليها العالم وكان هناك ضامنون فيها ورغم ذلك انقلب عليها العسكر في 25 أكتوبر كما انقلبوا على الثورة من قبل بفضهم لاعتصام محيط القيادة العامة في يونيو/ حزيران 2019".
وتابع قائلاً إن "كل ذلك يعني أن الثقة غير متوفرة تماماً في العسكر، وأن مصيرهم لا بد أن ينتهي عند حدود الإطاحة بهم، ومحاكمتهم على كل الجرائم التي ارتكبوها، بما في ذلك جريمة تقويض النظام الدستوري".
قوى سياسية تعدّ ميثاقاً جديداً
على الطرف الآخر، يرى القائد الأسبق لسلاح البحرية السودانية، الفريق فتح الرحمن محيي الدين، أن "المكون العسكري مستعد للمشاركة في الحوار الذي دعت له الأمم المتحدة"، وهو مقترح يتماشى، حسب تقديره، مع ما نادى به المكون منذ فترة عن ضرورة مشاركة الجميع في القرار خلال ما تبقى من الفترة الانتقالية.
وكشف في حديثه لـ"العربي الجديد" أن قوى سياسية تعد هذه الأيام ميثاقاً جديداً للتوافق عليه وستوقع عليه بعد أيام.
ومع ذلك استبعد محيي الدين قبول الأطراف الأخرى، خاصة المجموعات اليسارية، بمقترح الحوار "لأنها تطرح شعارات عدمية"، على حد زعمه، قبل أن يضيف: "خصوصاً أن أي حوار سيُثبت قيام انتخابات عامة في مدة لا تتجاوز 18 شهراً، وهو ما تريده بعض أحزاب الحرية والتغيير".
وأشار إلى أن "لجان المقاومة نفسها ستكون حجر عثرة أمام ذلك الحوار لأنها تدعي أنها كيان غير سياسي وغير راغبة في الدخول في الحوارات السياسية"، معتبراً أن "الحزب الشيوعي مسيطر على لجان المقاومة، وتتحرك وفق شعاراته وبرامجه".
كذلك استبعد الفريق محيي الدين، في الوقت نفسه، "تقديم المكون العسكري تنازلات بتسليم السلطة للمدنيين"، قائلاً إنه "سيصر على تسليمها فقط لحكومة منتخبة، مهما كان توجهها السياسي". وتوقع دعوة العسكريين لإجراء انتخابات مبكرة في غضون 6-8 أشهر، إذا فشلت محاولات الجلوس على طاولة حوار، على أن يسبق ذلك تشكيل حكومة تصريف أعمال.
أما المحلل السياسي عبد الله آدم خاطر فيعزو مبادرة الأمم المتحدة الحالية لتعرضها لنقد واسع خلال الفترة الماضية التي أعقبت الانقلاب، لذا ستكثف جهودها لإنجاح مشروع الحوار السوداني السوداني لخطب ود ورضا الشعب. ومع ذلك حذر من أن "وجودها في المشهد يمثل دلالة عجز السودانيين عن إدارة أزماتهم".
وتابع خاطر في تصريحه لـ"العربي الجديد"، قائلاً إن "نجاح جهود الأمم المتحدة رهين ببروز قيادة سياسية جديدة تنهي سيطرة الفئات المختلفة، بمن فيها القوات المسلحة الفاعلة في الأوضاع السياسية والمجتمعية والاقتصادية، وبلورة دورها في المستقبل، وصولاً للدولة المدنية الديمقراطية، وتجاوز واقع الآلام الحالي".